هل تقود الحكومة المصرية الاقتصاد نحو الانكماش؟

يتفق محللون على أن عزم الحكومة المصرية زيادة أسعار الكهرباء والوقود تدريجيا على مدار سنة ونصف السنة، لسد الفجوة الكبيرة بين تكلفة الإنتاج وسعر الخدمات الممنوحة للمواطنين سوف يأتي بنتائج عكسية على نمو اقتصاد البلاد مع تعثر القطاع الخاص.
القاهرة - تواجه مصر خطر انكماش النمو هذا العام بعد تصريحات بأنه لا سبيل أمامها في طريق الإصلاح سوى التحرك التدريجي في أسعار بعض الخدمات، ما يبرز اعتمادها على تقليص معدلات الدعم المقدم للمواطنين مع إصلاحات بطيئة لتنشيط القطاع الخاص. ويتنافى هذا الاتجاه مع مساعي الحكومة نحو تحقيق معدل نمو يبلغ 4.2 في المئة في العام الأول من برنامجها ضمن رؤيتها للسنوات الثلاث المقبلة.
وقال رئيس الحكومة مصطفى مدبولي إن "سعر السولار يباع بنحو 0.2 دولار للتر في حين تبلغ تكلفة إنتاجه 0.41 دولار، وستتم زيادة الأسعار على مدى زمني ليس بالقصير لتعويض جزء من الدعم الكبير المتاح حاليا".
وزادت فاتورة الدعم من 11.1 مليار دولار خلال السنة المالية الماضية المنتهية في يونيو إلى 13.2 مليار دولار خلال السنة المالية الجارية بنسبة زيادة 19.3 في المئة.
وجاء ذلك نتيجة ارتفاع تكلفة دعم المواد البترولية بقيمة 731 مليون دولار لتصل إلى 3 مليارات دولار، والسلع التموينية بقيمة 134 مليون دولار لتصل إلى نحو 3 مليارات دولار.
وأعلن المتحدث باسم مجلس الوزراء محمد الحمصاني أن البلاد في حاجة إلى رفع أسعار الوقود والكهرباء تدريجيا لتوفير قدر بسيط من تكلفة قطاع الكهرباء كي يتم وقف خطة تخفيف الأحمال المتبعة حاليا.
كما أكد أن زيادة أسعار الوقود سيكون بقدر قليل، وحال تحريك أسعار الكهرباء سيتم استمرار الدعم للفئات محدودة الدخل. ولقرار زيادة أسعار الوقود تداعيات اقتصادية سلبية، إذ يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج في مختلف القطاعات، ما يؤثر على القدرة التنافسية لبعض الصناعات، وتراجع الإنتاج وزيادة معدلات البطالة.
ويزيد رفع أسعار الوقود الأعباء والضغوط على المواطنين، ويؤدي لارتفاع تكلفة المعيشة وتآكل القوة الشرائية، وهو أمر يفاقم من الأعباء الاقتصادية على نسبة من محدودي الدخل، ويؤدي هذا الارتفاع إلى وقوع فئات جديدة تحت خط الفقر.
وتُسهم زيادة أسعار المحروقات في ارتفاع معدلات التضخم التي تنتظر الأسواق استمرار هبوطها الفترة المقبلة بعد ارتفاعات قياسية في السنوات الماضية، ما يزيد من الضغوط على الاقتصاد ويؤثر على استقرار أسعار المنتجات.
وكشف جهاز الإحصاء عن تباطؤ في الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين خلال يونيو الماضي، مواصلا هبوطه للشهر الرابع على التوالي، بعد أن بلغ 27.1 في المئة على أساس سنوي، مقابل 27.4 في المئة لشهر مايو الماضي.
وعلى أساس شهري، ارتفع معدل التضخم في يونيو 1.8 في المئة بعد تراجعه في مايو 0.8 في المئة، ما يجعل التمهل في زيادة أسعار الوقود ضرورة مُلحة، لأن التضخم الشهري يكشف عن تطور الأسعار بصورة أدق منذ تعويم الجنيه في مارس الماضي.
وأوضح المحلل الاقتصادي سيد عويضي أن قرار رفع أسعار المحروقات وبالتبعية الكهرباء لا مفر منه، وهو من النواحي الاقتصادية ضروري لأجل تحقيق الاستدامة المالية وخفض دعم الحكومة.
