هل طال الفساد في الأردن المساعدات الدولية

يمثل الفساد أحد أهم أسباب تعثر الاقتصاد الأردني وتردّي الأوضاع المعيشية داخل المملكة. ولم تتمكّن الحكومات الأردنية المتعاقبة من كسر ظهر الفساد الذي يستمر في النمو، وفق مراقبين، نتيجة لتشابك المال والسلطة بين أيدي الفاسدين.
عمان- قرّر مجلس النواب الأردني الأربعاء فصل النائب محمد الفايز إثر رسالة وجهها لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ناشده فيها عدم إرسال مساعدات للأردن، كي لا تصل “لجيوب الفساد والفاسدين”، بعد أن كان قدّم استقالته من المجلس الشهر الماضي.
وذكرت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية “بترا” أن مجلس النواب قرّر فصل الفايز، مشيرة إلى أن “92 نائبا من أصل 110 نواب حضروا الجلسة، صوتوا على قرار اللجنة القانونية المتعلّق بفصل النائب الفايز”.
وجاء في حيثيات القرار مخالفة النائب “الأعراف البرلمانية والدبلوماسية في ما يتعلق بطريقة المخاطبة، والإساءة الصادرة عنه في رسالة موجهة إلى دولة عربية شقيقة وتشويه سمعة المملكة من خلالها”.
وكان الفايز وجه منتصف ديسمبر الماضي رسالة إلى ولي العهد السعودي عبر سفير الرياض لدى الأردن قال فيها “لا نريد مساعدات ولا نريد هبات فبلدنا مليء بالخيرات، أردننا عزيز على قلوبنا تأبى كرامتنا أن يقال عنا شعب الشحاذين”.
وأضاف “كل خيراتكم تصل لجيوب الفساد والفاسدين وهباتكم تذهب لدفع فواتير جميع الأردنيين منها براء”. وتابع الفايز “نسمع بالمساعدات للدولة ولكن لا تذهب سوى لطبقة فاسدة تزداد غنى على حساب كرامة الأردني الأبي”.
وقدم الفايز الذي ينتمي إلى قبيلة بني صخر، إحدى أكبر القبائل في الأردن ويشغل الكثير من أبنائها مناصب قيادية في الدولة، استقالته من مجلس النواب في الثاني والعشرين من ديسمبر الماضي، مبرّرا ذلك بـ”عدم قدرة المجلس على تحقيق شيء”.
رسالة الفايز تعيد الأذهان إلى "وثائق باندورا" التي وضعت العاهل الأردني عبدالله الثاني في موقف محرج
وتأتي حالة فصل النائب الفايز كثاني حالات الفصل لعضوية نائب في عمر المجلس التاسع عشر، بعد أن فصل النائب أسامة العجارمة منتصف العام 2021، بناء على مذكرة نيابية موقعة من 109 نواب، بخصوص تداعيات حديث تلفظ به النائب العجارمة عبر مقاطع فيديو مصورة. وقام المجلس كذلك بتجميد عضوية النائب حسن الرياطي لمدة عامين، على خلفية مشادات ومشاجرات حدثت تحت قبة البرلمان وسب الذات الإلهية.
ويرى مراقبون أن رسالة الفايز تعكس في منطوقها ومضمونها أزمة فساد صامتة في الأردن تعود للإطلالة بين الحين والآخر، لكن إجماع النواب الأردنيين على فصل زميل لهم أشار إلى مسألة الفساد المستشري في البلاد والذي طال حتى المساعدات الدولية لن يحل الأزمة بل قد يفهم على أنه تشجيع غير مباشر للفساد.
ويشير هؤلاء إلى أنه كان يفترض فتح تحقيق شفاف ومستقل بشأن “ادعاءات” النائب المفصول قبل التوجه إلى اتخاذ قرارات تأديبية في حقه.
وتعيد رسالة النائب المفصول أذهان الأردنيين إلى تسريبات ما يعرف بـ”وثائق باندورا”. ووضعت تسريبات “وثائق باندورا” العشرات من القادة والمسؤولين السياسيين، ومن بينهم العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، في وضع محرج. وقد تهدد هذه المشكلة بإيقاف المساعدات المالية التي يحتاجها الأردن ويعتمد عليها منذ سنوات لمواجهة الأزمة الاقتصادية. ويقول محللون إن تسريب هذه الوثائق جاء في فترة صعبة تتعالى فيها الأصوات المنددة بالفساد والأوضاع الاقتصادية الحرجة في المملكة.
وكشفت حوالي 50 وسيلة إعلامية أجنبية في وقت سابق عن ستة أرصدة للملك عبدالله الثاني في بنك كريدي سويس بمبالغ تقدر بحوالي 200 مليون دولار. ورد الديوان الملكي بأن التسريبات المسماة “أسرار سويس” غير دقيقة وتمثل محاولة للتشهير بالملك، لكن الديوان لم يعمد إلى نفيها.

وكشف تحقيق صحفي استقصائي آخر أيضا عن عقارات فخمة في الولايات المتحدة وبريطانيا مسجلة سرا بأسماء شركات في الخارج يملكها العاهل الأردني وتقدر قيمتها بـ106 ملايين دولار.
ودون أن ينفيها وصف مكتب العاهل الأردني آنذاك التسريبات التي سميت “وثائق باندورا” بأنها أيضا غير دقيقة وأن السرية كانت مطلوبة لغايات أمنية وحفاظا على خصوصية الملك.
ويعاني الأردن أوضاعا اقتصادية صعبة فاقمتها جائحة كوفيد، فارتفعت نسب البطالة عام 2021 إلى نحو 25 في المئة وفقا للأرقام الرسمية، بينما ارتفعت بين فئة الشباب إلى 50 في المئة كما ارتفعت نسبة الفقر إلى 24 في المئة وتجاوز الدين العام 47 مليار دولار، أي بنسبة تزيد عن 106 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويعتمد اقتصاد المملكة التي تعاني من شحّ في الموارد الطبيعية، بشكل كبير على المساعدات خصوصا من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول الخليج على رأسها السعودية.
وبحسب الدستور الأردني، يملك مجلس النواب صلاحية البت في طلب استقالة النواب رفضا أو قبولا، فإذا رفضها تبقى عضوية النائب مستمرة لاستكمال مدة المجلس القانونية المحددة بأربع سنوات حتى لو لم يحضر أي جلسة من جلسات المجلس. وإذا قبلها بأكثرية أعضائه يتم ملء المقعد.
وشهدت البلاد في الفترات الماضية احتجاجات اجتماعية تنديدا بتردي الوضع المعيشي وبموجة الغلاء وهي موجة عامة تعاني منها معظم دول العالم بسبب الاضطرابات الجيوسياسية الناجمة عن غزو روسيا لأوكرانيا منذ فبراير من العام الماضي وكلاهما من أكبر منتجي وموردي الغذاء في العالم.