هل نحن مستعدون لمواجهة كوارث نووية؟

في الوقت الذي رفعت فيه أوروبا استعداداتها إلى درجة اليقظة النووية وأقرت “خطة الإنقاذ السريع” للتعامل مع الكوارث الكبرى فإن دولنا لا تزال مشغولة بقضايا فرعية وكأنها تعيش خارج الكوكب
الثلاثاء 2022/10/11
مخاوف شديدة من عجز الحكومات عن توفير مستلزمات الحياة في ظل الحرب

يمر العالم بظرف حرج سياسيا وعسكريا، تشحذ روسيا من جهة أسلحتها التقليدية والمتطورة، وتجري اختباراتها وخططها الإستراتيجية على أرض أوكرانيا، وفي ذات الوقت تلوّح باللجوء إلى السلاح النووي تجاه أي تحرك أميركي أو أوروبي معاد لها.

ومن جهة أخرى تحرك الولايات المتحدة أسطولها العسكري ليأخذ وضعية الاستعداد لأقصى المخاطر المحتملة، فيما تدعو بعض الأصوات المتشددة إلى ضربة نووية استباقية تشل القدرات الروسية وتضمن تفوقا على الأرض.

قبل أيام تحرك النزاع خطوة إضافية نحو المزيد من التصعيد، إذ تم تفجير أنبوب نورد ستريم، وتشير أصابع الاتهام إلى تورط الولايات المتحدة، فهي المستفيد الأول، إذ تخشى أميركا من الاقتراب الأوروبي – الروسي على خلفية الحاجة إلى الغاز مع اقتراب فصل الشتاء، وهي الورقة التي يمكن أن تتسبب في انهيار الحلف الأميركي الأوروبي ضد روسيا.

◙ وسائل الإعلام الرسمية في الدول العربية لم تقرر حتى هذه الساعة الارتقاء بمهامها الإعلامية إلى مستوى الحدث، وإنما استمرت على نسقها التقليدي كإعلام غائب عن الوعي

هذا التقارب مرفوض أميركيا، فهي من جهة تسعى منذ بداية الأزمة إلى رهن الاقتصاد الأوروبي للاقتصاد الأميركي، ومن جهة أخرى تحميل الدول الأوروبية تكلفة الحرب مع أوكرانيا، وهو الأمر الذي لن يتحقق إلا مع تصاعد العداء بين أوروبا وروسيا.

هذه التطورات السريعة في مجريات الحرب حقيقية، وتناقش من قبل الحكومات الأوروبية بالكثير من الجدية، بما فيها تفاصيل الاستعداد لأيّ كوارث بشرية قد تقع نتيجة اتساع رقعة الحرب، وضرورة تأمين الحاجات الأساسية لبقاء السكان في أمان نفسي وجسدي، وعلى رأسها تحديد مراكز صالحة للإيواء.

تحسبا لاندلاع حرب نووية بادرت السويد إلى تشييد 65 ألف ملجأ تحت الأرض حتى العام 2018 تكفي لاستيعاب 8 ملايين شخص، مجهزة لاستقبالهم في حال اندلاع أيّ حرب نووية محتملة.

في سويسرا الملاجئ النووية مجهزة لاستيعاب جميع السكان، مع توفير مساحة 3 أمتار مكعبة لكل فرد للحصول على ما يكفي من الهواء، وهناك توصيات محددة من الحكومة بشأن إدارة الطعام في حالة الاستخدام، مع تلبية جميع الاحتياجات، بما في ذلك توفير الإنترنت.

ومع ذلك فهناك انتقادات واسعة النطاق بعدم جاهزية الدول الأوروبية بما يكفي للحرب النووية، ومخاوف شديدة من عجز الحكومات عن توفير مستلزمات الحياة في ظل الحرب، وعلى الرغم من أن شن هجوم نووي ليس أمرا يسيرا، لكنه محتمل، وهو ما يدفع الدول الغربية للعمل على تأمين حياة المدنيين.

◙ التطورات السريعة في مجريات الحرب حقيقية وتناقش من قبل الحكومات الأوروبية بالكثير من الجدية

في المقابل يبدو العالم العربي غائبا تماما عن تطورات الأحداث، فالأنظمة العربية تتابع ما يحدث إعلاميا مثل مواطنيها، بصمت وترقب، فلم نلحظ أيّ مبادرة عربية لاستيعاب تطورات الأزمة الدولية وارتداداتها الكارثية المرتقبة على دول المنطقة.

