هل يحقق الاستفتاء على التعديلات الدستورية آمال الشارع الجزائري

الحراك يعارض التعديلات المنتظرة أمام استفحال الأزمة الاقتصادية.
السبت 2020/10/31
تحسين الوضع المعيشي هو الأهم بالنسبة إلى الشارع

الجزائريون مدعوون للتصويت من خلال استفتاء شعبي الأحد على دستور يُفترض أن يؤسس لجزائر جديدة، كما جاء في ديباجته، وأن يحقق مطالب الحراك، غير أن الشارع لا يثق كثيرا في التعديلات الدستورية ومنقسم بشأنها، ويعتقد طيف واسع منه أن التعديلات الدستورية مجرد غطاء لتوسيع صلاحيات الرئيس لا غير.

الجزائر – انقسم سكان حي باب الواد الشعبي معقل الحراك، في العاصمة الجزائرية بين مؤيد ومعارض لاقتراحات الرئيس عبدالمجيد تبون مساء الاستفتاء على تعديل الدستور الذي من المفترض أن يلبّي مطالبهم.

وانطلقت الخميس في الجزائر عملية الاقتراع في الاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد. وبدأت عملية الاقتراع من المناطق النائية والصحراء العميقة حيث حشدت الحكومة إمكانياتها البشرية واللوجيستية من أجل تمكين فئة البدو الرحّل والسكان المعزولين من أداء واجبهم الانتخابي، على أن يكون الاقتراع الشامل الأحد في كامل تراب البلاد.

ويجري الاستفتاء في أجواء استثنائية بسبب القلق المتزايد من تفشي وباء كورونا، وغياب رئيس الدولة عبدالمجيد تبون، الذي نُقل إلى ألمانيا لإجراء فحوصات طبية بعد شكوك في إصابته بفايروس كورونا.

ورأى رشيد بركاني المتقاعد من شركة النقل العامة، أنه “لم يعد هناك أفق أو أمل. طرد الشارع (الرئيس السابق) عبدالعزيز بوتفليقة من السلطة لكن البعض يريد ركوب موجة الحراك للإبقاء على الوضع الراهن”.

ويطالب الحراك، الانتفاضة الشعبية السلمية غير المسبوقة التي لا قيادة حقيقية لها، منذ فبراير 2019 بتغيير جذري في النظام الحاكم منذ الاستقلال في 1962. ولم يتحقّق ذلك حتى الآن، وإن تمكن بضغطه المستمر من دفع بوتفليقة إلى الاستقالة بعد عشرين عاما في الحكم.

والجزائريون مدعوون إلى التصويت في الأول من نوفمبر على دستور جديد يفترض أن يؤسس لجزائر جديدة ويستجيب إلى تطلعات “الحراكيين”، نسبة إلى الحراك.

ولكن بالنسبة إلى بركاني فقد “تم تحويل مطالب الحراك وتم الزجّ بالكثير من الجزائريين الذين نزلوا إلى الشوارع في السجن”.

التعديل الدستوري الذي أراده تبون، يطرح سلسلة من الحقوق والحريات مع الحفاظ على أساسيات النظام الرئاسي

وتحت ظل نخلة في حديقة عامة جلس سعيد مع أصدقائه للعب الدومينو. وأكد على الفور وبشكل مباشر أنه قد حسم بالفعل اختياره. وقال غاضبا “سعر كيلوغرام من سمك السردين يقترب من 800 دينار (حوالي 4 يورو) ويريدون منا أن نذهب ونصوّت؟”.

وكان السردين، السمك الموجود بكثرة في البحر المتوسط، من حظ طبقة الفقراء لكنه أصبح سلعة غالية لا يمكن لأصحاب الأجور الصغيرة الحصول عليه.

وتابع سعيد “البلد في حالة يرثى لها والناس يجرؤون على التحدث إلينا عن جزائر جديدة. ابني البالغ من العمر 32 عاما لا يزال يعيش معي تحت سقف واحد في شقة ضيقة من غرفتين”. وحتى هذا السكن لم تمنحه الدولة له إلا بعد الفيضانات القاتلة (800 قتيل) التي أغرقت الحي في 10 نوفمبر 2001.

