هل تُستدرج الميليشيات العراقية إلى مستنقع حرب مدمرة في لبنان

حَمْلُ أطراف إقليمية ودولية لإمكانية اندلاع حرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني بمشاركة باقي الأذرع الإيرانية في المنطقة على محمل الجد مأتاه معرفة تلك الأطراف بأن قرار الحرب والسلم لدى تلك الأذرع ليس بيدها وإنما بيد إيران، وأن مصلحة الأخيرة قد تقتضي التصعيد واستدامة التوتّر في الإقليم بغض النظر عن مصلحة دوله التي تنتمي إليها ذات الأذرع وتشارك حكمها.
بغداد- وضعت الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران سلاحها في حالة تأهب في سياق إقليمي متوتر بسبب الحرب في قطاع غزة والتهديد بتوسّع المواجهة بين إسرائيل وحزب الله على الحدود اللبنانية.
ويعتبر حزب الله بالإضافة إلى كونه ميليشيا مسلّحة طرفا رئيسيا في المعادلة السياسية في لبنان ومشاركا في السلطة وكثيرا ما يتحكّم في تحديد من يشغل مناصب عليا في الدولة من بينها منصب رئيس الجمهورية، ويفرض عليه ذلك – نظريا – أن يراعي استقرار البلد ومصالحه العليا وأن يكون حذرا إزاء الدخول في صراعات مسلّحة من مستوى حرب ضد إسرائيل يمكن أن تؤدي إلى دمار لبنان الهش أصلا سياسيا واقتصاديا وأمنيا، لكن الارتباط الشديد للحزب بإيران يمكن أن يجعله يقفز على مختلف تلك الاعتبارات جميعها إذا اقتضت المصلحة الإيرانية خوض الصراع وجاءت الأوامر بذلك من طهران.
وينطبق الأمر نفسه على الحوثيين في اليمن. كما ينطبق على الميليشيات الشيعية العراقية المتمركزة بدورها في السلطة ومشاركة أصلا في تشكيل الحكومة وإدارتها وبعضها ينتمي إلى جهاز أمني رسمي (صوريا) هو الحشد الشعبي المحسوب كجزء من القوات المسلّحة العراقية التي تتلقى أوامرها من قائدها العام الذي هو رئيس الوزراء.
وما يجعل العديد من القوى الإقليمية والدولية تحمل على محمل الجدّ إمكانية نشوب حرب بين حزب الله وإسرائيل بمشاركة الحوثيين والفصائل العراقية المسلّحة، هو أنّ التصعيد واستدامة التوتّر في المنطقة يخدمان مصلحة إيران ويتيحان لها إشغال كبار خصومها وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية في مثل تلك الحرب دون أن تتضرّر بشكل مباشر بعد أن أصبحت لها خبرات متراكمة في استخدام الأذرع المحلية المنتشرة في عدد من البلدان العربية.
وأثبت القصف الإسرائيلي المتكرّر لأهداف إيرانية داخل الأراضي السورية وكذلك مقتل شخصيات أمنية إيرانية مرموقة في مقدمها قاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس الذي قتل مطلع سنة 2020 في قصف جوي أميركي قرب مطار بغداد الدولي، والضابط الكبير في الحرس الثوري محمد رضا زاهدي الذي قتل في أبريل الماضي بقصف إسرائيلي على مبنى قنصلية إيران في دمشق، قدرة واشنطن وتل أبيب على رصد التحركات الإيرانية في المنطقة وتعطيلها آنيا وجزئيا.
لكنّ إيران أثبتت في المقابل نجاعة استخدام أسلوب الأذرع المحلية في مواجهة خصومها وأعدائها، وهو ما يتجلّى خصوصا في التهديد المستمر الذي تشكله الميليشيات الشيعية لمواقع تمركز القوات الأميركية على الأراضي السورية والعراقية.
وحذّرت إيران إسرائيل من “حرب إبادة” بـ”مشاركة كاملة لمحور المقاومة” الذي يضمّ طهران وحلفاءها الإقليميين في حال شنّت الدولة العبرية هجوما واسع النطاق على حزب الله في لبنان.
ونفّذت الفصائل العراقية تحت عنوان “المقاومة الإسلامية” في العراق خلال الشتاء الماضي أكثر من 175 هجوما صاروخيا وضربات بطائرات دون طيار في العراق وسوريا، ضد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، معلنة أن هجماتها تأتي تضامنا مع غزة وتستهدف تحديدا الجنود الأميركيين.
ويقول المحلّل السياسي علي البيدر إن الصراع بين اسرائيل وحزب الله لن يقتصر على الأراضي اللبنانية، موضحا أن “هناك فصائل مسلحة في العراق وفي جميع أنحاء المنطقة ستدخل في المواجهة”.
ويضيف “الجماعات المسلحة في العراق والمنطقة سوف تتدخّل لسببين: الأول هو رغبتها في إثبات نفسها، والثاني إثبات ولائها لطرف معين”.
وبالفعل، انتقدت الفصائل العراقية المسلحة الدعم الأميركي الثابت لإسرائيل، وحذّرت في بيان لتنسيقية “المقاومة العراقية” من شنّ “حرب شاملة على لبنان”.
وأوضحت في البيان أنه إذا نفّذ الإسرائيليون تهديدهم “فإن وتيرة ونوعية العمليات سوف تتصاعد ضدهم، وستكون مصالح العدو الأميركي في العراق والمنطقة أهدافا مشروعة لرجال المقاومة”.
