هل دفع صندوق النقد الرئيس التونسي إلى التشدد في مواقفه

تونس – أثارت تصريحات شديدة اللهجة أدلى بها الرئيس التونسي قيس سعيد في واشنطن ومتعلقة بدور صندوق النقد التساؤل عن سبب الخلاف الذي نشب بين تونس والصندوق، وعمّا إذا كان الأخير هو الذي دفع الرئيس سعيد إلى التشدد في مواقفه؟ في الوقت الذي طلب فيه الصندوق من الحكومة التونسية أن تُضمّن الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها في ميزانية 2023 حتى يتمكن من منحها القسط الأول من القرض حسب الجدولة المتفق عليها في أكتوبر الماضي.
وقال الرئيس سعيد إن إيجاد حلول لمشاكل تونس لا يمكن أن يتم فقط من خلال “الأرقام، ولا من قبل صندوق النقد الدولي ولا من قبل أي صندوق آخر”. وأضاف في تصريحات لوكالة الأنباء التونسية الرسمية “لا يمكن لأي طرف أجنبي أن يفرض علينا حلوله أو بدائله الخاصة بمشاكلنا”.
وبدت هذه التصريحات وكأنها رد فعل على شروط إضافية اشترطها صندوق النقد الدولي ورفضتها تونس ما أدى إلى تأجيل مناقشة ملف القرض الخاص بها.
لكنّ خبراء ومراقبين سياسيين اعتبروا أن الصندوق لم يطلب سوى أن تُضمّن تونس في ميزانية العام القادم الإصلاحات التي طلبها الصندوق، ومن بينها تقليص دعم المحروقات والمواد الأساسية، ووضع خطط لإصلاح المؤسسات الحكومية.
ولا يُفهم من تأخير تقديم مشروع هذه الميزانية، التي يفترض أن تتم مناقشتها والمصادقة عليها في ديسمبر الجاري، سوى وجود خلافات بشأنها، أو أن جهة ما داخل الدولة تتجنب تضمين الإصلاحات المطلوبة من الصندوق كشرط للتمويل، خوفا من التوظيف السياسي لدى المعارضة ومن ردة فعل اتحاد الشغل وربما نشوب احتجاجات في الشارع.
لكن هناك من يرى أن المشكلة لا تقتصر على التمويل المنتظَر من الصندوق، وأن الإصلاحات المطلوبة هدفها جذب مانحين آخرين، وطمأنتهم بأن تونس قادرة على الإيفاء بتعهداتها إنْ حصلت على تمويلات جديدة.
وأفاد الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان بأن “السبب الرئيسي للرفض ليس عدم إعداد مشروع الميزانية في حد ذاته، وأن صندوق النقد الدولي وقبل أن يمنح أي شيء يريد أن يتأكد أولا من وجود أطراف أخرى قادرة على تمويل تلك الإصلاحات، وهو يريد ضمان حدّ أدنى من ظروف نجاح البرنامج ككل”، وهذه هي نقطة الخلاف الأساسية.
وقال في تصريحات لـ”العرب” إن “الصندوق طلب معرفة تفاصيل مشروع ميزانية 2023 ويريد أن يتأكد من أن مشروع الميزانية يتّبع منهج الإصلاحات المتفق عليها”، وأن “يتم التوقيع عليها من الرئيس سعيّد الذي يمتلك كل الصلاحيات”.
وتابع “فشلنا في برامج 2013 و2016 والحكومة الآن في اتجاه والرئيس سعيد في اتجاه آخر، كما أن اتحاد الشغل أيضا في اتجاه ثالث، وبالتالي هناك مشكلة في قدرة السلطات التونسية على إجراء تلك الإصلاحات، وهذا من أهم أسباب الرفض إلى حد الآن”.
ومن الواضح أن التأخر في تنفيذ ما طلبه الصندوق يعود إلى موقف سياسي، فالرئيس سعيد الذي يمتلك كل الصلاحيات يفترض أن يعلن بنفسه عن دعم مسار الإصلاحات ويأذن للحكومة بتنفيذها.
