هل كان الناشط العراقي هشام الهاشمي ضحية تقاعس فيسبوك عن مكافحة خطاب الكراهية

فشلت شركة ميتا ومنصتها فيسبوك في تنفيذ تعهداتها بإزالة خطاب الكراهية، وكانت استجابتها للتبليغات بطيئة للغاية أو معدومة ما تسبب بضرر بالغ للكثير من الناشطين ومنهم من دفع حياته ثمنا لهذا التقاعس من بينهم المحلل السياسي العراقي هشام الهاشمي.
بغداد - كشف تحقيق جديد عن تقاعس منصة فيسبوك في مكافحة خطاب الكراهية الذي تسبب بتعرض الكثير من الناشطين حول العالم لتهديدات حقيقية، من بينهم الخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي الذي قتل بعد حملة منشورات مسيئة تتضمن تهديدات واتهامات بـ”العمالة” وخطابات كراهية.
وذكر التحقيق الذي أجراه موقع “بيزنس إنسايدر” أنه في الأشهر التي سبقت وفاة الهاشمي اتهمت منشورات على فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى الهاشمي بأنه جاسوس للقوات الأميركية أو الإسرائيلية أو البريطانية، والتآمر لزيادة زعزعة استقرار العراق. وفي ذلك الوقت، كان العراق يمر بأكبر احتجاجات شعبية ضد السلطة الحاكمة منذ الغزو الأميركي عام 2003، وقد تم استهداف العديد من الناشطين بالاختطاف والقتل بعد شن حملات عليهم على الشبكات الاجتماعية.
وتمت حملات ترهيب الناشطين والصحافيين في العراق تحت عناوين مختلفة مثل “صبيان السفارة” و”فريق العملاء”، عبر جيوش إلكترونية دشنت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لهذه الغاية، وبإمكانيات عالية من خلال إعداد مقاطع الفيديو وصور تتناول ناشطين وصحافيين على أنهم عملاء مرةً للاحتلال الإسرائيلي وأخرى للولايات المتحدة "يخططون لتخريب العراق وتهديد أمنه وتارة تتهمهم بنشر العلمانية والإلحاد”، بالتزامن مع تهديدات لعدد كبير منهم وصلتهم على شكل رسائل هاتفية أو شفوية مباشرة من أشخاص مجهولين اقتحموا مقرات عملهم في بغداد.
وسلط التحقيق الضوء على مقتل الهاشمي باعتباره أحد المتضررين البارزين من خطاب الكراهية الذي تقاعست فيسبوك عن إزالته رغم التبليغات الكثيرة التي وصلتها بهذا الشأن. وذكر أن الهاشمي تواصل مع أوس السعدي مؤسس منظمة “التقنية من أجل السلام” ليسأله عمّا إذا كان بإمكانه المساعدة في إزالة المنشورات الضارة التي تستهدفه على فيسبوك.
وكانت المنظمة غير الربحية، شريكا موثوقا به في ميتا حيث امتلك السعدي خط تواصل مباشر مع الشركة للمساعدة في إزالة المحتوى الذي يتضمن تهديدات ضد حياة الأشخاص. وفعل السعدي ما في وسعه لمساعدة صديقه، لكن ردود ميتا كانت غير متجاوبة، حيث تمت إزالة بعض المنشورات في غضون يوم واحد، بينما بقيت منشورات أخرى لمدة أسبوع.
وأكد التقرير أن منشورا واحدا كان تاريخه في أبريل 2020 زعم أن الهاشمي كان من قيادات تنظيم القاعدة لم تتم إزالته قط. وأبلغ السعدي عن ذلك، لكن ميتا ردت بأن المنشور لا يخالف سياسات الشركة، وفقا للتقرير. وفي السادس من يوليو من نفس العام، وهو يوم اغتيال الهاشمي أرسل السعدي رسالة لميتا قال فيها "قتلوه الآن" ويقصد الهاشمي، مضيفا لموقع "بيزنس إنسايدر" إن "ميتا كانت أحد أسباب مقتله".
ولم يكن السعدي الوحيد الذي يواجه مثل هكذا مشكلة، فقد تعرضت ميتا وفيسبوك لانتقادات شديدة لفشلهما في الإشراف على المنصة بشكل مناسب. وفي العديد من البلدان، تعتمد "ميتا" على التقارير الواردة من مجموعات مجتمع مدني محلية وخبراء للإبلاغ عن خطاب الكراهية والمعلومات المضللة المنشورة على فيسبوك، من خلال ما يعرف ببرنامج "الشريك الموثوق".
