هل يحمل 2024 بشائر انحسار التضخم في المغرب؟

جهود إعطاء ديناميكية للاستثمار وبرامج التحفيز الأخرى يعززان التفاؤل بشأن تحسن الاقتصاد.
الخميس 2024/01/25
لا تتهافتوا فكل ما تريدونه متوفر

يراقب الخبراء بتفاؤل ممزوج بحذر مسار التعافي التدريجي للاقتصاد المغربي من منغصات التضخم خلال العام الحالي، في ظل الضبابية التي لا تزال تلقي بظلالها على العالم نتيجة التوترات، وأيضا بسبب الجفاف الذي يؤثر على تكاليف الإنتاج والشحن.

الدار البيضاء (المغرب) - ظهرت مؤخرا، بوادر تراجع في معدل التضخم في المغرب بعدما ظل في منحى تصاعدي لفترة طويلة منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في أواخر فبراير 2022.

وأنعش المنحى الهبوطي لأسعار الاستهلاك آمال المعنيين بالشأن الاقتصادي وانعكاساته الاجتماعية في البلاد، من خبراء ومستثمرين وأسر، ولكنه أثار في الوقت نفسه تساؤلات حول مسببات هذه الانعطافة غير المتوقعة وإن طال انتظارها.

ووفقا للبنك المركزي المغربي، فإنه بعد تسجيل معدل بنسبة 6.6 في المئة سنة 2022، اتجه التضخم نحو الانخفاض، حيث تراجع إلى 6.1 في المئة في المتوسط خلال العام الماضي.

وجاء معدل التضخم العام الماضي متماشيا مع توقعات مندوبية التخطيط، وقريبا من توقع الحكومة التي كانت تراهن على معدل 6 في المئة.

وتباطؤ معدل التضخم بوتيرة أسرع من المتوقع ابتداء من شهر سبتمبر الماضي، لتبقى توقعات عامي 2024 و2025 في حدود 2.4 في المئة، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء المغربية الرسمية نقلا عن المركزي.

وعلى امتداد عام 2023، واصل التضخم منحاه باتجاه الانخفاض، حيث تراجع من 6.8 في المئة خلال الربع الثاني من السنة إلى 4.9 في المئة خلال الربع الثالث.

واستمر هذا المنحى خلال شهر أكتوبر الماضي، حيث بلغ التضخم 4.3 في المئة، وهو أدنى معدل له منذ شهر فبراير 2022.

يوسف كراوي: أسعار الغذاء قد ترتفع خلال هذا العام مع ندرة المياه
يوسف كراوي: أسعار الغذاء قد ترتفع خلال هذا العام مع ندرة المياه

كما واصلت توقعات التضخم على المدى المتوسط، كما يظهر ذلك الاستقصاء الفصلي للبنك المركزي، تراجعها في الربع الرابع من سنة 2023 بفضل التدابير النقدية التي اتخذها صناع القرار النقدي.

وقرر مجلس إدارة المركزي رفع سعر الفائدة الرئيسي ثلاث مرات، بإجمالي 150 نقطة أساس إلى 3 في المئة، قبل أن يقرر وقف هذا المسار في يونيو 2023، وهو الوضع الذي استمر في شهري سبتمبر وديسمبر الماضيين.

وقالت مندوبية التخطيط في مذكرة شهرية نشرتها الإثنين الماضي، إن بقاء التضخم مرتفع خلال 2023 راجعٌ لارتفاع المواد الغذائية بنسبة 12.5 في المئة، بينما تعاني البلاد من مواسم جفاف مستمرة منذ 2019 بشكل أثر على الإنتاج الزراعي.

وتُشير ميزانية 2024 إلى أن التضخم سينخفض بشكل أكبر إلى نحو 2.5 في المئة، وهو توقع يتشاركه أيضا البنك المركزي وصندوق النقد الدولي.

ورغم الآفاق المتفائلة بشأن التضخم خلال سنة 2024، إلا أن المشهد الاقتصادي ما يزال مشوبا بعدم اليقين، مما يزيد من خطر ارتفاع محتمل للأسعار، ولاسيما أسعار المواد الغذائية والطاقة.

