هل تنقذ المنصات الافتراضية الفن التشكيلي الجزائري

الجزائر – الحاجة إلى التحديث ضرورية. الحاجة هي أم الاختراع والدافع إلى الابتكار والمحرض على التجديد. وهي لازمة من لوازم التطور، والدافع الأكبر إلى استحداث أساليب جديدة. فالفن يشبه العلوم، حيث تولد موجات التطور والانتقال من مرحلة إلى أخرى في ظل الظروف الاستثنائية.
وكانت ظروف جائحة كورونا التي رسمت القلق والحزن على وجوه البشر، وألزمتهم بالتباعد والانعزال، دافعا إلى ميلاد أنماط جديدة من المعارض لم تكن مطروقة في مجال الفن التشكيلي، وهي ظاهرة المعارض الافتراضية أو الإلكترونية كما يحلو للبعض تسميتها.
وقد اضطرّت العديد من قاعات عرض الفنون التشكيليّة في الجزائر إلى التكيُّف مع متطلّبات الوضع الوبائي وشروط الحجر الصحّي الذي فُرض في العديد من الإجراءات الاستثنائية توقيا من انتشار فايروس كورونا المستجد، وهو الأمر الذي جعل الكثير من النشاطات الثقافية تُحْرَمُ من حضور الجمهور المباشر.
وإلى جانب تأثر قاعات العرض، فقد ساءت أحوال الفنانين التشكيليين بسبب الظروف الاقتصادية الصّعبة خلال الجائحة، خاصّة أولئك الذين يتّخذون من بيع أعمالهم الفنيّة مصدرا لكسب الرزق.
المعارض الافتراضية تهدف إلى عرض أكبر عدد من أعمال التشكيليين كما تسعى للتعريف بالأجيال الجديدة
والجائحة برغم ما فيها من آلام إنسانية ومشاعر خوف وخسائر مالية وبشرية، إلا أنها فتحت الباب إلى الكثير من المكاسب المعرفية، وساهمت في شعور البشر بالأخوة الإنسانية وضرورة التكاتف والتعاون على ما فيه الخير، ونبذ العصبيات والصراعات، والتركيز على العلم والابتكار، وقد أثبتت أن العالم بكل تطوره وتقدمه وغناه المعرفي والمادي يمكن أن ينقلب رأسا على عقب بين لحظة وأخرى، وأننا في حاجة ماسة لكي ننظر إلى جميع الأمور نظرات جديدة تتسم بالتسامح والتعايش والتجديد خاصة.
وتُؤكد الفنانة التشكيلية آمال ميهوب مديرة غاليري الطاووس أنّ الموجة الأولى من جائحة كورونا دفعت قاعات العرض إلى إغلاق أبوابها تحت طائلة القوانين الصارمة التي فُرضت نتيجة عدم فهم طبيعة الفايروس في البداية، وهذا ما أدّى بالعديد من التشكيليين إلى البحث عن مصادر رزق أخرى، أو الاعتكاف في بيوتهم.
وتُضيف ميهوب أنّها لجأت في تلك الفترة إلى غلق أبواب الغاليري وتحويل نشاطه إلى العالم الافتراضي، حيث اقتصرت على التواصل مع الجمهور عبر صفحات التواصل الاجتماعي بنشر أعمال فنيّة متنوعة، دون أن تُنظّم معارض بحضور الجمهور مباشرة.
وبعودة تدابير الحجر المنزلي القاسية مع ظهور الموجة الثالثة من الجائحة، تقول ميهوب إنّها عادت إلى التفكير في الإنترنت كوسيلة مثالية للتواصل مع ما بقي من جمهور ومتابعين لنشاطات الغاليري، وذلك بالتركيز على إعادة نشر أعمال عدد من الفنانين والفنانات الذين سبق لهم العرض فيه، أمثال الفنان عبدالوهاب مقراني، وهو تلميذ امحمد إيسياخم وأحد روّاد الفن الجزائري المعاصر، والفنان عبدالحليم السلامي الذي تتميّز أعماله بتركيبات غنيّة بالتواصل والتعبير عن التراث الصحراوي الجزائري من خلال المزج بين الألوان الباردة والدافئة، فضلا عن فنانين آخرين على غرار جانت زهية حبريح وموسى بوردن.

وتضيف ميهوب أنّ هذه المبادرة التي تهدف إلى عرض أكبر عدد من أعمال التشكيليين، ستتواصل لتعريف الأجيال الجديدة بالفنون البصرية الجزائرية وأبرز أسمائها.
وتُقرُّ هذه التشكيليّة بأنّها فكّرت في غلق أبواب الغاليري بصورة نهائيّة نتيجة تراكم الأعباء، لكنّها تراجعت وفضّلت أن تتريث، لعلّ الآثار المدمّرة التي تسبّبت بها الجائحة تزول قريبا.
وإن تسبب انتشار فايروس كورونا في إغلاق العديد من المرافق والمؤسسات الثقافية والفنية، وهو ما أجبر الكثير منها على اللجوء إلى الفضاءات الافتراضية لضمان استمرارها، وهذا ما انتهجته الكثير من أروقة العرض التي قدمت أعمال الفنانين التشكيليين عن بعد لمحبي الفن والمولعين باقتناء الأعمال الفنية، فإن هذا الانتقال إلى الفضاء الافتراضي لا يمكنه أن يكون بديلا عن الواقع، ما يتطلب حلولا أكثر ابتكارا.
ومن البديهي القول إن النشاط الثقافي تضرر كثيرا بسبب أزمة فايروس كورونا، بحكم أنه جزء من الكثير من القطاعات التي تأثرت من تداعيات الوباء. لكن النقطة المثيرة للاهتمام هي أن البعض من مهنيي قطاع الفن والثقافة كان عليهم أن يجتهدوا ويضاعفوا خيالهم ويبدعوا للحد من الآثار المدمرة التي سببتها هذه الجائحة.
ويصر الكثير من المتابعين للشأن الفني على أن الفضاء الافتراضي يمكنه أن يكون حلا داعما للفنون في الوقت الراهن، ولكن لن يكون بديلا عن الواقع، فالفن واقع قبل كل شيء، لذا يحاول الكثير من أصحاب قاعات العرض تمكين الجمهور من الحضور وتشجيع الفنانين على عرض أعمالهم، وذلك في إطار إجراءات استثنائية لتوفير تظاهرات آمنة صحيا، يمكنها إشباع مختلف الأذواق والحفاظ على الحركة الفنية.