وأبدى الجزائريون تذمرهم جراء أزمة اقتصادية تعصف بالبلاد منذ سنوات، ناجمة عن تهاوي أسعار النفط في السوق الدولية، وزادت حدتها مع انتشار جائحة كورونا، ما دفع الحكومة إلى تقليص الإنفاق الحكومي بواقع النصف.

ويراهن علي، الذي كان يرتدي وشاحا بألوان نادي مولودية الجزائر المحبوب في باب الوادي، على عزوف الناخبين عن المشاركة في الاستفتاء. وهو يتوقع أن “تصوت قلة من الناس لأن هذا الاقتراع لن يأتي بأي جديد”. والتعديل الدستوري الذي أراده الرئيس عبدالمجيد تبون، يطرح سلسلة من الحقوق والحريات مع الحفاظ على أساسيات النظام الرئاسي.

وتساءل مرزاق بمرارة “هل هذه هي الجزائر الجديدة؟”، مشيرا إلى امرأة تنام على مقعد ومغطاة بملاءة بلاستيكية. وأوضح هذا الخمسيني حول هذه المرأة “تبلغ من العمر 38 عاما وهي من منطقة سيدي بلعباس (شمال غرب). تعيش بمفردها في هذه الحديقة منذ أربعة أشهر”.

وفي الجانب الآخر، يؤكد إسماعيل بوداغة (65 عاما) أنه لن يتردد وسيضع ورقة “النعم” في صندوق الاقتراع.

Thumbnail

وقال مدير وكالة إنتاج سمعي بصري إن “الأمور تغيرت كثيرا منذ انتخاب تبون في ديسمبر 2019. وعد باسترداد الأموال المسروقة في عهد بوتفليقة، وأعاد فتح نادي الصنوبر للجمهور”.

ونادي الصنوبر منتجع ساحلي شهير في الضاحية الغربية الفاخرة للجزائر العاصمة. وقد ظلّ لعقود مخصّصا لرجال السلطة وأبنائهم، حتى قرر الرئيس تبون إعادة فتحه في أغسطس لجميع الجزائريين. واعتبرت هذه المبادرة تعبيرا عن رغبة لدى تبون في القطع مع ممارسات عهد بوتفليقة وسابقيه.

وأوضح أن “هذا الدستور سيغير الكثير من الأشياء. منذ ما يقرب من عام، بدأت الأمور تتحرك مع كل هؤلاء الوزراء الذين يجوبون البلاد لمحاولة تحسين الظروف المعيشية للجزائريين”.

لكن سرعان ما قاطعته مجموعة من الرجال هاتفين بصوت واحد “هل نسيت وزير الشباب والرياضة الذي طلب منا مغادرة البلاد؟”.

وكان الوزير سيد علي خالدي دعا مؤخرا خلال تجمع من أجل التصويت بنعم على التعديلات الدستورية، الجزائريين المعارضين إلى مراجعة الدستور إلى “تغيير البلد”، مما أثار موجة غضب في مواقع التواصل الاجتماعي واضطر على إثرها إلى الاعتذار. واعترف بوداغة “كان ينبغي إقالة هذا الوزير فور نطقه بهذه التصريحات المتغطرسة”.

وقال أحمد الباغ (72 عاما)، وهو مدافع آخر عن التصويت بـ”نعم”، إن “وضع ورقة في صندوق الاقتراع، الأحد، أمر لا بد منه” لأن “هذا الدستور سيساعد البلاد على طي صفحة العشرين عاما من حكم بوتفليقة الكارثي”.

وكان تقليص صلاحيات الرئيس وحماية البلد من الحكم الفردي، هو العنوان الأساسي الذي سوّق به عبدالمجيد تبون التعديل الدستوري منذ الإعلان عنه في خطاب القسم في ديسمبر 2019.

لكن قراءة في مادة سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية تدلّ على أن هذه الصلاحيات لم تتقلص خصوصا في ما يتعلق بالتعيينات من رئيس الحكومة إلى كل الوظائف المدنية والعسكرية وحتى القضاة.

أما التغيير البارز فهو إدراج مادة تحديد الولايات الرئاسية في اثنتين (متصلتين أو منفصلتين) ضمن المواد الصمّاء غير القابلة للتعديل، ما يمنع الرئيس من إعادة فتح الولايات بتعديل آخر، كما سبق أن فعل بوتفليقة في 2008 حتى يترشح لولاية ثالثة في 2009.

4