هل يتعلم الرئيس التونسي الدرس: الهيمنة على مضامين الأخبار لا تعني السيطرة على عقول المواطنين

تونس - جدد بيان نقابة الصحافيين التونسيين حول “الانحراف الخطير بالخط التحريري في التلفزيون الرسمي التونسي” الحديث عن ضرورة تركيز “إعلام عمومي”.
وعبرت النقابة عن انشغالها بما يحدث داخل المؤسسة و”انخراط التلفزة في التضليل والدعاية الفجة للسلطة وخاصة تعمد مغالطة الرأي العام الوطني بخصوص قضايا حارقة”. وذكّرت “بأنّها نبّهت في بداية السنة الإعلامية من خطورة عملية السطو على مؤسسة التلفزة التونسية كمرفق عمومي من قبل المكلفة بالتسيير والخلط بين الإدارة والتحرير”.
واعتبرت النقابة “أنّ تواصل الوضع في ظلّ صمت الحكومة كسلطة إشراف هو تواطؤ ودليل على وجود إرادة لتحويل المؤسسة الإعلامية العمومية إلى بوق دعاية للسلطة من خلال إفراغها من محتوى يرتقي إلى تطلعات الشعب التونسي”.

المهدي الجندوبي: كلما ظهرت إعلاميا كلما نبذت وهذا سبب اكتساح قيس سعيد
وتتعالى الأصوات التي تطالب رئيسة الحكومة نجلاء بودن بفتح ملف الإعلام العمومي لأن الموضوع يتجاوز مؤسستي الإذاعة والتلفزة الوطنيتين بكثير، ليكون الجدل الحالي مرحلة وعي متجدد يتجاوز الرهانات الظرفية لميزان قوى كل طرف ويحتكم للحوار لوضع قاطرة “المرفق العام للإعلام”.
ويعاني الإعلام العمومي في تونس مشكلات كثيرة، وظل يتأرجح مترددا بين دوره الدعائي الترويجي الذي اعتاده قبل ثورة الرابع عشر من يناير 2011، وحرية التعبير التي أضحت واقعا، ودوره الذي ينتظره التونسيون للإسهام في إنجاح الانتقال الديمقراطي البطيء والهشّ الذي تعيشه تونس. وسبق أن طالبت الجامعة العامة للإعلام في تونس الحكومة بالإسراع بتعيين رئيس مدير عام جديد على رأس وكالة تونس أفريقيا للأنباء (رسمية)، وذلك على أساس برنامج إصلاحي في أقرب الآجال، حتى تتجاوز الوكالة حالة الفراغ التي تشهدها منذ سنة بعد أن رفض أبناؤها تعيينا حزبيا على رأسها وتمسكهم بحياد المرفق العمومي.
ويقول الباحث في الإعلام وأستاذ الصحافة المهدي الجندوبي إنه “في ملف ‘الحيادية’ الإعلامية، يجب التمييز من جهة بين التغطية الإخبارية في شريط الأنباء وهو المرآة العاكسة الرئيسية للأخبار في تونس ومدى إحاطتها اليومية ضمن ما يسمى بالأحداث الجارية، بمواقف وأفعال مختلف الأطراف ومن جهة أخرى بقية البرامج الإخبارية ومن ضمنها البرامج الحوارية”.
ويعتبر الجندوبي أن الهيمنة على مضامين الأخبار لا تؤدي بالضرورة إلى الهيمنة على عقول المواطنين، وهو الرهان الأكبر لكل فاعل سياسي، بل أحيانا العكس هو الذي يقع نتيجة فقدان المصداقية وعادة ما يقترن رفض السلطة برفض إعلام السلطة. حينها لا فائدة ترجى من الحضور الإعلامي المكثف، بل كلما ظهرت إعلاميا كلما نبذك الناس وهذا ما حدث في انتخابات 2019 وسمحت للمرشح قيس سعيد الأقل حضور إعلاميا حينها من تصدر نوايا التصويت ثم الاكتساح الفعلي لصناديق الاقتراع.
ولا تنفرد تونس بهذه الظاهرة وهناك دراسات عالمية تعرضت لمثل هذه المفارقات في بيئات سياسية متنوعة. وتجمع علاقة جفاء الرئيس التونسي بالإعلام المحلي.
ومنذ 2019 لم يزر أيّ صحافي قصر قرطاج، ولم يستقبل سعيد وسيلة إعلام محلية ولم يكن ضيف أيّ قناة أو إذاعة تونسية، كما لم يستطع أيّ صحافي الحصول على معلومات مباشرة من الرئاسة بشأن القضايا التي أثارت الجدل كما لم يشهد القصر تنظيم أيّ ندوة صحافية تتضمنُ مساحة حرّة للأسئلة والإجابات.
لا تنفرد تونس بهذه الظاهرة وهناك دراسات عالمية تعرضت لمثل هذه المفارقات في بيئات سياسية متنوعة. وتجمع علاقة جفاء الرئيس التونسي بالإعلام المحلي
ولا تعلن الرئاسة مسبقا عن نشاطات سعيد، وتكون زياراته عادة “مفاجئة” حيث لا يتمكن الصحافيون من متابعة تحركاته إلا عبر الصفحة الرسمية للرئاسة. ويخاطب سعيد التونسيين عبر مقاطع الفيديو التي تنشرها صفحة رئاسة الجمهورية الرسمية على الفيسبوك أو التلفزة الوطنية.
ويعتبر خبراء أن الجدل الحالي حول “خط تحرير” مؤسستي الإذاعة والتلفزة قد يكون فرصة ﺫهبية، للارتقاء بمشكلة قديمة متجددة في تونس قبل الثورة وبعدها، إلى رؤية موضوعية، شاملة، ونزيهة يكون هدفها: كيف يمكن للمرفق الإعلامي العام أن يعكس بأكثر قرب من الواقع الاجتماعي التونسي، القوى السياسية الفعلية المتعددة والمتصارعة والتيارات الفكرية التي قد لا تكون مهيكلة سياسيا لكنها لا تقل أهمية من حيث “تمثيليتها” من التنظيمات الحزبية المعترف بها رسميا. فتكون الفضاء العام الذي يتحاور فيه التونسيون برحابة صدر واحترام وتوازن ولا يكون الحضور حسب اجتهادات فردية لم تعد مسموحة لأننا ببساطة تجاوزناها في تونس، حتى وإن حسنت النية.
واعتبر الجندوبي أن الجدل حول حيادية مؤسستي الإذاعة والتلفزة ليس سوى الوجه الظاهر لجبل الجليد الذي يختفي قسمه الأكبر تحت الماء، وهو ما هو الدور الطبيعي لكل وسائل الإعلام التي كانت تسمى وسائل إعلام “رسمية” أو “حكومية” ثم أصبحت تسمى “المرفق العام للإعلام” حرصا على استقلاليتها وحيادها، وهي كوكبة من الإذاعات وقناتا التلفزة ووكالة الأنباء (وات) وصحيفتا لابريس والصحافة اليوميتان وبعض المؤسسات الخاصة التي تم إلحاقها بعد الثورة بمؤسسة الكرامة القابضة التي تتصرف باسم الدولة في مؤسسات هي الآن ضمن الملك العام وإن كانت مرشحة للتفويت للخواص.