هل يتراجع الاقتصاد السعودي مع تضاؤل عوائد النفط؟

ينظر المحللون بعين الشك إلى إستراتيجية تمديد تخفيضات إنتاج النفط الحالية التي تتبعها السعودية بهدف جعل أسعار الخام مرتفعة، وهو ما قد يؤدي إلى الضغط على اقتصاد البلد الخليجي بعد أن كان الأكثر نموا في مجموعة العشرين خلال العام الماضي.
لندن - تسود قناعة على نطاق واسع أنه في حال واصلت السعودية اتباع سياسة خفض إنتاج النفط لما تبقى من 2023 فسيكون الأمر تحولا قويا لاقتصادها الذي تبلغ قيمته تريليون دولار، بعد أن ارتفع نمو الناتج المحلي إلى مستويات كبيرة في العام الماضي.
وساعدت تلك الطفرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على استثمار عشرات المليارات من الدولارات في كل شيء تقريبا بما في ذلك الرياضة والسياحة والمدن الجديدة.
وجاء الازدهار مدفوعا بإنتاج خام قياسي بلغ حوالي 10.5 مليون برميل يومياً وبلغ متوسط الأسعار مئة دولار للبرميل بعدما تسببت الحرب في أوكرانيا في اضطراب أسواق الطاقة.
والآن، مع التباطؤ الاقتصادي العالمي الذي يلقي بثقله على الطلب على النفط الخام، تخفض الرياض إنتاجها هذا الشهر بالقرب من 9 ملايين برميل فقط يومياً، وهو مستوى نادراً ما وصلت إليه في العقد الماضي.
وأدت هذه الخطوة إلى زيادة الأسعار مؤخرا، ولكن بشكل طفيف. حيث يتداول خام برنت حول 78.5 دولار للبرميل، وهو أقل بنحو تسع في المئة عن بداية العام.
وترى الخبيرة في شؤون الطاقة تسفتانا باراسكوفا التي تكتب لمنصة “أويل برايس” الأميركية أن السعودية، التي تعتبر أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، ستدفع الثمن الاقتصادي لتخفيضات إنتاجها من النفط.
ورجحت أن تتواصل هذه الحالة إذا لم ترتفع أسعار النفط في بشكل بارز خلال النصف الثاني من السنة الحالية.
وقالت السعودية في أوائل يونيو الماضي إنها ستخفض طواعية إنتاجها بمقدار مليون برميل يوميا في يوليو إلى حوالي تسعة ملايين برميل يوميا. وأعلنت خلال الأسبوع الماضي تمديد الخفض إلى أغسطس.
وسيكون مستوى الإنتاج لشهري يوليو وأغسطس أقل بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا من 10.5 مليون برميل يوميا التي ضخّتها السعودية خلال سنة 2022 عندما قفز اقتصادها بنحو تسع في المئة، وحققت ميزانيتها أول فائض منذ عقد.
ومع عدم ارتفاع أسعار النفط إلى 80 دولارا للبرميل، وهو ما يقل قليلا عن السعر المقدر في الميزانية السعودية، سيتباطأ الاقتصاد النفطي وسيؤثر على الموارد المالية لأكبر اقتصادات المنطقة العربية.
ومن المتوقع في المقابل أن يبقى النمو الاقتصادي غير النفطي قويا هذا العام، لكن حصة النفط الكبيرة في عائدات التصدير ستؤثر على الاقتصاد وعائدات الميزانية.
ومن المحتمل أن ينكمش الاقتصاد السعودي بنسبة 0.1 في المئة خلال العام الحالي إذا قرر العضو البارز في تحالف أوبك+ إلغاء الخفض الطوعي في سبتمبر المقبل.
لكن وفقا لتقديرات بلومبرغ إيكونوميكس فإنه إذا استمر ضغط الرياض الهادف إلى تشديد السوق من خلال الإبقاء على التخفيضات إلى نهاية العام الحالي، فإن الاقتصاد في 2023 سينكمش بنسبة واحد في المئة.
وعلى سبيل المقارنة، كانت السعودية أسرع اقتصادات مجموعة العشرين نموا في 2022، حسب بيانات صندوق النقد الدولي الصادرة الشهر الماضي بعد أن قالت أكبر منتجة في أوبك إنها ستخفض إنتاجها النفطي لشهر يوليو.
