هل حقق فيسبوك ما عجز أكبر قادة الأحزاب والثورات عن تحقيقه

بعد حوالي عشر سنوات على تأسيسه، مازال موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” محطّ أنظار العالم، في هذا الإطار ألف الكاتب والصحفي الفلسطيني مصعب حسام الدين قتلوني كتابا بعنوان “ثورة الفيسبوك: مستقبل وسائل التواصل الاجتماعي في التغيير”، الصادر عن “شركة المطبوعات للنشر والتوزيع”، ببيروت، كي يقرأ مستقبل وسائل التواصل الاجتماعي في التغيير، مركزا في الآن نفسه، على الدور الفعّال والهامّ لهذه الوسائل في تصعيد النقمة الشعبية وتأجيجها ضدّ الأنظمة العربية الفاسدة والحكومات العاجزة، متخذا من التجربة المصرية تحديدا نموذجا.
يُعنى كتاب “ثورة الفيسبوك: مستقبل وسائل التواصل الاجتماعي في التغيير”، الذي يقع في 256 صفحة من القطع الكبير، بدراسة واقع الأنظمة الدكتاتورية وممارساتها الوحشية في حق شعوبها من قمع وتنكيل وترحيل قسري وتجويع، وفساد أجهزتها وانغماسها في السرقات والرشاوى والجرائم الأخلاقية.
كما يصوّر، بصورة تفصيلية، الظروف التي كانت سائدة عشية اندلاع الثورات العربية، ويعود بها إلى سنين خلت، حيث تراكم الظلم واستباحة المواطن وحرمانه من أبسط حقوقه. ويقدم أيضا الأسباب والدوافع الحقيقية للربيع العربي.
المطالبة بالإصلاحات
يتناول الكتاب أيضا بعمق تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الحراك الثوري العربي، هذه المواقع التي تحوّلت عند اندلاع الثورات العربية إلى محط اهتمام الباحثين والمحللين الذين عكفوا على دراسة ورصد الدور الذي لعبته وخاصة فيسبوك في نقل آلاف الشباب من وراء أجهزة الكمبيوتر و”الكيبوردات” إلى الشوارع والميادين للمطالبة بإصلاحات وتغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية.
دراسة عن واقع الأنظمة الدكتاتورية وممارساتها الوحشية في حق شعوبها من قمع وتنكيل وترحيل قسري
استطاعت هذه المواقع كسر حاجز الخوف وإتاحة إمكانية التواصل بين المتظاهرين، من خلال عملية التشبيك الاجتماعي التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من المشهد العام في العالم العربي، مما أسهم في خروج الاحتجاجات الشعبية من رحم المواقع الإلكترونية، بعد أن استخدمها المتظاهرون من أجل التواصل والتفاعل مع واقعهم والتعبير عن غضبهم وسخطهم على أوضاع بلادهم.
كما نزعت هذه المواقع حاجز الخوف والرهبة من نفوس الجماهير، بحيث أصبح أيّ شاب يشعر عندما يستخدم موقع تويتر وفيسبوك أنه مسنود من جماعة أكبر، وهو ما ولد لدى هؤلاء الشعور بانتماء سياسي ومدني كانوا محرومين منه.
تنظيم الاحتجاجات
يؤكد أكثر من خمسين ناشطا اجتماعيا من دول مختلفة أن مواقع التواصل الاجتماعي تمكنت من تنظيم الاحتجاجات افتراضيا، ومن ثم تطبيقها على الأرض خلال الثورات، الأمر الذي أدّى إلى موجة ضخمة من الحراك الشعبي والنخبوي على كل المستويات، نتج عنها تحوّل ديمقراطي في بلدان مختلفة، ويشير المؤلف في هذا الصدد إلى دراسة أعدّها يوسف الورداني عام 2009 عن مجموعة شباب 6 أبريل في مصر كحالة تطبيقية لدراسة الحركات الاحتجاجية على الإنترنت أن: حركة الاحتجاج لا تزيد عن 18 ثانية على الإنترنت ليتحوّل الغاضب بعد ذلك إلى مشارك مجاني لا يتحمل تكلفة المشاركة والنزول إلى الشارع.
|
كما أن مواقع التواصل الاجتماعي قد لعبت دورا بارزا في إيصال صوت المقهورين والثائرين في البلدان العربية إلى العالم أجمع، وكذلك إثارة الرأي العام العالمي، وحشد الاهتمام الدولي من خلال أشكال الاستبداد المختلفة التي مارسها بعض الحكام العرب.
ولهذا استخدمت الحركات الاحتجاجية هذه المواقع “فيسبــوك” و”تويتر” و”يوتيوب” على نطاق واسع للدعوة إلى المظاهرات والاعتصامات، وللتواصل مع العالم الخارجي، وخاصة وسائل الإعلام الأجنبية بشهادة أريك شميث، رئيس محرك غوغل.
باتت هذه المواقع أكثر من مجرد وسيلة لنقل الخبر أو التعليق عليه، ليصبح لها دور في معالجته ومتابعته وإثارة ردود الأفعال حوله مع القدرة الهائلة على الانتشار، ومن خلالها يتم نقل الأخبار عن الصفحات ومؤسسيها على "فيسبوك" إلى الصحف الورقية والبرامج الفضائية بما يزيد من حجم تأثيرها وانتشارها، لقد تحوّلت وسائل الاتصال الاجتماعي إلى ما يشبه الزعيم والقائد للثورات العربية، بعد أن أصبحت وقود هذه الثورات والمحرك الرئيسي لها، خاصة في أعقاب تشكل ثقافة “فيسبوكية” من خلال شبكة الإنترنت والتواصل عبر المواقع الاجتماعية مع العالم الخارجي.
كما أصبحت وكأنها “صفارة التنفس”والصاروخ العابر للحدود المصرية والتونسية والعربية والعالمية، لقد لعبت هذه الوسائل دور الحمام الزاجل في نقل الأخبار والآراء والمواقف.
ومصعب حسام الدين قتلوني، حاصل على ماجستير تخطيط وتنمية سياسية من جامعة النجاح الوطنية بفلسطين، وعلى بكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة النجاح الوطنية بفلسطين.
ونُشر له الكثير من الأبحاث والدراسات السياسية في مختلف الصحف والمواقع الإلكترونية. فاز مؤخرا بجائزة دولية نظمتها شبكة “الألوكة” ومقرها المملكة العربية السعودية، حول “إعلام الأطفال”.