هل تنهي الأحكام القضائية جدلية قضية "الفتنة"

عمان - تتجه الأنظار صوب محكمة أمن الدولة الأردنية، التي من المقرر أن تصدر حكمها الاثنين بقضية "الفتنة"، التي شغلت الرأي العام، لارتباطها بالأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق لعاهل البلاد الملك عبدالله الثاني.
وتعدّ القضية دخيلة في مضمونها على الدولة الأردنية، حيث لم يسبق أن مرت المملكة بتفاصيل مشابهة منذ تأسيسها قبل 100 عام، فضلا عن أطرافها وحساسية أماكنهم ومناصبهم، وأدوارهم المهمة قبل دخولهم قفص الاتهام.
وسادت أوساط المتابعين جدلية واسعة، دفعت بها تساؤلات طبيعية تجاه مضمون القضية، ومصالح المتهمين الرئيسيين في زعزعة أمن بلادهم بالاشتراك مع "جهات خارجية" لم تحدد طبيعتها، في ما إذا كانت دولا أم أطرافا أم تنظيمات.
وقال صالح العرموطي القانوني المخضرم وعضو مجلس النواب الأردني (الغرفة الأولى للبرلمان) "لا أعتقد أن هناك قضية ترتب المساءلة القضائية الجزائية، ولا يوجد أي دليل يربط المتهمين بالتهم المسندة إليهم".
وأضاف العرموطي نقيب المحامين الأردنيين الأسبق، أن "المحكمة لم تمكن المتهمين من تقديم بينة للدفاع عن أنفسهم وسماع شهادة الشهود الذين طلبتهم هيئة الدفاع وهي منتجة في الدعوة، وستكون سببا للطعن في القرارات الصادرة إذا ما أدين المتهمون".
واعتبر أن الطعن "حق مشروع ومحصن دستوريا، ومن الضمانات الأساسية للدفاع، وأساس للفصل في هذه الدعوة، خاصة بأن المتهمين أكدوا بأنهم غير مذنبين بالتهم المسندة إليهم".
ورفضت المحكمة طلب دفاع المتهمين باستدعاء عدد من الأمراء من بينهم الأمير حمزة للشهادة، مبررة ذلك "بعدم الإنتاجية"، وفق تصريحات علاء الخصاونة محامي الشريف حسن بن زيد.
وأوضح العرموطي أن القضية هي "أسرع قضية يبت فيها منذ أكثر من 20 عاما".
وبدأت محكمة أمن الدولة جلسات النظر بالقضية في 21 يونيو الماضي، وحددت الاثنين المقبل موعدا للنطق بالحكم، بالتزامن مع إنهاء الجلسة السادسة، الثلاثاء الماضي.
وعن القرارات القضائية المتوقعة، قال العرموطي "بصفتي رجل قانون، أؤكد بأنه لا قضية والأصل إعلان البراءة من المحكمة"، مضيفا "إذا صدر أي قرار، سيكون خاضعا للطعن أمام محكمة التمييز".
وتابع العرموطي "كنت أتمنى أن ينظر بالقضية أمام القضاء النظامي صاحب الولاية العامة بحكم الدستور وليس الاستثنائي"، واصفا إياها بأنها "قضية سياسية وليس لها أي بعد قانوني، وآثارها السلبية ستكون أكثر من نتيجة المحاكمة"، من دون أن يوضح طبيعة ذلك.
وأوضح أن "ما ورد على لسان وزير الخارجية (أيمن الصفدي) في المؤتمر الصحافي إبان الإعلان عن تفاصيل القضية (4 أبريل الماضي)، وما أعلنه رئيس الوزراء أمام مجلس النواب بأن القضية ليست انقلابا وإنما زعزعة".
ورأى أن "التهم لم تثبت حتى من خلال أدلة النيابة، والنيابة أخفقت في ذلك، وأقول ذلك بكل تجرّد كرجل قانون وأول مترافع أمام محكمة أمن الدولة عام 1991، بعد إلغاء الأحكام العرفية، وقد قاطعتها منذ أعوام".
ومحكمة أمن الدولة هي ذات ولاية قضائية خاصة على الجرائم التي تضر بالأمن الداخلي والخارجي للمملكة، أنشأت عام 1959، وتتشكل هيئاتها من مدنيين وعسكريين، وأحكامها قابلة للطعن لدى محكمة التمييز (أعلى هيئة قضائية بالبلاد).
واعتبر ليث نصراوين أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية (حكومية)، أن "جلسة النطق بالحكم في القضية يجب أن تكون علنية، وذلك استنادا إلى أحكام الفقرة الثالثة من المادة 101 من الدستور، التي تعتبر أن الأصل في جلسات المحاكم علنية، وأنه يجوز للمحكمة أن تعقد جلسات سرية مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب العامة، إلا أن سرية الجلسات لا تشمل جلسة النطق بالحكم".
وعقدت المحكمة جلساتها بشكل سري ومغلق عن الإعلام، لما تتعلق به وقائع الدعوى بأمن وأسرار الدولة، فيما لم تعلن المحكمة طبيعة جلسة النطق بالحكم إذا ما ستكون علنية أم سرية.
وحول القرارات المتوقعة، أشار نصراوين إلى أنها "لن تخرج عن الحكم بالإدانة أو بإعلان البراءة او عدم المسؤولية، وفي جميع الأحوال يكون الحكم قابلا للطعن لدى محكمة التمييز مباشرة".
ويحاكم المتهمان في القضية، وهما باسم عوض الله والشريف عبدالرحمن حسن بن زيد، أحد أفراد العائلة الحاكمة، بتهمتي "جناية التحريض على مناهضة نظام الحكم السياسي القائم بالمملكة"، و"جناية القيام بأعمال من شأنها تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وإحداث الفتنة".
وأسندت تهمة أخرى إلى الشريف حسن بن زيد، بحيازة "مادة مخدرة" (بقصد التعاطي).
وبحسب المادة 149 من قانون العقوبات الأردني، فإن عقوبة تقويض نظام الحكم أو التحريض على مناهضته هي الأشغال المؤقتة، إذ تتراوح بين 3 و20 عاما.
وأعلنت عمان في 4 أبريل، أن "تحقيقات أولية" أظهرت تورط الأمير حمزة (41 عاما)، مع "جهات خارجية" في "محاولات لزعزعة أمن البلاد" و"تجييش المواطنين ضد الدولة"، وهو ما نفى صحته الأمير حمزة، ولي العهد السابق.
وتدخل الأمير الحسن، عم الملك، لاحتواء الخلاف داخل الأسرة الهاشمية، وأسفر هذا المسعى عن توقيع الأخير رسالة أعلن فيها الولاء للملك.
ويشكك خبراء قانونيون في مدى قانونية المحاكمة ما دام الأمير حمزة، وهو محور القضية، ليس في قفص الاتهام. ويقولون أيضا إن المحكمة الخاصة تفتقر إلى الاستقلال طالما أن الحكومة هي التي عينتها.
ويرى هؤلاء أن المسارعة في إصدار الحكم على المتهمين الاثنين في القضية من شأنه أن يعزز الشبهات في حقيقة الادعاءات المسندة للمتهمين، ويكرس الرأي القائل بأن القضية ليست مؤامرة ولا خطة انقلاب، ولكنها خطوة استباقية من السلطات لإسكات موجة النقد ضد أداء السلطة، وأيضا لوضع حد لتحركات الأمير حمزة الذي نجح في السنوات الأخيرة في كسب قاعدة عشائرية مهمة تدعمه، بفضل ما أظهره من تقارب واحتكاك بهمومها وانشغالاتها