هل تقطع تفاهمات حفتر وصالح والمنفي الطريق على باتيلي

طرابلس - “المِلكية الليبية لأي عمل سياسي وحوار وطني”، ذلك أهم ما خرج به الاجتماع الثلاثي بين القائد العام للجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في خطوة لقطع الطريق أمام أي مبادرة للمبعوث الأممي عبدالله باتيلي لتشكيل لجنة رفيعة المستوى.
فالاجتماع الثلاثي الذي عقد في مقر قيادة الجيش ببنغازي وخرج ببيان مشترك في 19 أغسطس الجاري، وجه تحذيرا صريحا لباتيلي، ودعاه إلى “عدم اتخاذ أي خطوات منفردة في المسار السياسي”.
ورغم أن باتيلي ربط تشكيل لجنة رفيعة المستوى بعدم اتفاق مجلسي النواب والدولة على قاعدة دستورية وقوانين الانتخابات، إلا أن ذلك يؤشر على أن كلا من صالح وحفتر والمنفي وصلوا إلى قناعة بأن قوانين الانتخابات التي أعدتها لجنة 6+6 البرلمانية المشتركة وصلت إلى طريق مسدود.
فخسارة خالد المشري لرئاسة المجلس الأعلى للدولة (الغرفة الثانية للبرلمان)، أمام محمد تكالة المدعوم من الكتلة المعارضة للتعديل الدستوري الـ13، من شأنها خلط الأوراق بشأن التوافقات السابقة.
كما أن رئيس مجلس النواب لم يوقع على قوانين الانتخابات التي اتفقت عليها لجنة 6+6 المشكلة من مجلسي الدولة والنواب والتي لها طابع إلزامي، ويفترض أن تنشر في الجريدة الرسمية حتى تصبح سارية النفاذ.
خسارة خالد المشري لرئاسة المجلس الأعلى للدولة أمام محمد تكالة المدعوم من الكتلة المعارضة للتعديل الدستوري الـ13 من شأنها خلط الأوراق بشأن التوافقات السابقة
وعرض صالح مشروع قانونَي انتخاب رئيس الدولة والبرلمان على الجلسة العامة لمجلس النواب في 8 أغسطس الماضي، والذي رفض مواد في هذه القوانين، وأحالها مجددا على اللجنة لتعديلها، بالمخالفة للإعلان الدستوري (13) الذي لا يمنح لمجلس النواب صلاحية الرفض، بالنظر إلى الطبيعة الإلزامية لنتائج اللجنة المشتركة.
ولأن لجنة 6+6 رفضت إجراء أي تعديلات، فإن هذا المسار يكاد يصل إلى طريق مسدود.
وهو ما دفع الثلاثي حفتر وصالح والمنفي إلى استباق أي استنتاج أممي بفشل مسار لجنة 6+6، خاصة بعد رحيل أحد عرابيها (المشري)، من خلال التأكيد على ”المِلكية الليبية للحوار السياسي”، و”عدم المشاركة في أي لجان، إلا في الإطار الوطني الداخلي دون غيره”، وبالتالي مقاطعة أي لجنة يشكلها المبعوث الأممي في إشارة إلى أن أي مبادرة أممية مدعومة من مجلس الأمن الدولي بمثابة تدخل أجنبي في الشأن الداخلي الليبي، ما يضمن استمرار تمطيط الوضع كما هو عليه، وفق ما تسميه المستشارة الأممية السابقة الأميركية ستيفاني وليامز “لعبة الكراسي الموسيقية”، أي استمرار نفس المسؤولين في مناصبهم، لكن في كل مرحلة يتم التضحية بأحدهم.
وفي المقابل، تبنى الاجتماع الثلاثي مبادرة المنفي التي دعا فيها إلى اجتماع صالح وتكالة “للتشاور لاستكمال المسار السياسي الوطني، لتحقيق أكبر قدر من التوافقات بهدف إنجاز القوانين الانتخابية”.
ولم يعلن باتيلي بعد عن بدء تشكيل لجنة رفيعة المستوى تشرف على وضع قوانين الانتخابات، مثلما أشار إلى ذلك في إحدى إحاطاته أمام مجلس الأمن، لكنه باشر منذ أسابيع لقاءاته مع شخصيات سياسية وأمنية فاعلة، قال إنها تهدف “إلى التوصل من خلال المفاوضات الشاملة والحلول الوسط، إلى تسوية نهائية بشأن أكثر القضايا إثارة للخلاف”.
