هل تنجح الورقة البيضاء في إنهاء حقبة مظلمة أنهكت العراقيين

إيران لن تقبل بعراق قوي ولا بتعافي اقتصاد البلد المنهك من الفساد.
الأحد 2020/11/01
نظرة إصلاحية للاقتصاد

بغداد - دفعت الأزمة الاقتصادية التي يتخبط فيها العراق حكومة مصطفى الكاظمي إلى طرح "ورقة بيضاء" هي بمثابة خارطة طريق نحو إصلاح اقتصادي شامل يكون نقطة نهاية لاعتماد اقتصاد البلاد على الموارد النفطية فقط.

ويروج الكاظمي هذه الأيام لورقته الإصلاحية التي طرحها قبل أشهر وتحظى بدعم المجتمع الدولي.

وقال الكاظمي، السبت، إن "الأزمة الحالية التي يمر بها العراق بسبب كورونا وانخفاض أسعار النفط العالمية دفعت بالحكومة الى التخطيط المدروس، لتحقيق الإصلاح الاقتصادي، ودعم القطاع الخاص"، لافتا إلى أن "الورقة البيضاء التي أعدّتها الحكومة تمثل خارطة طريق واضحة بهذا الاتجاه".

وتطمح هذه الورقة أو خارطة الطريق كما يطلق عليها رئيس الوزراء العراقي إلى إعادة بلورة النظام الاقتصادي في البلاد بعد أن استشرى فيه الفساد منذ عام 2003، وجعله عاجزا عن توفير أبسط الأساسيات الحياتية للشعب، وتعمل على تقييم الوضع الراهن للتمكن من إقرار حلول ناجعة للمرحلة القادمة.

ويعاني العراق من أزمة مالية خانقة بسبب تراجع إيرادات النفط جراء تداعيات الجائحة على الطلب العالمي. وبلغ إجمالي الإيرادات المالية من بيع النفط لشهر سبتمر الماضي 3.1 مليار دولار، بينما يحتاج العراق إلى 5 مليارات دولار لتغطية رواتب 4.5 مليون موظف.

وأثار تأخير صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين لمرات متكررة خلال العام 2020، موجة استياء شعبية واسعة ضد الحكومة التي تسعى إلى إيجاد حلول دائمة للاقتصاد.

وبحسب المتحدث باسم الحكومة العراقية أحمد الملا طلال، أقر مجلس الوزراء العراقي الثلاثاء آليات جديدة للإصلاح الاقتصادي عبر "الورقة البيضاء"، التي قال إنها تتضمن "مئات الإجراءات الكفيلة بإحياء الاقتصاد العراقي"، واستثمار "موارد البلاد الهائلة" بـ"الطريقة العلمية". وتمتد على 100 صفحة، ويفترض أن تكون مدة تنفيذها (3-5) سنوات.

ولفت المتحدث باسم الحكومة العراقية إلى أنّ "موازنة 2021 ستكون إصلاحية بامتياز ومبنية على متطلبات الورقة البيضاء وستتخذ إجراءات تهدف بشكل مباشر إلى تحسين إيرادات الدولة والسيطرة على النفقات".

وكان وزير المالية علي عبدالأمير علاوي أقر في مؤتمر صحافي، أن “الورقة البيضاء خارطة طريق إصلاحية الآن وللموازنات اللاحقة”، موضحا أن العراق عاجز عن تغطية نفقات “الاستيرادات المقدرة بـ60 مليار دولار سنويا، والالتزامات الدولية والإقليمية المتعلقة باتفاقيات تجارية.. فالإيرادات النفطية غير كافية لتغطية متطلبات الرواتب والتقاعد”.

وشدّد الوزير آنذاك على أهمية “العمل على تنويع الإيرادات “، وهو ما تسعى إليه الورقة البيضاء.

ويوضح تقرير صندوق النقد الدولي الأخير، عمق أزمة الاقتصاد العراقي، اذ توقع أن يصل عجز ميزانية العراق إلى 22 في المئة من الناتج المحلي، وأن “ينكمش الاقتصاد بنسبة تصل إلى 10في المئة” ومعتبرا “العجز في العراق، بأنه الأسوأ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.

وكان الكاظمي أكد منذ يونيو الماضي، أن الحكومة أعدّت الورقة البيضاء للإصلاحات المرتقبة، وحمل رئيس الوزراء الورقة معه في جولته الأوروبية الشهر الماضي، والتي شملت كلا من فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وبحث فيها عن سبل لتعزيز العلاقات مع هذه الدول وجذب استثمارات تدعم خطة الحكومة للنهوض بالاقتصاد وإجراء إصلاحات جذرية على البلاد.

وجاءت أزمة الجائحة العالمية وتراجع الطلب على النفط لتعمّق تداعيات المقاربات الخاطئة التي اعتمدتها الحكومات العراقية المتعاقبة، والتي تتخذ من النفط المصدر الرئيسي لتمويل الموازنة بنسبة تصل إلى 95 بالمئة. 

وحدّدت الورقة المطروحة مسارا اصلاحيا للاقتصاد بداية بالقطاعات التي يمكن خصخصتها مثل الشركات العامة، بالإضافة إلى تفعيل صندوق القطاع الخاص وتحسين البنية التحتية وإعادة رسم نظام الحماية الاجتماعية وتطوير الحوكمة والبيئة القانونية.

وتصطدم هذه الورقة الإصلاحية بعراقيل عدة على مستوى التنفيذ في مقدمتها القوى المسيطرة على المشهد الحالي، ومن خلفها إيران التي تريد تأبيد الوضع الراهن حيث أنها تخشى من عراق قوي، وهو ما تؤكده تصريحات المرشد الأعلي الإيراني علي خامنئي في ذكرى اندلاع الحرب العراقية الإيرانية والتي حملت بين طياتها حقدا تجاه هذا البلد العربي.

ووصف المرشد الإيراني حرب الثماني سنوات التي خلفت آلاف القتلى والجرحى في نهاية القرن الماضي، بـ"إحدى أكثر الأحداث التاريخية عقلانية" في تاريخ بلاده.

وقال خامنئي إن الحرب على العراق أظهرت تصميم الجمهورية الإسلامية على "الدفاع عن نفسها" ضد أعدائها.

وتضمنت الورقة بعض الاصلاحات القاسية كرفع الدعم عن منتجات كثيرة، ما قد يثير ردات فعل غاضبة في الشارع الذي بات غير قادر على تقديم المزيد من التنازلات في ظل تدهور وضعه المعيشي.

وقال الكاظمي في بيان، عقب اجتماعه مع رؤساء الكتل البرلمانية لمناقشة خارطة الإصلاح الاقتصادي أكتوبر الماضي، إن “ورقة الإصلاح تحتاج إلى جهود الجميع لتطويرها، والاستفادة من الخبرات الموجودة من أجل ترجمتها إلى واقع عمل طويل الأمد”.

واعتبر أن “الورقة البيضاء تمثل بداية الإصلاح الاقتصادي، وعلى الرغم من كونها مطولة وتضم بعض الإجراءات، لكنها ستكون قاعدة نستند إليها في تطوير رؤية البلد المستقبلية”.

وحث الكاظمي مجلس النواب على مناقشة الورقة “وإقرارها من حيث المبدأ، لتكون إطارا عاما لعمل حقيقي وجاد يمكن أن ينهض بالاقتصاد العراقي”.

وكتب في تغريدة على تويتر "أن ورقة الإصلاح البيضاء هي مشروع حلٍّ لأزمة إدارة الاقتصاد المزمنة، والاعتماد الكامل على النفط وعدم تنويع مصادر الدخل".