ويرى خبراء أن العواقب طويلة المدى للأزمة الصحية، واستمرار تداعيات النزاع في أوكرانيا والتغير المناخي، قد تؤديان إلى تباطؤ أكثر حدة للنشاط الاقتصادي العالمي، واضطراب في التموين بالطاقة، مما قد ينعكس ارتفاعا في أسعار المواد الأولية.

وعلى الصعيد المغربي، ترتبط المخاطر التي تهدد النشاط، وفقا لأحدث تقرير أصدره المركزي حول السياسة النقدية، بشكل أساسي بسير الموسم الزراعي وتفاقم الإجهاد المائي.

وقال رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير يوسف كراوي لوكالة بلومبرغ مؤخرا، إن "أسعار المواد الغذائية قد ترتفع هذا العام مع ندرة المياه في ظل توجه السلطات لتقييد استعمال مياه السدود لري بعض الزراعات بهدف ضمان توفر مياه الشرب أولا".

وتسهم الزراعة بنحو 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للبلاد، وهو يشغل أكثر من 40 في المئة من السكان، وبالتالي فإن أداءه يعد حاسما في النمو الاقتصادي، حيث يتأثر الإنتاج بموسم الأمطار الضعيفة وغير المنتظمة.

وفي المقابل، فإن جهود إعطاء ديناميكية للاستثمار والبرامج الضخمة التي أطلقتها الحكومة يعززان التفاؤل بشأن وتيرة أكبر للنشاط الاقتصادي على المديين المتوسط والطويل.

وعلى الرغم من تباطؤ التضخم بوتيرة أسرع من المتوقع على الصعيد الدولي، فإن المخاطر المحيطة بتوقعاته تأخذ منحى تصاعديا.

ومع ذلك، تظل توقعات التضخم واعدة، عموما. وتعطي البيانات الاستشرافية، إلى جانب التدابير، التي اتخذها المركزي المغربي والرامية إلى الإبقاء على استقرار الأسعار والقدرة الشرائية، جرعة إضافية من الثقة في قدرة الاقتصاد على الصمود.

كما أنها ستعمل على إعطاء دفعة للجهود المبذولة لتحفيز الاستثمار والنمو وتوفير فرص العمل ضمن خطط تنشيط قطاع الأعمال وسوق العمل.

◙ 2.5 في المئة معدل التضخم المتوقع هذا العام نزولا من 6.1 في المئة بنهاية 2023

وهذه التوقعات المتفائلة يواجهها عدد من المؤشرات السلبية، بحسب كراوي، من بينها عزم الحكومة رفع الدعم عن غاز الطهي، وضبابية الآفاق الاقتصادية على المستوى الدولي، وهو ما يجعل هدف 2.5 في المئة صعب التحقق.

وتستحوذ الشكوك المحيطة بتراجع الضغوط التضخمية على انتباه المؤسسات الدولية، التي تؤكد الحاجة إلى المراقبة المستمرة وتكيف سلس مع التطورات الاقتصادية، قصد استيعاب المتغيرات المعقدة التي تتحكم في نمو المستوى العام للأسعار في الأسواق العالمية.

وبعد أن قرر الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير عند 5.25 و5.5 في المئة في ديسمبر الماضي، شدد الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) على ضرورة توافر مؤشرات إضافية لتكوين قناعة بأن التضخم يتجه للتراجع إلى المستوى المستهدف.

ويعتبر الاحتياطي الفيدرالي أن مسار إعادة التضخم إلى اثنين في المئة ستستغرق بعض الوقت، مسجلا أن توقعات التضخم على المدى الطويل تبدو متجذرة بشكل كبير.

ويستقي المركزي الأميركي المؤشرات من مجموعة واسعة من الدراسات الاستقصائية لدى الأسر والمقاولات وخبراء وهيئات التوقعات، بالإضافة إلى التدابير التي تفرضها الأسواق المالية.

أما في أوروبا، فيتوقع البنك المركزي أن يتراجع متوسط التضخم الإجمالي من 5.4 في المئة خلال سنة 2023، إلى 2.7 في المئة هذا العام على أن يصل إلى 2.1 في المئة العام المقبل و1.9 في المئة خلال العام التالي.

وأشار المركزي الأوروبي عقب اجتماعه الأخير حول نتائج العام الماضي، إلى أن الأزمة المناخية والتوترات الجيوسياسية الحادة يمكن أن تؤديا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة.

11