لكن ما يجري الآن يُظهر أن ثمة حرجا في تبني هذه الإصلاحات بشكل علني خاصة أن تونس تعيش على وقع انتخابات تشريعية، ومن شأن تبني سياسة لخفض الدعم أو التخلي عنه في فترة لا تتجاوز خمس سنوات أن يتحول إلى ورقة ضغط بيد المعارضة وبيد اتحاد الشغل.
وقال الناشط السياسي حاتم المليكي إن “رئيس الجمهورية لا يريد تقديم مشروع الميزانية الجديد قبل موعد الانتخابات التشريعية، وبالتالي هو يسعى لتأجيل ذلك إلى ما بعد المحطة الانتخابية ويعتبر أن الانتخابات أهم من الاتفاق مع صندوق النقد الآن”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الرئيس رفض التوقيع على الإصلاحات، والحكومة قامت بالإجراءات اللازمة، لكنها لا تملك مهمة تقنيّة في التفاوض ولا تملك صلاحيات وكل ما تقوم به مشروط بموافقة الرئيس سعيّد”.
وكان الصندوق قد سحب الأربعاء ملف تونس من اجتماعات مجلس إدارته، إذ كان من المقرر أن تتم مناقشته في ديسمبر الجاري.
وأطلقت الخطوة موجة من التكهنات في تونس حول أسباب التأجيل، خاصة لكونها تزامنت مع توجّه الرئيس سعيد إلى واشنطن لحضور القمة الأميركية – الأفريقية.
ومع عدم جدولة الاتصالات بين صندوق النقد الدولي وقيس سعيد أثناء تواجده في العاصمة الأميركية، قال الخبراء إن التأخير لا علاقة له برحلة الرئيس التونسي إلى الولايات المتحدة.
ويرون أن السبب الأكثر احتمالا هو أن رؤية الحكومة لمشروع ميزانية 2023 ليست واضحة؛ إذ لم تحصل تونس حتى الآن على تعهدات دعم أجنبي كافية أو موارد محلية لتمويل الميزانية.
وكان الكثير من التمويل مرتبطا بدعم خليجي عربي محتمل حسب وكالة فيتش للتصنيف الائتماني.
وقالت الوكالة الشهر الماضي “وفقا للسلطات، فإن تمويلا يقدر بحوالي 1.3 مليار دولار من المملكة العربية السعودية وأبوظبي والبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد (أفريكسيم بنك) دخل مرحلة المفاوضات النهائية، وسيعمل إلى جانب الدفعة الأولى من صندوق النقد الدولي على سد فجوة التمويل لسنة 2022”.
وتتفاوض تونس على تمويل آخر بقيمة 1.8 مليار دولار معظمها من الدول الخليجية، بالإضافة إلى تمويلات تقدر بنحو 2.4 مليار دولار من التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف الذي أصبح ممكنا بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والذي سيسمح بتغطية احتياجات ميزانية 2023 من التمويلات الخارجية.
ولم تصدر أي إعلانات عن المانحين المحتملين. كما تواجه البلاد آجال استحقاق ديون خارجية تبلغ 1.4 مليار دولار و2 مليار دولار في 2022 و2023.
وتعدّ البلاد في حاجة ماسة إلى مساعدة دولية بينما تواجه أزمة مالية أثارت مخاوف من احتمال تخلف تونس عن سداد ديونها وأسهمت في نقص الغذاء والوقود، وفقا لمنتقدي الحكومة.
وكانت تونس توصلت إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد بخصوص حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار، مقابل القيام بإصلاحات اقتصادية (خفض دعم المواد الغذائية والطاقة، إصلاح الشركات العامة…) لا تحظى بشعبية.
وأقر هذا الاتفاق حزمة مدتها 48 شهرا من خلال مرفق الصندوق الموسع للتمويل لاستعادة استقرار الاقتصاد الكلي، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي والمساواة الضريبية وإدخال الإصلاحات التي من شأنها تعزيز النمو وتوفير فرص عمل.