هل حان وقت الاعتذار الحكومي للصحافة الأردنية

إهمال السلطات لقطاع الإعلام أفقدها القدرة على توجيه الرأي العام.
الجمعة 2021/06/04
الصحافة لا تستطيع القيام بدورها دون دعم

تعاني الصحافة الأردنية من الإهمال والتقصير الحكوميين منذ سنوات، وتبدو زيارة رئيس الوزراء بشر الخصاونة إلى صحيفة “الرأي” بمثابة التفاتة متأخرة لقطاع رئيسي يعتبر محركا للرأي العام لم تستفد منه الحكومة خلال فترة حرجة شهدت العديد من الأزمات على المستويين المحلي والإقليمي.

عمان - مثلت زيارة رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة الخميس لصحيفة “الرأي” وتقديمه التهنئة بيوبيلها الذهبي إشارة اعتذار واضحة عن إهمال حكومي استمر طويلا بحق الصحافة والإعلام في الأردن.

وتعتبر الرأي المؤسسة الصحافية الأكثر أهمية في البلاد وتضطلع بمهام في التوعية الوطنية وحمل مشروع الدولة الأردنية باعتراف الخصاونة، لكن حالها كحال باقي الصحف الأردنية: أزمات متعددة وديون متراكمة، وعاملون دون أجور منذ أشهر، كما أنها دون رئيس تحرير منذ مطلع أبريل الماضي، حيث تم تعيين عماد عبدالرحمن رئيسا لتحرير الصحيفة بالوكالة بعد استقالة راكان السعايدة من منصبه الذي استقال أيضا من مهمته كنقيب للصحافيين في نفس الوقت دون أسباب واضحة.

وذكرت مصادر أردنية أن الحكومة بدأت تعي حاجتها للصحافة والإعلام للتأثير على الرأي العام، وتخفيف حدة الاستياء الشعبي بسبب الأزمة المعيشية الخانقة التي يعيشها المواطنون في هذه الفترة الحرجة على الصعيد السياسي والاقتصادي والصحي، خصوصا أن المواطن الأردني يهتم بالصحافة ويتابع ما تنشره ويتفاعل مع صحف بلاده.

وقالت وكالة الأنباء الأردنية “بترا”، إن الخصاونة لفت خلال زيارته إلى الدور الوطني الهام الذي لعبته الرأي في الكثير من المفاصل والمحطات الكبرى التي مرت بها الدولة الأردنية.

ولعل أزمة الأمير حمزة الأخيرة دفعت الحكومة إلى إعادة النظر في إهمالها للصحافة التي بات خبراء إعلام يطلقون عليها “صحافة تحت الإنعاش”، حيث ظهرت الفجوة الواضحة بين تغطية الإعلام المحلي وتغطية الإعلام الأجنبي وبرز التساؤل “أين الصحافة المحلية؟”.

صحافي أردني: الشعارات الحكومية عن أهمية الصحافة دعاية إعلامية في المناسبات، بينما الصحف لا تملك زمام البادرة

ونالت الصحافة الغربية اهتمام الأردنيين في القضايا الهامة دون النظر إلى أي أهداف محتملة لتغطياتها، رغم أن الكثير منها يستند إلى مصادر استخباراتية ذات غايات محددة.

ويبدو التقصير والإهمال في تعامل الحكومة الأردنية مع الصحافة المحلية من ثلاثة جوانب، أولها تجاهلها للقضايا الرئيسية وعدم منحها المعلومات اللازمة وفرض حظر النشر عليها بينما تقتنص وسائل الإعلام الأجنبية الفرصة للحديث عما هو ممنوع في الصحافة المحلية، ما جعل الحكومة تخسر أداة هامة للتأثير على الرأي العام والمواطن الأردني.

أما الجانب الآخر فيكمن في تدخل الحكومة في المؤسسات الصحافية واقتصارها على البيانات الرسمية دون هامش للتحليل والاستنتاج والبحث والتقصي، في نفس الوقت الذي تتجاهل فيه مسؤوليتها عن الأوضاع الاقتصادية لهذه المؤسسات، وهو الجانب الأكثر تأثيرا على أزمة الصحافة.

وذكر صحافي أردني، فضل عدم الكشف عن اسمه، أنه لا يمكن للحكومة الأردنية أن تطالب الصحافة بالقيام بدورها وإنتاج محتوى ذي جودة دون أن تقدم لها الدعم اللازم على الصعيد المالي وتوفير المعلومة الضرورية.

