هل يتحوّل مسار المصالحة مع قطر إلى مجرد تهدئة ظرفية؟

التصريحات المرنة والمتفائلة بحلّ وشيك لأزمة قطر مع الدول الأربع المقاطعة لها، لا ترقى في نظر المراقبين إلى مرتبة الدليل على أنّ المصالحة في طور التحقّق، إذ لا شيء يوحي إلى حدّ الآن بتقدّم عملي في حلّ القضايا المسبّبة للأزمة، وهي قضايا جوهرية تتعلّق بمسائل أساسية في السياسة القطرية، وإذا لم يتم التوافق على حلّها فإن المصالحة المنشودة لن تتخطى، وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلا، طور التهدئة الظرفية بين قطر والدول المقاطعة لها.
الرياض - لم يحدث أن كانت محاولات حلّ الأزمة القائمة بين قطر من جهة، وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة مقابلة، أكثر جدية مما هي عليه خلال الفترة الحالية، حيث بدا من خلال التصريحات السياسية المتفائلة والمرنة أنّ الأزمة وضعت بالفعل على سكّة الحلّ، غير أنّ غياب التفاصيل العملية يوحي بأن عوائق لا تزال قائمة وبأن هناك خلافات مستعصية عن الحلّ، الأمر الذي يجعل الحل الشامل أمرا بعيد المنال، بحسب مصادر مقرّبة من المفاوضات الجارية لحلّ الخلاف.
وكان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، قال لوكالة فرانس برس الأسبوع الماضي، إن حلفاء بلاده على الخط نفسه في ما يتعلّق بحل الأزمة الخليجية، متوقعا التوصل قريبا إلى اتفاق نهائي بشأنها.
ويأتي هذا في وقت تستعد فيه دول الخليج لموعد تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، الذي سيرحب بحل خلاف عقّد نسبيا جهود الولايات المتحدة في مواجهة إيران في منطقة الخليج الاستراتيجية.
وقطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر في يونيو 2017 ومنعتها من استخدام مجالها الجوي، متهمة الدوحة بتمويل حركات إسلامية متطرفة. كما أخذت عليها تقاربها الكبير مع إيران.
وعرضت الدول المقاطعة على قطر قائمة من 13 طلبا من ضمنها إغلاق قناة الجزيرة والحدّ من علاقات الدوحة مع إيران وإغلاق قاعدة عسكرية تركية على أرضها، لكن الدوحة رفضت هذه المطالب.
وتقول مصادر مطلعة على المفاوضات إن الدول المقاطعة لقطر بقيادة الرياض مستعدة لتخفيف حدة مطالبها بشكل كبير في الاتفاق النهائي.
وأشار مصدر مقرّب من الحكومة السعودية إلى أن المملكة مستعدة لتقديم تنازلات عبر فتح مجالها الجوي أمام الطائرات القطرية في حال توقّفت الدوحة عن تمويل جماعات تعتبرها الرياض متشدّدة وإرهابية وكبحت جماح وسائل الإعلام التابعة لها. وقال إن “السعودية تدفع باتجاه ذلك، وهي تملك المفتاح الرئيسي وهو المجال الجوي”
وأعربت الإمارات ومصر الثلاثاء عن دعمهما للجهود الرامية إلى حل النزاع. ولكنّ مصادر تقول إن البلدين قد يكونان أقلّ مرونة من السعودية في ما يتعلّق بتخفيف الاشتراطات على قطر.
ومن جهته، قال مصدر آخر في الخليج مقرب من ملف المفاوضات إن العملية التي تقودها المملكة حاليا قد تؤدي إلى نوع من السلام ولكنها لن تقوم بحل كل القضايا الأساسية.
وبحسب دبلوماسي غربي في الخليج، فإن الوسطاء من الكويت يدفعون باتجاه إقناع القادة الثلاثة الرئيسيين؛ ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وأوضح “يجري البحث عن حل مؤقت محتمل في غضون أسابيع قليلة”، مستدركا بالقول “لا أعتقد أن أي شخص يتوقع حلا كاملا. سينظر الجميع في مدى دفء صياغة البيان”.
ونقل دبلوماسيون في الدوحة عن مسؤول قطري كبير قوله إن الاتفاق النهائي “تم الاتفاق عليه مبدئيا لكنه محدود النطاق”.
وحاولت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في آخر عهدها الدفع بالمصالحة بين قطر والدول المقاطعة لها، وذلك ضمن حزمة تسويات في المنطقة تهدف إلى رصّ الصفوف في مواجهة إيران. ولهذا يجري الربط بين جهود إنهاء الأزمة القطرية والتطبيع الجاري بين إسرائيل وعدد من البلدان العربية، آخرها المغرب.
وعن التطبيع بين السعودية وإسرائيل قال جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي ومستشاره، الخميس، إنّه حتمي، موضّحا أنّ إدارة ترامب تعتبر أن السعودية لا بد أن تعترف بإسرائيل.
والمقاطعة التي صُمّمت لدفع قطر لاتباع نهج جيرانها، دفعت الدوحة إلى التقارب بشكل أكبر مع إيران وتركيا، بحسب مراقبين.
وتسعى الولايات المتحدة إلى رفع إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات القطرية، الذي دفعها إلى تغيير مسار رحلاتها لتمر فوق إيران، التي أشارت تقارير إلى أنها حصلت على مئة مليون دولار سنويا لقاء ذلك، الأمر الذي لا يخدم الجهود الأميركية للضغط اقتصاديا على طهران.
وهناك مؤشرات بالفعل على قيام وسائل الإعلام في قطر والسعودية بالتخفيف من حدة لهجتها.
وأشاد المعلق السعودي طارق الحميد في صحيفة عكاظ السعودية المقربة من الحكومة، بالتصريحات المتفائلة مؤكدا على ضرورة “وحدة وتماسك مجلس التعاون الخليجي”.
لكنه أشار إلى أنّه “لا بد من آلية تضمن تعلمنا من التجارب، وعدم تكرارها، لأن الخلافات جوهرية ووجودية وليست خلافات تنتهي فقط بمصافحة”.
وسيكون المؤشر الحقيقي مستوى التمثيل القطري في قمة مجلس التعاون الخليجي المرتقبة قبل نهاية العام الجاري والتي لم يحدد مكانها بعد. وسيشكل حضور أمير قطر مؤشرا على حدوث التقارب.
ومن جانبه، يرى كريستيان أولريشسن من معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس الأميركية، أنّ “الأمر سيستغرق وقتا طويلا وجهودا مستمرة من كافة الأطراف لإعادة بناء العلاقات”، مؤكّدا على أنّ “أي اتفاق سيكون بداية لعملية أطول للمصالحة بدلا من نقطة نهاية أو عودة إلى الوضع القائم السابق قبل عام 2017”.