هل حوّل خط التحرير مؤسسات إعلامية في تونس إلى أحزاب سياسية

تونس - تتصاعد حدة التوتر بين السلطات التونسية والأوساط الصحافية والإعلامية بصدور قرار بسجن مدير إذاعة موزاييك.أف.أم نورالدين بوطار بتهمة “تبييض الأموال” و”الإساءة لأعلى هرم في السلطة”، وفتح تحقيق مع نقيب الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي بتهمة الاعتداء على موظف عمومي أثناء مباشرته لعمله.

وقالت إذاعة موزاييك أف.أم الخاصة في تونس، إن القضاء حكم بسجن مديرها بوطار الموقوف على ذمة التحقيق منذ أسبوع بسبب خط التحرير. لكن البعض يرى في الأمر مغالطة لأن موزاييك.أف.أم، تؤكد أن “الخط التحريري لموزاييك هو التهمة الأساسية وأن تهمة تبييض الأموال هي تهمة افتعلت للتغطية على التهمة الأولى”. ويروّج الموقع الإلكتروني لموزاييك الناطق باللغة الفرنسية، الموجّه أساسا إلى الخارج وللنخب، لتهمة وحيدة وهي ”الإساءة للرئيس قيس سعيد من خلال الخط التحريري”.

وقال مراقبون إن “بطاقة الإيداع تمت من قبل قاضي التحقيق بالقطب القضائي المالي وذلك يدل أن الجريمة جناية وليست مجرد جنحة”.

وقال أستاذ الصحافة والإعلام صلاح الدين الدريدي إن “الأستاذة دليلة مصدق (محامية بوطار) أخطأت عندما قالت إن إدارة موزاييك لا تتدخل في عمل الصحافيين. وقد ألتمس لك عذرا لأن الأمية إزاء المصطلح مازالت منتشرة كثيرا وحتى لدى البعض من أهل القطاع”.

وأضاف الدريدي “الخط التحريري هو بمثابة الدستور الذي يحدد رؤية الوسيلة الإعلامية للقضايا المطروحة وطريقة عرضها وتناولها. طبيعة التمويل والإشهار ومضمون الشبكة البرامجية هما ترجمان هذه الرؤية. والعاملون بالمؤسسة بكافة أصنافهم هم أعوان تنفيذ هذه الخيارات. وإن زاغ أحدهم فحراس المعبد يعيدونه إلى الطريق الجادة. ويسمون اصطلاحا: حراس البوابة”.

وتابع الدريدي “الخط التحريري هو وضع السبل والإشكال والبرامج لتحقيق ذلك. الفهم الخاطئ أدى لتحويل المحطات إلى أحزاب سياسية والعاملين بها إلى الناطقين باسمها والمدافعين عن أجنداتها”.

وذكرت الإذاعة أن محامي النقابة الوطنية للصحافيين أيوب الغدامسي قال إن قاضي التحقيق بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي (مختص بقضايا الفساد المالي) أصدر الاثنين بطاقة سجن بحق نورالدين بوطار “دون ذكر مدة التحفظ ولا تفاصيله. وجاء الحكم بالسجن بتهمة استعمال الخط التحريري للإذاعة في الإساءة لأعلى هرم في السلطة ورموز الدولة وتأجيج الوضع في البلاد”.

وقال المحامي “تمنّينا أن يتخذ قاضي التحقيق قرارا شجاعا بناء على معطيات قانونية في الملف، وقرائننا تثبت أن التهمة كيدية لكن ذلك لم يحدث”.

وتعليقا على التصريحات، قال الدريدي إن الغدامسي مثله مثل مصدق ينقصهما الكثير من الثقافة الإعلامية. الخط التحريري في الشان السياسي العام يجب ان يتحلى بالتغطية المتوازنة والمساءلة وتعزيز التناظر ودعم تعددية الاراء في كافة المحطات الإذاعية والتلفزيونية الخاصة والعامة على حد السواء”، مطالبا بعدم تضليل الجمهور وزيادة الجهل الإعلامي.

وأضاف الدريدي “العيب كل العيب على المهندس الإعلامي وأخطبوطه من السدنة والخبراء وعلى الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري والنقابات وعلى المدربين ومعهد الصحافة الذين يبدو أنهم لا يفهمون المصطلح”.

ومن جانبه قال نقيب الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي الثلاثاء إنه أحيل للتحقيق في ما يتعلق بأحد الاحتجاجات العام الماضي، واصفا الخطوة بأنها تضييق ومحاولات لترهيب النقابة والصحافيين وإخماد الأصوات المنتقدة للرئيس قيس سعيد. وأضاف أنه علم بإحالته للتحقيق عن طريق محاميته التي كانت تدافع عن نشطاء آخرين في نفس القضية، وأخبرته المحامية بأن اسمه مدرج إلى جانب هؤلاء النشطاء.

وأشار إلى أن الشكوى التي قدمها رجال شرطة تتهمه بالتحريض على العصيان والاعتداء على الشرطة خلال احتجاج في 18 يوليو من العام الماضي ضد الدستور الجديد. وتابع “لم يكن هناك اعتداء أو اشتباك مع الشرطة”، وقال إنه كان يغطي الاحتجاج ولم يكن مشاركا فيه.

وتعتبر نقابة الصحافيين من المدافعين الشرسين عن حرية التعبير التي عرفت أوجها في تونس بعد ثورة 2011. ولا يحظى الإعلام بثقة التونسيين الذين يعتبرونه موجها ومتحزبا.

ونفذت الشرطة هذا الشهر موجة اعتقالات شملت معارضين بارزين، لكن اعتقال مدير إذاعة موزاييك، وهي واحدة من أهم وسائل الإعلام المسموعة في البلاد، ضمن موجة الاعتقالات الأخيرة أثار جدلا واسعا ومخاوف بشأن تراجع الحريات.

وقال الرئيس إنه ليس هناك أي استهداف للحريات ولحرية الصحافة بأي شكل. وأكد سعيد أن إجراءاته قانونية وضرورية لإنقاذ تونس من الفوضى.