التراجع الاقتصادي الناتج عن تخفيضات الإنتاج يشير إلى استمرار الاعتماد الكبير على النفط
وقال صندوق النقد العام الماضي إن “النمو الإجمالي بلغ 8.7 في المئة، مما يعكس قوة إنتاج النفط في السعودية”.
ونما إجمالي الناتج المحلي غير النفطي في السعودية بنسبة 4.8 في المئة مدفوعا بالاستهلاك الخاص القوي والاستثمار الخاص غير النفطي، بما في ذلك المشاريع الضخمة.
ومكّن فائض العام الماضي الذي غذّاه ارتفاع إنتاج النفط وارتفاع أسعاره السعودية من ضخ استثمارات كبيرة في مشاريعها المستقبلية الهادفة إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط، بما في ذلك مشروع نيوم المستقبلي الرائد.
ومن المتوقع أن تؤدي تخفيضات أوبك+ المعلنة في أبريل إلى خفض النمو الاقتصادي السعودي إلى 2.1 في المئة هذا العام، من نمو انتظر صندوق النقد في توقعاته الاقتصادية لشهر مايو لاقتصادات الشرق الأوسط أن يصل إلى 3.1 في المئة هذا العام.
وقال الصندوق في مطلع شهر مايو إن “السعودية بحاجة إلى أن تكون أسعار النفط عند 80.9 دولارا للبرميل لموازنة ميزانيتها هذا العام”.
لكن هذا التقدير استند إلى إنتاج النفط السعودي البالغ 10.5 مليون برميل يوميا واستبعد الإنفاق على المشاريع الضخمة.
ووفقا لتقديرات بلومبيرغ إيكونوميكس فإن مستويات إنتاج النفط الحالية وحسب الإنفاق على المشاريع، يرتفع سعر التعادل للنفط في السعودية إلى 95 دولارا للبرميل.
وأدى انخفاض عائدات النفط وإنتاجه بالفعل إلى تباطؤ النمو في اقتصاد السعودية هذا العام.
وقال بنك الإمارات دبي الوطني في تعليق الشهر الماضي إن الاقتصاد السعودي تباطأ في الربع الأول من عام 2023 إلى 3.8 في المئة على أساس سنوي، وهي نسبة تبقى أقل قليلا من التقدير الأولي البالغ 3.9 في المئة.
وأشار البنك إلى أن الإنتاج الحقيقي تقلص بنسبة 1.4 في المئة على أساس ربع سنوي بسبب تراجع إنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي.
وبقي النمو غير النفطي قويا في الربع الأول من هذا العام مدفوعا بالإنفاق الحكومي.
وقالت خديجة حق رئيسة الأبحاث وكبيرة الاقتصاديين في بنك الإمارات دبي الوطني خلال الشهر الماضي إن “الاقتصاد سينكمش إذا أبقى السعوديون التخفيضات الحالية حتى نهاية هذا العام”.
واعتبرت أن “إنتاج النفط الإجمالي في المملكة سيكون في هذا السيناريو، أقل بنسبة 9 في المئة تقريبا مما كان عليه في 2022”.
وأوضحت أن ذلك “يؤدي إلى انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي الرئيسي بنسبة 0.5 في المئة رغم توقعنا أن تسجل القطاعات غير النفطية نموا قويا بنسبة 4.8 في المئة”.
ويشير التراجع الاقتصادي الناتج عن تخفيضات الإنتاج إلى استمرار الاعتماد الكبير على النفط.
وعندما رفعت وكالة فيتش تصنيف السعودية في أبريل الماضي مستشهدة بمركزها المالي القوي واحتياطياتها الأجنبية الكبيرة، حذرت من أن الاعتماد المرتفع على النفط لا يزال يمثل ضعفا في تصنيف الاقتصاد.
ولم يكتف خبراء فيتش بتحذيراتهم تلك، بل أشاروا إلى احتمال تسجيل ضعف مؤشرات الحوكمة التي حددها البنك الدولي وقابلية التأثر بالصدمات الجيوسياسية.