هل تقنع حملة "تزوجني بلا مهر" شباب العراق بالزواج

أشارت تقارير لمنظمات المجتمع المدني في العراق إلى تنامي معدلات عزوف الشباب عن الزواج في السنوات الأخيرة بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وتحاول حملة إلكترونية تخفيف تكاليف الزواج والمساعدة عليه.
بغداد - شغلت دعوة عراقية بعنوان “تزوجني بلا مهر” العراقيين، إذ عُدّت الدعوة محاولة لتخفيف تكاليف الزواج والمساعدة عليه، في حين رآها آخرون سلبا لحقوق المرأة في وقت تتصاعد فيه نسب الطلاق في المحاكم.
وفيما رحب العراقيون بالدعوة انتقدها كثيرون. وقال الخبير القانوني محمد جمعة عبر حسابه “اثنان من كل 5 زواجات تنتهي بالطلاق في العراق وفق الإحصائيات، لهذا فإن الزواج من دون مهر هو أغبى ما يمكن أن تقومي به الآن”. وأضاف جمعة “إن أراد الزواج من دون مهر اطلبي منه تفويضا بالطلاق (العصمة) يُثبّت بعقد الزواج وفق القانون”.
وقالت الناشطة شهد “أنا ضد حملة تزوج من دون مهر، توفير عمل وبيئة مناسبة لهذا الشاب أفضل بكثير من الزواج وإنجاب أطفال لا يستطيع توفير حياة مناسبة لهم، سيكون مصيرهم متسولين في الشوارع حالهم حال كثير من الأطفال في العراق”.
وسخرت صاحبة حساب باسم “فاهمة النسوية غلط” من الحملة، مشيرة إلى أن المهر في العراق يتراوح بين ألفي دولار و10 آلاف دولار في أفضل الأحوال عند الأثرياء. أما في المتوسط المتعارف عليه لدى الأغلبية فالمهر بين ألفين إلى أربعة آلاف والشباب العراقي كما قالت مسوي حملة وهاشتاغ تزوجني دون مهر.
واستدركت “تخيل عزيزي القارئ رجل لا يمتلك ألفي دولار يريد يتزوج ويفتح بيت ويخلف له سرب من المتسولين”.
العراق يعاني من تدني فرص العمل وارتفاع البطالة ومعدلات متصاعدة في مستويات الفقر تتجاوز الـ35 في المئة
وقبل أسبوعين استقبل العراقيون خبرا يتحدث عن عقد زواج لشاب على فتاة بمحكمة هبهب في محافظة ديالى، بمهر مقدّمه باقة ورد ومبلغ مالي قدره ألف دينار عراقي بينما كان مؤجله حجة لـ”بيت الله الحرام” في مكة بمزيج من السخرية والترحاب.
وبدأت القصة، وفق ما نشر في صفحات عراقية على مواقع محلية وأخرى للتواصل الاجتماعي، باتفاق الشاب محمد الذي يعمل في الصحافة مع خطيبته بأن يكون مهرها رمزيا لما تشكله الأوضاع الاقتصادية في البلاد من أزمة حقيقية للشباب.
ولأول مرة في البلاد، تكون باقة الورد هي مقدمة لمهر عقد زواج بعد أن كان القرآن يُقدم بديلا لمن لا يتمكنون من توفير تكاليف المقدم والمؤخر في مهر عقد الزواج.
وشاع تقليد “القرآن الكريم” في تسعينات القرن الماضي، خلال سنوات الحصار الدولي والعقوبات الاقتصادية، نتيجة الظروف المعيشية الصعبة وتزايد معدلات الفقر، إذ وصل سعر صرف الدولار الأميركي آنذاك إلى ثلاثة آلاف دينار عراقي.
ويعاني العراق مثل غيره من البلدان العربية من مشكلة المغالاة في المهور حتى تحول حلم الزواج لدى شريحة كبيرة من العراقيين إلى عبء كبير يؤرق الشباب والعائلة. وتتمسك بعض العوائل اليوم بالشروط اللازمة للزواج مثل قيمة المهر العالية والمركز الاجتماعي المهم كتعويض عن سنوات الحصار التي تغاضت فيها الفتيات عن أغلب حقوقهن المادية والمعنوية.
وتكاد تكون المشاكل التي يواجهها الشباب وتدفعهم إلى العزوف عن الزواج في عموم العراق، متشابهة يتقدمها الجانب الاقتصادي بسبب البطالة، لكنها تتزايد حدة في محافظة ديالى شرقي البلاد إذا أضيف إليها العنف وغياب الاستقرار وفقا لما يؤكده باحثون اجتماعيون، محذرين من تداعيات هذه الحالة على بناء المجتمع.
ويعاني العراق من تدني فرص العمل وارتفاع البطالة ومعدلات متصاعدة في مستويات الفقر تتجاوز الـ35 في المئة، وفاقمت هبوط أسعار النفط وظروف الإغلاق العالمية جراء وباء جائحة كورونا من تراجع الاقتصاد العراقي الذي يعاني الفساد وسوء التخطيط.

ودفعت الأوضاع المعيشية الصعبة إلى نزول المواطنين في تظاهرات عديدة طالبوا من خلالها بفرص تعيين وإيجاد حلول ومعالجات لارتفاع نسب البطالة.
وتوضح إحصائيات شبه رسمية صادرة من دوائر مختصة، ارتفاع نسب العزوبة في العراق خلال السنوات الخمس الأخيرة، محذرة من تداعيات ذلك على الأمن والسلم الاجتماعي.
وقال صلاح مهدي مدير مكتب حقوق الإنسان في ديالى “إن انخفاض معدلات الزواج حقيقة نلمسها منذ سنوات”، وأضاف “الأسباب الرئيسية وراء ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج هي الفقر المدقع والبطالة وحالة عدم الاستقرار الأمني الذي أدى إلى ضرر نفسي دفع الكثير إلى تأجيل فكرة الزواج”.
وكشف مرصد الحريات للدفاع عن المرأة ارتفاع عدد حالات الطلاق عام 2019، مقارنة بنظيرتها عام 2017، حيث بلغت 49328 حالة طلاق تقابلها 262007 حالة زواج، إلا أن حالات الطلاق ارتفعت في سنة 2018 حيث بلغت 73569 حالة طلاق تقابلها 245296 حالة زواج في بغداد والمحافظات العراقية باستثناء محافظات إقليم كردستان.
وبيّن مرصد الحريات للدفاع عن المرأة المعنفة أن “70 في المئة من حالات الطلاق كانت بين سن 15 عاما و30 عاما، فيما بلغت 30 في المئة باقي الأعمار”، مشيرا إلى أن “الزواج المبكر ومواقع التواصل الاجتماعي والظروف الاقتصادية في البلاد تعد من أبرز أسباب حالات الطلاق في العراق”.
والإحصائية هي الأعلى تاريخيا في البلاد، وفقا لمصدر قضائي حيث حافظ العراق وللسنوات بين 2007 وحتى نهاية 2016 على نسب الطلاق سنويا بين (44 – 45) ألف حالة، لكن النسبة ازدادت بنحو ملحوظ وبمعدل 50 في المئة لنكون أمام 145 ألف حالة خلال سنتين فقط، فيما رجح ارتفاع معدلات الطلاق في البلاد منذ عام 2004 إلى مليون حالة بحلول 2020 “نظرا لارتفاعها المستمر”.