واكتسب البرنامج زخما كبيرا في أواخر عام 2010 بعد أن وجهت انتقادات لميتا لدورها في انتشار عمليات الإبادة الجماعية في ميانمار. ويقول التقرير إن الشركة تعتبر الآن البرنامج ضروريا لإستراتيجيتها للاعتدال في البلدان المتوترة سياسيا، مثل العراق. كما خلصت مسودة تقرير صادر عن مؤسسة "إنترنيوز" الإعلامية غير الربحية في كاليفورنيا حصل عليها الموقع من خلال شريك موثوق، إلى أن الثغرات في برنامج شركاء ميتا الموثوق بهم تعرض الأشخاص لخطر جسيم.
وتعد "إنترنيوز" أيضا أحد أكبر شركاء ميتا وتتلقى تمويلا من الشركة لمشاريع مختلفة. وتضمنت المسودة مجموعة إجابات على أسئلة طرحتها "إنترنيوز" من بينها إقرارها بأن جائحة كورونا "أثرت بشدة" على عملياتها “وأدت إلى ضعف الاستجابة" على شركائها الموثوق بهم بين عامي 2019 و2021.
وفي إحدى الاجابات قالت الشركة “خلال هذه الفترة، عملت فرق مراجعة المحتوى لدينا بقدرة محدودة ولم تكن قادرة على الاستجابة بأسرع ما يمكن لتقارير قنوات الشركاء الموثوق بهم كما نود وكما فعلوا في الماضي".
وأضافت "في ظل هذه الظروف الصعبة، أعطينا الأولوية للمحتوى الأكثر ضررا لفرقنا لمراجعته، مثل خطر التعرض لأذى جسدي وشيك أو عنف". وتشير المسودة كذلك إلى أن ميتا تجاهلت أو تأخرت بشكل كارثي في الاستجابة للإنذارات التي أطلقها شركاؤها الموثوق بهم في إثيوبيا حيث كان هناك صراعان عنيفان في البلاد.
وتلفت المسودة، التي استندت إلى دراسة استقصائية شملت 24 شريكا موثوقا بهم بمن فيهم السعدي، إلى أن الشركاء الموثوق بهم الذين يعملون في جميع أنحاء العالم يواجهون أوقات استجابة متأخرة للغاية و”غير منتظمة” عند الإبلاغ عن خطابات الكراهية وغيرها من المحتوى الضار وكذلك التهديدات الوشيكة على حياة الأشخاص.
◙ حملات ترهيب الناشطين والصحافيين في العراق تمت تحت عناوين مختلفة عبر جيوش إلكترونية دشنت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لهذه الغاية
ووجدت المسودة أن الشركاء انتظروا في بعض الأحيان أسابيع إن لم يكن شهورا، للحصول على رد من ميتا، وفي بعض الحالات، لم يتلقوا أيّ رد على الإطلاق، مما دفع البعض منهم إلى التوقف عن التعاون.
ويؤكد التقرير أن السعدي وشركاء آخرين توصلوا إلى حل بديل من خلال مناشدة جهات الاتصال الشخصية مباشرة في ميتا عبر واتساب أو سيغنال، والتي غالبا ما كانت نتائجها أفضل وأسرع مقارنة بقناة الإبلاغ المخصصة للشركاء الموثوق بهم. ووجدت مسودة "إنترنيوز" أن المشاركة في برنامج الشريك الموثوق به، في الكثير من الحالات، زادت من المخاطر على الشركاء الموثوق بهم أنفسهم بعد تلقي الكثير منهم لتهديدات بالقتل نتيجة لعملهم.
ومن بين الذين تلقوا تهديدات السعدي نفسه، الذي أكد أن منشورات مضللة انتشرت على فيسبوك تزعم أنه “عميل أميركي يعمل على زعزعة العراق” تماما مثلما حصل مع صديقه الهاشمي. وأبلغ السعدي، الذي يقيم في هولندا حاليا، ميتا عن المنشورات. وأزالت ميتا المنشورات بعد نحو شهرين من الإبلاغ عنها لأول مرة.
واغتيل الهاشمي في يوليو 2020، عندما كان يسير باتجاه سيارته خارج منزله في شرق بغداد، حيث سارعت مجموعة من المسلحين نحوه على دراجات نارية وأطلقوا النار خمس مرات من مسافة قريبة. وبحلول الوقت الذي وصل فيه إلى المستشفى، كان الهاشمي قد فارق الحياة. وكان الهاشمي في الكثير من الأحيان منتقدًا صريحًا للميليشيات المسلحة التابعة لطهران، بالإضافة إلى فصائل السلطة المختلفة في العراق من داعش إلى السياسيين الحكوميين والمعارضين.
ومن بين أسباب مقتله تأييده التظاهرات التي شهدها العراق في أكتوبر 2019، والتي ندّد فيها المتظاهرون بالفساد في البلاد وبالنفوذ الإيراني، وطالبوا بتغيير النظام السياسي. وقد أثار اغتياله صدمة في أرجاء البلاد.