هل تنجح التغييرات الإعلامية في التقريب بين المواطن والسلطة المصرية

الرسائل الدينية والاجتماعية تمر عبر الدراما وتتعثر الرسائل السياسية عبر الإعلام.
الثلاثاء 2024/04/09
إعلام التلميع لا يكفي

القاهرة- جاءت التغييرات التي شملت رؤساء مجالس الإدارات والتحرير في المؤسسات الصحفية القومية الأحد شكلية وإن شملت تولي أسماء جديدة المناصب الرئيسية في جميع المؤسسات الصحفية وإصداراتها ووكالة الأنباء الرسمية، ما يطرح التساؤلات بشأن قدرتها على تجاوز حالة التباعد بين المواطن والسلطة، وهي المشكلة التي تؤرق القيادة المصرية.

ويتعامل المراقبون مع هذه التغييرات على أنها لا تقل أهمية عن التغييرات المحتمل إجراؤها على تركيبة الحكومة، والتي يريد الناس أن يروا نتائجها على الأرض.

ويمكن اعتبار التغيير الذي جرى في قيادات الصحافة على أنه مؤشر على رغبة في التجديد وقياس مدى التأثير في هذا المجال، وهو يتواءم مع بدء الولاية الثالثة لحكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، والتي من المنتظر أن تشهد تغييرات أخرى، قد تأتي شبيهة لما جاء في القطاع الصحافي الذي ابتعد عن الصدمات، وظهر بلا مفاجآت.

ويمكن التعامل مع التغيير الصحفي على أنه سياسي أيضا، الهدف منه تدارك الثغرات في أداء بعض الصحف والمواقع الرسمية لتتمكن من التعبير عن طموحات الرئيس السيسي الذي أبدى سابقا تحفظات عديدة على الأداء الإعلامي الحكومي.

إذا كان هدف التعيينات تنشيط الدعاية وليس إعادة الاعتبار للإعلام، فسيبقى التباعد بين المواطن والسلطة مستمرا

وقال الخبير في العلاقات الدولية، رئيس تحرير “الأهرام ويكلي” السابق، جلال نصار إن التغييرات التي حدثت في القيادات الصحفية تعكس طبيعة الفكر في اختيار الكوادر وتأهيلها في مصر، وإنها لم تتغير عن المراحل السابقة، وهي إشارة تنطبق على كل الاختيارات في المناصب الرئيسية بالدولة خلال السنوات العشر الماضية.

وأشار في حديثه لـ”العرب” إلى “وجود ما يسمى بالقوائم المغلقة التي تم تحديدها منذ فترة، وتجري عملية تدوير متقنة على المناصب القيادية للأسماء التي تحويها، وغالبا تخرج القيادات من هذه القائمة بحجة أن هؤلاء الأقدر على تنفيذ رؤية النظام”.

وأوضح جلال نصار أن ثمة اعتقادا راسخا في أن الصحافة لعبت دورا مهما في التطورات التي سبقت ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013، وتم تقليم أظافر الصحافة بعدهما لتفقد قدرتها على التأثير في الشارع والوعي العام، واختيار قيادات لا تؤثر وتفتقر إلى مناقشة قضايا كبرى بعيدا عن الرواية الرسمية في كل المجالات.

وإذا كانت التغييرات شكلية عن عمد أو أن الهدف من القادمين الجدد تنشيط الدعاية وليس إعادة الاعتبار للإعلام، فسيبقى التباعد الظاهر بين المواطن والسلطة مستمرا، وإذا كان الهدف تقديم صورة حقيقية للدولة ونظامها وإنجازات الحكومة وإخفاقاتها تتسم بالموضوعية والمهنية فسوف تتبدل حالة التباعد وتصبح وصلاً.

وقد نجح النظام المصري في تمرير العديد من الرسائل الدينية والاجتماعية الإيجابية من خلال الدراما في السنوات الماضية، بينما تعثرت تصوراته السياسية المنقولة عبر وسائل الإعلام، وخلت من طرح قضايا حيوية وافتقرت إلى معالجات مهنية خالصة.

uyu

وكانت مقالات البعض من رؤساء تحرير الصحف الحكومية في وقت من الأوقات تتم مطالعتها كمرشد لمن يريدون فهم توجهات النظام المصري، وكانت أيضا أداة شبه رسمية لتوصيل رسائله إلى جهات معينة في الخارج من دون أن تحمّل الدولة مسؤولية سياسية كاملة ومباشرة.

وتمتلك مصر إمكانيات هائلة في الدراما والصحافة، وتمكنت الأولى من طرح قضايا متعددة وحققت رواجا كبيرا، وأحرزت نجاحا في ملفات دينية واجتماعية وسياسية متباينة، وآخرها مسلسل “الحشاشين” الذي ينطوي على عدة أهداف، في حين غابت هذه الرؤية في الصحافة ولم تطرح قضايا على المستوى ذاته وباتت صورتها نمطية.

مراقبون يتعاملون مع هذه التغييرات على أنها لا تقل أهمية عن التغييرات المحتمل إجراؤها على تركيبة الحكومة، والتي يريد الناس أن يروا نتائجها على الأرض

ويتوقف نجاح القيادات الجديدة على نظرة الدولة المصرية إلى دور الصحافة ذاته، وما يمكن أن تقوم به على قدم المساواة مع الدراما، وربما تفوقها عند تطرقها إلى التحديات الراهنة في المنطقة وتوابعها السياسية والأمنية، وتطرح خيارات تتعامل معها القاهرة في بيئة إقليمية معقدة، وسيناريوهات لحجم الفرص المتاحة والصعوبات المتوقعة.

ويقول مراقبون إن الصحافة بأشكالها وتطوراتها تمثل قناة تواصل جيدة بين المسؤولين والمواطنين، ويمكنها تلبية أهداف النظام الحاكم السياسية، والوصول إلى قلب وعقل الناس كلما بدت قريبة من آلامهم وأوجاعهم، ناهيك عن قدرتها على توصيل رسائل الدولة إلى الخارج إذا حوت معلومات مؤكدة ورؤى منطقية في ما تطرحه من قضايا متباينة.

ويضيف المراقبون أن صحافة الفضائح (الصحافة الصفراء) ليست مفيدة للنظام المصري، كما أن صحافة الدعاية تراجع دورها وانتشارها وتأثيرها، والمستقبل للرأي والتحليلات، وهو ما تحتاجه غالبية الصحف المصرية كي تتمكن من تمتين العلاقة بين القيادة السياسية والجماهير، ويصبح صوتها مسموعا ومؤثرا عندما تحتاجه الدولة كإحدى الأذرع المهمة في توصيل رسائل الدولة.

ويستوجب تكليف القيادات الصحفية الجديدة بهذا المحدد أن يكون التغيير المتوقع في الحكومة متماشيا معه، من حيث اختيار الكفاءات الوزارية التي تستطيع التأقلم مع المستجدات، ويعني إخفاق الأولى في هذه المهمة أو مواجهة كوابح سياسية تعرقل دورها أن المواطن سيكتشف أن المشكلة في الصحافة ومن قيدوا مهامها.

 

اقرأ أيضا:

     • تحصين الجبهة الداخلية يشغل الرئيس المصري

     • تغيير الحكومة أم السياسات في مصر

1