من المتوقع أن يدخل الاقتصاد العالمي في حالة من الكساد الاستثنائي على خلفية الحرب، وقد تنهار على إثرها العديد من أنظمة الحكم وتفقد قدرتها على الصمود أمام الضغوط الاقتصادية المتزايدة، وأمام تداعيات النزاعات الكبرى مثل الحرب العالمية.

وتشير بعض التقارير الغربية إلى احتمال وصول بعض الدول إلى ما تحت خط الفقر، وهي على موعد مع الندرة الحادة في الموارد الأساسية، وقبل عام واحد فقط دخلت العديد من الدول العربية في أزمة غذائية نتيجة وقف جزئي لا يذكر لحركة الاستيراد والتصدير على خلفية تفشي فايروس كورونا.

ثمة دول غنية ومتمكنة ماليا مثل دول الخليج العربي، لكنها لم تظهر أيّ نوع من الاستجابة للتحديات القادمة، على الرغم من أن عموم منطقة الخليج قابلة للموت الجماعي لعدم وجود المياه العذبة وندرة الموارد الغذائية، ومعاناتها ربما تكون مضاعفة.

لقد أنفقت دول الخليج المليارات من الدولارات على التسليح والتدريب والتشغيل والعمليات العسكرية، وقدرت في العام 2017 بما يقارب الـ100 مليار دولار، بينما كان الأولى أن تجهز ملاجئ نووية آمنة بهذه المبالغ المهدورة قادرة على أن تستوعب كل سكان الخليج في حال اندلعت الحرب لا قدر الله.

كما يمكن لهذه المبالغ أن تحول صحراء الخليج القاحلة إلى مصدر تأمين كامل للموارد الغذائية، لكن أغلب الأراضي وزعت لأغراض تنفيعية وأهملت التنمية ربما بسبب رغبة تضامنية الحكومة والتاجر المحلي في استمرار حركة استيراد البضائع من الخارج، وإغلاق الباب أمام كل صور الاكتفاء الوطني.

◙ يبدو العالم العربي غائبا تماما عن تطورات الأحداث، فالأنظمة العربية تتابع ما يحدث إعلاميا مثل مواطنيها، بصمت وترقب

ففي الوقت الذي رفعت فيه دول أوروبا استعداداتها إلى درجة اليقظة النووية، وأقر الاتحاد الأوروبي “خطة الإنقاذ السريع” وهو برنامج معد للتعامل مع الكوارث الكبرى التي قد تصيب الاتحاد الأوروبي بما فيها الهجمات النووية وحماية المواطنين من أيّ مخاطر محتملة، فإن دولنا لا تزال مشغولة بقضايا فرعية وهامشية، وينخرها الفساد، وكأنها تعيش خارج الكوكب.

السياسيون وأصحاب القرار تركز همهم الأساسي في الصراع على الحكم أو حمايته من الأخطار، وفي زيادة أرباحهم وحصصهم المالية، والدخول في سباق أغنى العوائل والشخصيات في العالم، وأمّنوا لهم أماكن إقامة في أميركا والدول الأوروبية في حال ما اضطروا إلى الهروب أو الخروج من الدولة.

لكنهم لم يحسبوا حسابا أن الخطر الأكبر للحرب النووية سيكون في قلب أميركا والعواصم الأوروبية، وأنهم تأخروا كثيرا في الاستعداد داخليا للمستقبل بسبب ضيق أفقهم السياسي وعدم أهليتهم لإدارة الشأن العام وهو ما يطرح سؤالا حول كفاءة القادة السياسيين في التصدي للكوارث، وعن مصير المدنيين الذين من المفترض أن يحميهم هؤلاء القادة؟

حتى وسائل الإعلام الرسمية في الدول العربية لم تقرر حتى هذه الساعة الارتقاء بمهامها الإعلامية إلى مستوى الحدث، وإنما استمرت على نسقها التقليدي كإعلام غائب عن الوعي، مهمته أن يجمّل إنجازات الزعماء دون أن يحمل أيّ هدف أو يواكب الحدث.

8