هل تكفي الأستوديوهات الفخمة العازلة لاستقطاب أفلام عالمية في السعودية

الخوف من درجات الحرارة القاسية والحذر من القيود الاجتماعية التي تفرضها السعودية يمنعان صانعي الأفلام من العمل.
السبت 2024/07/20
الفيلم رغم جماله فهو صناعة

الرياض - تكثف الرياض جهودها لجذب صانعي الأفلام الدوليين إلى المملكة في سعيها لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط، حيث يُنظر إلى الصناعة على أنها مصدر للوظائف ووسيلة لتعزيز السياحة، لذلك تخصص ميزانية ضخمة لتطوير أحدث الأستوديوهات، رغم وجود العديد من التحديات من بينها درجات الحرارة المرتفعة.

ويقول الكاتبان أحمد العمران من العلا وكريستوفر غرايمز من لوس أنجلس، في تقرير لصحيفة فايننشال تايمز، إنه بضغطة زر واحدة يُغلق باب منزلق ضخم ويخيم صمت غريب على قاعة داخل مجمع تم تشييده حديثًا في الصحراء السعودية.

وتعد المساحة البالغة 25000 قدم مربع واحدة من مرحلتين عازلتين للصوت في مجمع أستوديو أفلام جديد تمامًا بالقرب من مدينة العلا في منطقة المدينة المنورة بالمملكة. وقال أحد العاملين في الموقع “هذا أفضل من المعايير الدولية”، وأضاف “إذا أنفقت 160 مليون دولار على فيلم، فلا يمكنك المخاطرة بتوقف الأستوديو عن العمل”. وتسعى المملكة إلى الترويج للسياحة في الأفلام من خلال عرض المناظر الطبيعية التي تعود إلى العصور القديمة، من المدن الطينية إلى الجزر في البحر الأحمر.

وقالت شارلين ديليون جونز المديرة التنفيذية لبرنامج فيلم العلا، وهو برنامج حكومي يروج للقطاع في المدينة التي تعد موطناً لأول موقع للتراث العالمي لليونسكو في السعودية، إن “الفيلم رغم جماله فهو صناعة”، مضيفة “إنه يوفر فرص عمل مباشرة كبيرة وله تأثير اقتصادي قوي غير مباشر على الشركات المحلية”.

لكن هذه المبادرة تواجه العديد من التحديات، ويقول محللون إن الخوف من درجات الحرارة القاسية في المملكة والحذر من القيود الاجتماعية التي تفرضها يمنعان صانعي الأفلام من العمل أيضًا. لكن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حدد الفنون والترفيه كقطاعات ذات إمكانات نمو عالية. وجذبت المناظر الطبيعية السعودية بالفعل صانعي الأفلام الأجانب. أحدها هو “قندهار”، وهو فيلم أكشن من بطولة الممثل الإسكتلندي جيرارد بتلر، تم تصويره جزئيًا في البلاد في 2021 – 2022.

ومع ذلك يعرف المسؤولون أن جمال المناظر الطبيعية ليس كافيا لجذب صانعي الأفلام إلى أرض تصل فيها درجات الحرارة في الصيف إلى 50 درجة مئوية في الكثير من الأحيان، فيما تعد الأستوديوهات الجديدة جزءًا من الجهود لتحسين المرافق والسماح بالإنتاج على مدار العام. وتساءلت ديليون جونز “ما الذي تفعله حتى يمكن أن يتم التصوير داخل وخارج الموسم؟” لتضيف “هذا ما نطوره في هذا الأستوديو” والبنية التحتية في جميع أنحاء المملكة.

وتقدم الحكومة أيضًا حوافز مالية، حيث تعرض هيئة الأفلام السعودية التي تديرها الدولة خصومات تصل إلى 40 في المئة على الإنفاق الإنتاجي، مقارنة بنسبة 30 في المئة التي يقدمها المنافسون الإقليميون مثل مصر والمغرب. ويمكن لصانعي الأفلام أيضًا التقدم بطلب للحصول على حصة من صندوق التنمية الثقافية السعودي بقيمة 234 مليون دولار.

