هل تنجح مبادرة السوداني في فض الاشتباك بين المتنافسين على قيادة الحكومة المحلية بكركوك

كركوك (العراق) - استدعى استعصاء تشكيل حكومة محلّية في محافظة كركوك بشمال العراق نتيجة تكافؤ القوى بين الكتل الفائزة في الانتخابات المحلّية التي أجريت قبل أكثر من شهرين تدخّل رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني لحلحلة الإشكال قبل أن يتحوّل إلى مصدر للتوتّر في المحافظة ذات الحساسية الاستثنائية بفعل التنازع الحزبي والقومي عليها، والتدخلات الخارجية في شؤونها.
ويطالب الأكراد الحاصلون على سبعة من المقاعد الستة عشر لمجلس محافظة كركوك موزعة بين حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني بالحصول على منصب المحافظ، بينما يطالب العرب والتركمان الحاصلون على باقي المقاعد عدا مقعد المسيحيين، بالمنصب ذاته.
ولا تترجم مطالبة العرب والتركمان بانتزاع قيادة الحكومة المحلية لكركوك من أيدي الأكراد موقفهم الخاص بهم فقط، بل تلتقي إلى حدّ كبير مع موقف تركيا التي شجّعتهم على ذلك لعدم رغبتها في رؤية أبناء المكوّن الكردي يمسكون بزمام المحافظة الغنية بالنفط.
ورغم محاولة استخدام سلطة رئيس الوزراء لدفع الأطراف المتنازعة في كركوك إلى التوافق على مخرج من المشكلة، إلاّ أنّ متابعين للشأن العراقي يرون أنّ تدخّل السوداني نفسه لا يخلو من نقطة ضعف تتمثّل في كون الرجل لا يستطيع الانفصال بشكل كامل عن موقف الجهات النافذة المشكّلة لحكومته من النزاع في كركوك.
وتقف خلف السوداني الأحزاب والفصائل الشيعية المكوّنة للإطار التنسيقي، وجلّها لا ترغب في ذهاب منصب محافظ كركوك للأكراد، وخصوصا للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تعرف علاقته مع العديد من القوى الشيعية حالة من التوّتر على خلفية اتّهامه بالموالاة للولايات المتّحدة الأميركية ومعارضته لرحيل قواتها عن الأراضي العراقية.
واجتمع ممثلو الكتل الفائزة في انتخابات مجلس محافظة كركوك مع السوداني بحضور رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بافل جلال طالباني الذي حصل حزبه على خمسة مقاعد في مجلس محافظة كركوك وذلك “في إطار مبادرة وطنية لتشكيل الحكومة المحلية في المحافظة”، بحسب ما أورده المكتب الإعلامي لرئاسة الحكومة.
ورغم علو مستوى التمثيل في الاجتماع فإنّه لم يفض سوى إلى اتفاق على إجراءات يرجّح أن تواجه صعوبات في تنفيذها. وقال المكتب الحكومي إن المجتمعين خرجوا باتفاق مبادئ من أجل المضي بتشكيل الحكومة المحلية في المحافظة نصّ على وجوب مراعاة مصالح أبناء كركوك والحفاظ على العيش المشترك وتعزيز أواصر الأخوّة والتعاون بين أبنائها وأن يكون الدستور المظلة التي يحتمي بها الجميع، وذلك اعتبارا لأهمية المحافظة “بوصفها عراقا مصغرا”.
كما اتّفق المجتمعون “على أن يكون منهج الشراكة والتوافق وعدم الإقصاء أساسا للعمل المشترك في محافظة كركوك”، وعلى “تشكيل ائتلاف إدارة كركوك من كل القوى الفائزة في مجلس المحافظة، ويكون المظلة السياسية لها، وأن يترأس مجلس الوزراء جلسات الائتلاف لحين تنفيذ الاستحقاقات الدستورية في تشكيل الحكومة المحلية، والاتفاق على البرنامج وآليته والنظام الداخلي للائتلاف.
ونص اتّفاق المبادئ أيضا على إعداد برنامج للإدارة المحلّية في كركوك يتبناه التحالف المزمع تشكيله وتلتزم به القوى المؤتلفة وتتبنى الإدارة الجديدة في المحافظة تنفيذه وفق آليات وتوقيتات واضحة وعملية. كما نصّ على أنّ تقدم القوى السياسية المشارِكة في الاجتماع أوراق عمل خلال سبعة أيام تُضمّن فيها رؤيتها بإعداد برنامج متكامل للمحافظة والآليات المناسبة لتشكيل الحكومة المحلية فيها.
ومن جهتها قالت مصادر سياسية مطلّعة على سير الاجتماع إنّ الآجال التي تمت الإشارة إليها في نص الاتّفاق جاءت بمثابة مهلة من قبل رئيس الوزراء للأفرقاء المتنازعين على قيادة كركوك.
وقال الأمين العام للاتحاد الإسلامي لتركمان العراق جاسم محمد جعفر إنّ “السوداني أمهل القوى السياسية لمكونات كركوك التي تشكل منها مجلس المحافظة أسبوعا واحدا للتداول مع ممثل مكتبه لتحديد لقاء ثان معه”. وأضاف متحدّثا لموقع المعلومة الإخباري إنّ “الاجتماع الذي جمع السوداني مع أعضاء مجلس كركوك لم يتوصل إلى أي اتفاق لتشكيل حكومة المحافظة مما دفعه إلى إمهالهم أسبوعا لإبداء كل طرف رأيه بالموضوع”.
وتابع قوله “السوداني أكد خلال الاجتماع على ضرورة أن تدار المحافظة من قبل الجميع”، وأن الاجتماع الثاني المرتقب مع السوداني سيعقد في بحر أسبوع. وعبّر حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني عن استعداده للاجتماع مع الأطراف والمكونات لتشكيل الحكومة المحلية في كركوك وتوزيع المناصب وفق الاستحقاقات الانتخابية.
وذكّر على لسان مسؤول مركز تنظيمات كركوك روند ملا محمود بأنّه حصل على أكثرية الأصوات والمقاعد في انتخابات مجالس المحافظات في كركوك ولهذا يعتبر أن منصب المحافظ من استحقاقه. ويعني كلام ملا محمود بقاء الخلاف في المربع الأول حيث يطالب كل طرف بالمنصب ويعتبره استحقاقا له.
وقال السياسي التركماني عمار كهية من جهته إن "تشكيل ائتلاف كركوك أهم من اختيار الشخصيات حيث أن أهالي المحافظة يترقبون الخروج من الأزمة والالتفات إلى الخدمات".
وتقف تركيا بقوة وراء تركمان العراق من منطلق وحدة القومية معهم، وتحاول إسنادهم للحفاظ على مكانة متميّزة في إدارة المناطق العراقية التي يتواجدون فيها وفي مقدمتها محافظة كركوك وذلك بهدف استخدامهم كمدخل إلى المحافظة.
وبلغ مستوى التدخل التركي في الشؤون الداخلية لكركوك حدّ مناقشة تفاصيل تشكيل الحكومة المحلية وتقديم اقتراح على لسان وزير الخارجية هاكان فيدان بأن يكون منصب المحافظ من نصيب التركمان بغض النظر عن نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة على أساس أن الأكراد والعرب شغلوا المنصب من وقبل وجاء الدور الآن على التركمان.