وأضاف أن مؤسسة الرأي وحدها خلال الأشهر الماضية قامت بتسريح تسعين موظفا من صحافيين وإداريين وفنيين  جراء أزمة فايروس كورونا، فيما المؤسسات الأخرى تعاني أوضاعا مشابهة.

ووجه صحافيون وإعلاميون العديد من المطالبات والنداءات للحكومة بشأن الوضع المتدهور للصحافة الورقية، وبقيت المطالب بين أخذ ورد رغم تأكيد الحكومة والمسؤولين وأعضاء لجنة التوجيه الوطني والإعلام والثقافة وقوفهم إلى جانب الإعلام الأردني بشكل عام، والصحافة الورقية بشكل خاص التي تشكل رمزية للصحافة الأردنية، وقدمت خدماتها في تبني رسالة الدولة على مدى عقود من الزمن.

ويرى الصحافيون أن الحكومة تخلّت عن الصحافة الورقية في مرحلة أزمة كورونا يضاف إلى ذلك اختلالات إدارية متراكمة في المؤسسات الصحافية وزيادة النفقات خلال السنوات السابقة، في الوقت الذي تراجع فيه سوق الإعلان التجاري خلال 5 سنوات بنسبة وصلت إلى 60 في المئة.

وكان المطلب الأساسي لأهل القطاع هو إنشاء صندوق لدعم الصحافة والإعلام، لاسيما أن وسائل الإعلام بمختلف أنواعها تحمل خطاب الحكومة وأخبار ونشاطات الوزارات والمؤسسات الحكومية.

ووجه وزير الإعلام الأسبق طاهر العدوان تساؤلا للمعنيين بقطاع الإعلام قبل أيام بمناسبة الذكرى المئوية للصحافة الأردنية، مستغربا كيف تقف الدولة في موقع المتفرج على أزمة الصحافة؟

وأقر الخصاونة بأن تأمين الجانب المعيشي أمر أساسي لمؤسسة عريقة مثل صحيفة الرأي ونظيراتها في الصحف الورقية المطبوعة لاسيما وأن الإعلام الورقي كان طيلة فترة مضت هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن المكنون الإعلامي قبل الدخول في عصر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي .

الحكومة الأردنية بدأت تعي حاجتها للصحافة والإعلام للتأثير على الرأي العام، وتخفيف حدة الاستياء الشعبي بسبب الأزمة المعيشية الخانقة

وأكد دعم الحكومة وإسنادها لصحيفة الرأي لتجاوز المصاعب والتحديات التي تواجهها وخططها ومشاريعها للتوجه نحو الإعلام الرقمي والرقمنة المطلوبة في القرن الحادي والعشرين.

غير أن التصريحات الحكومية تبقى في إطار التداول الإعلامي دون إجراءات فعلية.

وأشار الصحافي الأردني إلى أن “الشعارات الحكومية ليست سوى أداة للدعاية الإعلامية في المناسبات مثل أن الصحافة تلعب دور الرقابة والمساءلة للسلطات الأخرى وتضمن حق الناس في المعرفة وأداة لممارسة المواطنة الفاعلة، في حين أنها لا تملك الاستقلالية ولا زمام البادرة”.

ومن جهته عرض رئيس تحرير الرأي بالوكالة وعدد من العاملين في الصحيفة أبرز القضايا والتحديات التي تواجه مسيرة العمل، وخصوصا التحديات المالية وعدم تسلّمهم رواتبهم منذ أشهر، مطالبين بالإسراع في تعيين رئيس تحرير للصحيفة قادر على النهوض بالمؤسسة والعاملين فيها .

والمفارقة أن زيارة رئيس الوزراء الأردني لصحيفة الرأي تزامنت مع صدور قرار محكمة في جنوب العاصمة الأردنية عمان بالحجز على موجودات الجريدة في القضية الإجرائية المرفوعة من إحدى شركات المقاولات.

ودعت المحكمة الراغبين في المزاودة التقديم خلال 30 يوما؛ لكون صحيفة الرأي عليها التزامات مالية كبيرة وخاصة أن هناك بعض الجهات الأخرى تطالب الجريدة بمستحقات مالية تراكمت عليها منذ سنوات طويلة، أبرزها  مبلغ خمسة مليون دينار  (الدينار الأردني يعادل 1.41 دولار أميركي) لمؤسسة الضمان الاجتماعي إضافة إلى ديون أخرى.

ولفت خالد الشقران مدير مركز الرأي للدراسات إلى أن الصحيفة لا تحتاج فقط إلى الدعم المالي، وإنما إلى تسهيلات وقرارات قد تساهم في إيجاد حلول للتحديات ومنها رفع سعر الإعلان الحكومي .

18