المناظر الطبيعية السعودية تجذب صانعي الأفلام الأجانب من ذلك فيلم "قندهار" لبطله الإسكتلندي جيرارد بتلر
◙ المناظر الطبيعية السعودية تجذب صانعي الأفلام الأجانب من ذلك فيلم "قندهار" لبطله الإسكتلندي جيرارد بتلر

ويقول مسؤولو لجنة الأفلام إن حزمة الحوافز التي يقدمونها تمنح السعودية ميزة تنافسية. وقال أحدهم “في بلدان أخرى، تحصل فقط على الخصم النقدي، ثم تكون وحدك عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الإدارات الحكومية المختلفة، لكن نحن نتعامل مع الأمر برمته”. واستثمرت السعودية أيضًا في إنتاجات خارج هوليوود، بما في ذلك الفيلم الفرنسي “جين دو باري”، من بطولة جوني ديب.

وكان من ثمار حملة 2018 للانفتاح الإعلامي استثمار بقيمة 200 مليون دولار في “بينسك ميديا” من قبل المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام. وتمتلك “بينسك” حفل توزيع جوائز “غولدن غلوب” وتسيطر على أهم مجلات هوليوود التجارية، بما في ذلك “فاريتي”، و”ديدلاين” و”هوليوود ريبورتر” التي تغطي مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي الذي يقام في جدة كل شتاء.

ومن بين المستفيدين الآخرين من التمويل السعودي شركة “أكابو”، وهي شركة الإنتاج المملوكة للأخوين أنتوني وجوزيف روسو، وحصلت الشركة على تمويل بقيمة 50 مليون دولار من السعودية في عام 2020. ووقعت شركة أسسها جريج سيلفرمان المخضرم في شركة “وارنر بروس”، صفقة العام الماضي لاستخدام أستوديوهات العلا الجديدة في 10 مشاريع على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

ويستهدف المسؤولون السعوديون أيضًا صانعي الأفلام خارج هوليوود. وقد ضخ أحد صناديق الأموال في الإنتاجات الأوروبية، بما في ذلك الفيلم الفرنسي “جان دو باري”. وقام النجم الهندي شاروخان بتصوير أجزاء من فيلمه الجديد “دونكي” في المملكة عام 2022. كما شاركت لجنة الفيلم في مهرجان شنغهاي السينمائي الدولي في يونيو الماضي، واصفة ذلك بأنه “تحرك إستراتيجي لترسيخ المملكة كمركز سينمائي عالمي”.

لكن الرغبة في جذب الإنتاجات الأجنبية أثارت غضب صانعي الأفلام المحليين، حيث تسعى الصناعة المحلية إلى التوسع بعد أن خففت الرياض بعض القيود الاجتماعية. وتم رفع الحظر المفروض على دور السينما في عام 2018، وجرى تخفيف القيود المفروضة على الترفيه. وقال الممثل حكيم جمعة، الذي عمل في فيلم “قندهار” وأفلام أجنبية أخرى في المملكة، إنه يفضل أن “تذهب الأموال إلى الطواقم السعودية والأفلام السعودية”، بينما قالت لجنة السينما إن حزمة الحوافز الخاصة بها متاحة للأفلام المحلية والأجنبية.

وعلى الرغم من مسعى الرياض، فإن المشاكل التي تواجهها حتى الأفلام العالمية ذات الميزانيات الكبيرة يمكن أن تجعل المنتجين يعتقدون أن الصناعة السعودية أمامها طريق طويل لتقطعه، كما يقول المحللون.

فمثلا فيلم “محارب الصحراء” هو عمل درامي ومن أفلام الأكشن في الوقت نفسه، من تأليف وإخراج روبرت وايت، بدأ تصويره خلال جائحة كورونا في منطقة نيوم الاقتصادية المستقبلية. لكنه لا يزال في مرحلة ما بعد الإنتاج دون تاريخ إصدار على الرغم من الميزانية البالغة 150 مليون دولار المدعومة من قبل أستوديوهات "أي.جي.كي" الأميركية ومجموعة "إم.بي.سي" المملوكة للسعودية.

وقال سام بارنيت، الرئيس التنفيذي لقناة “أم.بي.سي"، “هذه هي المرة الأولى التي نصنع فيها فيلما بهذه المكانة”، وأضاف “أعتقد أن التحدي يكمن في الحصول على مستوى الموارد المطلوبة للأستوديوهات.. بحيث يكون هناك ما يكفي من القدرات والمرافق والمعدات والمواهب”.

5