إعلان محافظ مصرف ليبيا المركزي توحيد البنك يمثل مؤشرا على التقدم الذي تحقق بشأن تقاسم الثورة بين الشرق والغرب
وحذر من “مبادرات أحادية الجانب”، واعتبر أن مستقبل ليبيا يجب ألا يتوقف على مجلسي النواب والدولة، في إشارة إلى رغبته في توسيع دائرة التشاور، ما يثير حفيظة البرلمان.
ورغم دعمه لمسار لجنة 6+6، إلا أنه لم يخف قناعته بأن قوانين الانتخابات التي توافقت عليها اللجنة غير قابلة للتطبيق، إذا لم يتم تعديلها.
ومن بين النقاط التي يتحفظ عليها باتيلي في مشاريع قوانين الانتخابات التي توصلت إليها اللجنة، اشتراط إجراء جولة ثانية إلزامية للانتخابات الرئاسية، ومطلب تشكيل حكومة مؤقتة جديدة قبل موعد الانتخابات.
وكان باتيلي محقا فيهما، إذ أن مجلس النواب اعترض على اشتراط إجراء جولة ثانية إلزامية للانتخابات الرئاسية حتى ولو حصل الفائز في الجولة الأولى على 90 في المئة من الأصوات.
كما أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة يرفض تشكيل حكومة جديدة، ويشدد على أنه لن يسلم السلطة إلا لحكومة معينة من برلمان منتخب، وبدون تنازله لا يمكن إجراء الانتخابات، خاصة في ظل وجود كتائب أمنية تدعمه، فضلا عن العشرات من الأعضاء في مجلس الدولة.
ومع رفض لجنة 6+6 مطالب باتيلي بتعديل المواد غير القابلة للتطبيق، يكون الأخير استنفد صبره، لكنه ومع ذلك لا يملك الدعم الكافي لتشكيل لجنة رفيعة المستوى لإعداد قوانين الانتخابات، خاصة بعد اتفاق الثلاثي صالح وحفتر والمنفي على مقاطعة أي لجنة يشكلها.
باتيلي لم يعلن بعد عن بدء تشكيل لجنة رفيعة المستوى تشرف على وضع قوانين الانتخابات
ويمثل إعلان محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير توحيد البنك الذي ظل منقسما منذ 2014 بسبب الحرب الأهلية مؤشرا على التقدم الذي تحقق بشأن تقاسم الثورة بين الشرق والغرب.
فرغم توحيد الحكومة في مارس 2021، وأيضا مجلس النواب، إلا أن مشاورات توحيد المصرف المركزي في طرابلس مع نظيره الموازي في مدينة بنغازي (شرق) تأجل مرارا بسبب تعقيدات فنية، ناهيك عن الظروف السياسية الضاغطة.
ففي ديسمبر 2021، وقبل أيام من موعد الانتخابات التي ألغيت، أعلن الكبير أن توحيد المصرف المركزي يتطلب 6 أشهر، لكن الأمر استغرق أكثر من ذلك، حتى بعد إقالة مجلس النواب لمحافظ البنك الموازي علي الحبري في نوفمبر 2022.
ويأتي توحيد المصرف المركزي عقب أقل من أسبوعين من الاجتماع الثالث ”للجنة الترتيبات المالية ومتابعة الإنفاق العام” في بنغازي تحت رئاسة المنفي.
وشكلت هذه اللجنة بهدف التوزيع العادل للثروة بين الأقاليم الليبية، وإضفاء أكثر شفافية على عملية الإنفاق العام، خاصة بعد ضغوطات أنصار حفتر بغلق الحقول والموانئ النفطية.
ولا يمكن فصل الإعلان عن توحيد المصرف المركزي بعد يوم واحد فقط من التفاهمات السياسية التي توصل إليها المنفي مع كل من حفتر وصالح، والتي من غير المستبعد أن تشمل جوانب مالية متعلقة بتوزيع الثروة.
فلا شك أن توحيد المصرف المركزي يقدم للمجتمع الدولي صورة إيجابية على قدرة الليبيين على التفاهم والتوحد، ولكن ذلك لا يكفي لإقناع البعثة الأممية ومجلس الأمن الدولي بإمكانية التوافق على قوانين قابلة للتنفيذ، في ظل التناقضات السياسية والتوترات الأمنية، آخرها بطرابلس.