هل تنهي "تابوكا" الإرهاب في الساحل الأفريقي؟

الرباط- مع بدء مهمة القوات الأوروبية الجديدة في منطقة الساحل الأفريقي الأسبوع الماضي، التي تحمل إسم “تابوكا”، ينطلق العداد من جديد لقياس مستوى الفاعلية في ملاحقة الجماعات الإرهابية المسلحة التي تزرع الرعب في هذه المنطقة منذ عام 2012.
وتتشكل القوات العسكرية الجديدة عن الجانب الأوروبي من جنود فرنسيين وأستونيين كدفعة أولى، بانتظار أن تلتحق بهم قوات تشيكية في بداية العام المقبل؛ أما عن الجانب الأفريقي فتتشكل من قوات تابعة للبلدان الخمس في المنطقة الأكثر عرضة للإرهاب، وهي تشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا.
وجاء تشكيل هذه القوة العسكرية المشتركة كنتيجة للاتفاق الذي تم في اجتماع مارس الماضي في فرنسا عبر الإنترنت، بمشاركة ألمانيا وبلجيكا والدانمارك وإستونيا وفرنسا والنرويج وهولندا والبرتغال وجمهورية التشيك والسويد وبريطانيا ومالي والنيجر.
مهمة عسكرية جديدة تقيس مدى فاعلية ملاحقة الجماعات الإرهابية المسلحة في منطقة الساحل الأفريقي
واعتبرت باريس أن الاتفاق الذي تم في ذلك الاجتماع حول تشكيل قوة عسكرية مشتركة لمحاربة الإرهاب يعد انتصارا لسياستها الأفريقية، بيد أن حزمة الآمال تلك قد لا تتم وفقا لما تسعى إليه حكومة إيمانويل ماكرون، لأن هناك بعض البلدان الأوروبية التي تتحفظ على المشاركة العسكرية بالشكل المطلوب وتريد مشاركة رمزية صغيرة فقط، بينما هناك بلدان أخرى تعلق مشاركتها على تصويت برلمانها لصالح القرار، مثل السويد. يأتي ذلك فيما تكبدت الجماعات الجهادية في المنطقة خسائر كبرى خلال الشهر الماضي بمقتل زعيم القاعدة في المغرب الإسلامي، الجزائري عبد المالك دروكدال، وعدد من معاونيه.
وتمت تصفية دروكدال في عملية نفذتها القوات الفرنسية شمال غرب مدينة تساليت المالية على الحدود مع الجزائر، الأمر أفقد تلك الجماعات أحد العناصر الأساسية التي كانت تلعب دورا في التخطيط العسكري وفي تنفيذ الهجمات المسلحة، والمهندس الرئيسي لمشروع تجميع التنظيمات الإرهابية في الساحل الأفريقي، الذي حمل اسم “جبهة نصرة الإسلام والمسلمين”، الذي تم الإعلان عنه عام 2017 بين خمس تنظيمات مسلحة عهد بقيادته إلى الطوارقي إياد أغ غالي.
ووفرت عملية التصفية الناجحة لفرنسا مبررا معقولا لتجديد الدعوة إلى شركائها في الاتحاد الأوروبي من أجل تعزيز قوات البلدان الخمس في المنطقة، والرفع من مساهماتها المالية والعسكرية لمواصلة الجهود المبذولة من أجل القضاء على المخاطر الإرهابية المستمرة منذ ثماني سنوات في منطقة تعاني من الهشاشة الأمنية والاجتماعية وغياب القدرات العسكرية والإمكانات المالية، ويسودها نموذج الدولة الفاشلة، يضاف إلى كل ذلك الكلفة الباهظة لفايروس كورونا الذي أرهق اقتصاداتها المنهوكة أصلا.
وبدل مواجهة معضلة واحدة هي معضلة الإرهاب، بات على بلدان المنطقة وشركائها الأوروبيين، خاصة فرنسا، مواجهة معضلة كورونا ونتائجها الاقتصادية الكارثية على النسيج الاقتصادي للبلدان الخمس، وهو ما طرح نفسه بقوة خلال قمة نواكشوط التي عقدت عبر تقنية الفيديو في بداية شهر يوليو، وشارك فيها لأول مرة رئيس الوزراء الإسباني، الاشتراكي بيدرو سانشيز، الذي تتوجس بلاده من انتقال عدوى الإرهاب إليها عبر قوارب الهجرة غير الشرعية التي تنشط كل عام في مثل هذا الموسم.
اعتبرت باريس أن الاتفاق الذي تم في ذلك الاجتماع حول تشكيل قوة عسكرية مشتركة لمحاربة الإرهاب يعد انتصارا لسياستها الأفريقية، بيد أن حزمة الآمال تلك قد لا تتم وفقا لما تسعى إليه حكومة إيمانويل ماكرون
وبهدف التخفيف من العبء الذي يثقل كاهل الدول الخمس المتضررة من الإرهاب وفايروس كوفيد ـ 19 المستجد، ناشد المجتمعون الدول الشريكة إلغاء الديون الخارجية لهذه البلدان، وتوفير الدعم اللازم لها لمواجهة آفة الإرهاب، ومدها بالتقنيات العسكرية الضرورية لتحديث ترسانتها العسكرية والرفع من أداء قواتها العسكرية على الأرض. وتسابق فرنسا الزمن قبل نهاية العام الجاري للحد من المخاطر الإرهابية في إقليم الساحل الأفريقي ورد الاعتبار لسمعتها كدولة استعمارية سابقة، في ظل تصاعد موجهة الغضب تجاهها، حيث نظم سكان بعض المناطق تظاهرات معادية للوجود الفرنسي.
ودعت هذه الخطوة باريس إلى فتح نقاش مع الحكومات المحلية لفهم دوافع انبعاث الكراهية للتواجد الفرنسي. ومرد هذا الاستعجال يكمن في الرغبة في رفع الحصيلة الإيجابية لسياستها في تعقب الإرهاب، وذلك قبل موعد انعقاد القمة رقم 18 لمنظمة الفرانكفونية في جربة بتونس.
وهذه القمة ستحتفل فيها فرنسا بمرور نصف قرن على إنشاء المنظمة عام 1961، في بلاد الحبيب بورقيبة الذي كان أحد دعاة تأسيس المنظمة إلى جانب السينغالي ليوبولد سيدار سنغور، حيث سيكون موضوع الأمن في أفريقيا والدور الفرنسي أحد القضايا التي سيتم التطرق إليها، ولا يستبعد أن تكون القمة مناسبة لإعادة التفكير في السياسة التقليدية لفرنسا تجاه مستعمراتها السابقة، وهو ما قد يضع باريس في حرج، في لحظة فارقة تتصاعد فيها التهديدات الإرهابية في القارة، وتتراجع فيها مساحة الناطقين بلغة موليير.