وقال لـ"العرب" إنه "لا بد أن يواكب ذلك برامج حكومية لتعزيز الحماية الاجتماعية وتخفيف حدة القرارات على المواطنين وشتى القطاعات الإنتاجية".
وأكد عويضي أن أمام الحكومة بعض الحلول أيضا، مثل توفير الدعم النقدي المباشر للأسر محدودة الدخل، وتوفير حوافز ضريبية لمختلف الشركات، وتعزيز الرقابة على الأسواق لصد التجار عن أي استغلال يسمح لهم برفع الأسعار بالأسواق.
وباتخاذ التدابير اللازمة لحماية الطبقات الأكثر فقرا يمكن للحكومة أن تحقق نوعا من التوازن بين تحقيق الاستدامة المالية وبين توفير الاستقرار والأمان الاجتماعي ومن ثم التخفيف من حدة الآثار الناشئة عن رفع أسعار المحروقات اقتصاديًا واجتماعيًا.
وتواجه القاهرة مطبات اقتصادية بسبب أزمة نقص الغاز والوقود بشكل عام، ما يدفعها إلى فصل التيار الكهربائي عن المواطنين من خلال سياسة تخفيف الأحمال، ورفع أسعارها مع توفيرها، ما يدفع المواطن لاختيار البديل المرتبط بزيادة الأسعار.
وترى الحكومة أن تشغيل المصانع بتكلفة أعلى أفضل من إغلاقها، ولو ترتبت عن ذلك زيادة في أثمان المنتجات، حيث يتم النظر إلى القرارات في بدايتها باعتبارها أكثر سخونة ولا تلبث إلا أن يتأقلم معها المواطنون ثم الأسواق.
ويبقى القرار الأصعب هو رفع أسعار الوقود، إذ تفضي إلى ارتفاع ملحوظ في تكاليف النقل واللوجستيات، ما يصعد بأسعار المنتج النهائي المباع بالأسواق.
ومع تدني مستويات الدخول والأجور يحدث انخفاض على طلب السلع والخدمات، وبشكل خاص السلع غير الغذائية، ما يؤثر على قطاعات عديدة، مثل الملابس والأجهزة المنزلية والكهربائية.
ويقود ذلك إلى انكماش القطاع الخاص عموما، وعلى العلامات التجارية العالمية وتوسعها في مصر والفرنشايز، وهذا يؤشر على تضييق الخناق على الأعمال وتقييدها في ضخ استثمارات جديدة.
وحال تم اتخاذ القرار الوشيك، يتبخر تقرير مؤشر مديري المشتريات الصادر أخيرا عن مؤسسة ستاندرد آند بورز بشأن الأنشطة غير النفطية، والذي أظهر زيادة ملحوظة في حجم المبيعات لأول مرة منذ أغسطس 2021.
وحسب تقرير المؤسسة، ارتفع المؤشر في مصر من 49.6 في مايو الماضي إلى 49.9 في يونيو الماضي، ليظل أقل من علامة 50 التي تفصل النمو عن الانكماش.
وأكد الخبير الاقتصادي علي الإدريسي أن القرارات المرتقبة ستؤثر على القطاع الخاص، وتقوده للانكماش لأنها لن ترتبط بالمحروقات فقط، بل تمتد إلى الأدوية، ما يتسبب في تآكل القدرة الشرائية للمستهلك.
وذكر لـ"العرب" أن الاقتصاد سينكمش مع التحديات الكبرى التي تعترض الشركات الخاصة من ارتفاع الفائدة واللوجستيات التي لا تتناسب مع الحوافز الحكومية.
وطالب أن تخرج الحكومة من تلك الأزمة عبر فرض حوافز وتسهيلات استثمارية، بخفض رسوم التراخيص أو تعزيز التمويلات الميسرة لأجل القدرة على توفير تمويل يجاري العقبات بالأسواق.
ومن المنتظر أن يكون تحريك أسعار المشتقات النفطية محدودا، حتى لا تُقر الحكومة حزمة جديدة من برامج الحماية الاجتماعية، كونها تدخل في حسبة تفاقم عجز الموازنة بالتزامن مع زيادة المصروفات.