وتجمع هذه التنسيقية مجموعة فصائل أبرزها كتائب حزب الله والنجباء وكتائب سيد الشهداء، وثلاثتها مستهدفة بعقوبات أميركية وقد قادت خلال الأشهر الماضية الهجمات ضد القوات الأميركية الموجودة في العراق وسوريا ضمن التحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية.
ومع تواصل الحرب في قطاع غزة منذ تسعة أشهر، ترتسم مواجهة أوسع نطاقا تشمل طهران وحلفاءها الإقليميين، وبينهم حزب الله اللبناني وحركة الحوثيين اليمنيين والفصائل المسلحة العراقية، والذين يقولون إنهم يتدخّلون تضامنا مع الفلسطينيين.
ويتبادل حزب الله إطلاق النار مع إسرائيل بشكل يومي منذ اليوم التالي لبدء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي. ويهاجم الحوثيون في اليمن سفنا يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل، ما يعطّل حركة التجارة في البحر الأحمر.
ويذكر المحلّل علي البيدر أن “التجارب السابقة حدثت خلالها عمليات وهجمات ضد القوات الأميركية والبعثات الدبلوماسية. ومن هذا المنطلق، قد تحدث هذه الهجمات مجددا بحدّة أكبر مع وجود محرّكات لها”.
في نهاية يناير الماضي تسبّب قصف جوي بطائرة دون طيار بمقتل ثلاثة جنود أميركيين في العراق ما أدى إلى تصعيد مع الولايات المتحدة التي تنشر 2500 جندي في العراق و900 جندي في سوريا ضمن التحالف المناهض لداعش، ونفّذت ردّا على استهدافها ضربات عنيفة ضد الفصائل الموالية لإيران في هذين البلدين أوقعت قتلى وجرحى في صفوفها وألحقت بها خسائر مادية.
ويقول متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فضّل عدم الكشف عن هويته لوكالة فرانس برس إن واشنطن “لن تتردّد في اتخاذ جميع الإجراءات المناسبة لحماية قواتنا”.
ويحذّر المصدر من أن “الميليشيات في العراق المتحالفة مع إيران تقوّض سيادة العراق من خلال شنّ هجمات ضد دول أخرى، ما قد يجعل من البلد طرفا في صراع إقليمي أوسع”.
وتؤكد “المقاومة” العراقية منذ أسابيع تنفيذ “عمليات مشتركة” مع الحوثيين، في ظل استمرار صدور بياناتها حول تبني ضربات طائرات بدون طيار ضد أهداف في إسرائيل.
ومنذ أبريل الماضي أكّدت إسرائيل وقوع عدد من الهجمات الجوية القادمة من الشرق دون أن توجه أصابع الاتهام إلى جهة محددة، وتقول إنها أحبطت هذه الهجمات قبل أن تدخل مجالها الجوي.
وتتواجد أيضا فصائل “المقاومة الإسلامية” العراقية في شرق سوريا المجاور للعراق وجنوب دمشق، كما أنّ هناك “قوات نخبة” في منطقة الجولان من إسرائيل بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يستند إلى شبكة واسعة من المصادر والمندوبين في سوريا.
وبالنسبة للمتخصّص في الشؤون العراقية تامر بدوي، تكمن أهمية “تنسيق الهجمات” مع الحوثيين “في المقام الأول في رمزيتها وفكرة أن مجموعات تفصلها مسافات جغرافية كبيرة قادرة على القيام بعمل مسلّح بشكل متزامن”.
إيران حذّرت إسرائيل من "حرب إبادة" بـ"مشاركة كاملة لمحور المقاومة" الذي يضمّ طهران وحلفاءها الإقليميين
كما أن دخول الفصائل العراقية إلى الأرض اللبنانية سواء من خلال “إرسال مقاتلين بأعداد كبيرة” أو فقط “مستشارين” سيعتمد أساسا على “احتياجات حزب الله الحربية”، كما يؤكد بدوي.
ويضيف المحلل أن التعبئة ستعتمد أيضا على الحاجة إلى “إظهار صورة تضامن عابرة للحدود”. إذ “للرمزية أهمية بالنسبة لهذه الفصائل، وهذا جزء من هويتها وعضويتها في معسكر واحد، بقدر أهمية مشاركتها الفعلية في العمل المسلح”.
وردا على سؤال صحافي بشأن تهديد الفصائل لأي حرب قد تندلع بين إسرائيل وحزب الله، توعّد “قائد ميداني” في “المقاومة” العراقية بتطبيق مبدأ “وحدة الساحات”. وأضاف “موقفنا واضح: التصعيد في مقابل التصعيد” في حال نشوب حرب في لبنان.
وتابع “الأمر متروك للقيادة وتقديراتها. لكن حسب قناعتي الشخصية كوني قائدا ميدانيا، سوف يكون هناك تواجد على الأراضي اللبنانية إلى جانب الهجمات على المستوى التكتيكي من الأراضي العراقية”. وذكّر بأن “المقاومة” العراقية لديها حاليا “خبراء ومستشارون” في لبنان.
وفي تعليقه مؤخرا على استعداد الحلفاء في العراق وسوريا واليمن لإرسال مقاتليهم إلى لبنان، خفّف الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله من أهمية ذلك. وقال “على مستوى القدرة البشرية.. لدى المقاومة الآن في لبنان ما يزيد عن حاجاتها وما تقتضيه الجبهة حتى في أسوأ ظروف القتال والمواجهة والحرب”.