هل تقدر مدونة السلوك على تجاوز تركة الفساد في سوناطراك الجزائرية

الجزائر - أطلقت إدارة المجمع النفطي الحكومي في الجزائر مدونة سلوك للوقاية من الفساد ومحاربة الرشوة، على أمل تحسين الصورة المشوهة التي ارتبطت بأكبر مورد للبلاد من العملة الصعبة، وتجاوز تركة ثقيلة من الفساد وسوء التسيير، اللذين أضحيا مع الوقت ثقافة متأصلة داخل المؤسسة.
ويأتي الإعلان عن المدونة في وقت لا يزال القضاء يحقق في عدد من الملفات التي تورط فيها مسؤولون كبار في المجمع الحكومي، على غرار المدير السابق عبدالمؤمن ولد قدور، والوزير الهارب شكيب خليل.
ووقع الرئيس المدير العام للمؤسسة توفيق حكار مدونة قواعد السلوك وفقا للمعيار الدولي إيزو 37001، المتعلق بمنظومة إدارة مكافحة الفساد والرشوة.
وتتضمن المدونة مبادئ والتزامات تكرس آليات للرقابة والوقاية من الرشوة والفساد، وتعزز ثقافة الأخلاقيات بمختلف معاملات وأنشطة سوناطراك، وذلك تفاديا لتكرار أكبر مسلسل فساد في الشركة، بدأت تفاصيله تطفو على السطح بداية من العام 2007، وارتبطت بصراعات سياسية بين الأجنحة النافذة داخل السلطة.
وحسب موقع “الطاقة” الأميركي المتخصص، فإن المدونة تنص على “قواعد السلوك لمكافحة الفساد والرشوة وعلى إرشادات عديدة، وتحدد المبادئ والمعايير الأساسية للامتثال لأحكام وقوانين مكافحة الفساد والرشوة، التي تطبّقها الشركة على جميع موظفيها وشركائها ومورديها على حد سواء”.
اعتماد النظام الجديد من قبل سوناطراك من شأنه إضفاء الشفافية في المعاملات واتخاذ القرارات المناسبة والإدارة الفاعلة للمشاريع الاستثمارية
ويعتبر مجمع سوناطراك، الذي يحتل الترتيب الثامن في سلم الشركات النفطية العالمية، أهم ركيزة للاقتصاد الجزائري، والمحتكر الأول لقطاع الطاقة في البلاد، لكن شبهات الفساد وسوء التسيير تحوم حوله، لاسيما في مجال التوظيف والصفقات والتموين والنقل.
ويضيف الموقع أن “إدارة سوناطراك تسعى من خلال تبنيها سياسة ومدونة قواعد السلوك لمكافحة الفساد والرشوة، التي تعد الأولى من نوعها في الجزائر، إلى تعزيز ثقافة أخلاقيات المعاملات داخل الشركة، وترسيخ مبدأ الشفافية والحوكمة الرشيدة، وفقا للمعايير والمقاييس الوطنية والدولية المعمول بها في مجال مكافحة الفساد والرشوة”.
وتصنف الجزائر ضمن الدول التي يستشري فيها الفساد بكثرة خاصة خلال العقدين الماضيين، اللذين ارتبطا بإدارة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، حيث لا يزال القضاء المحلي يعالج العديد من الملفات التي تورط فيها مسؤولون كبار في الدولة بقطاعات حساسة، على غرار المياه والطاقة والبنى التحتية.
وتحاول شركة سوناطراك بهذه الخطوة، كسب ثقة شركائها والفاعلين في قطاع النفط، خاصة وأنها أبرمت اتفاقيات مهمة مع إيطاليا، وتأمل في أن تتحول إلى ممون رئيسي للأسواق الأوروبية انطلاقا من روما، لاسيما في ظل تصاعد الطلب على الغاز بسبب الأزمة الأوكرانية.
وأكد وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب “حرص المجمع بصفته مؤسسة وطنية ذات مكانة دولية على وضع نظام فاعل ومتكامل، يضمن الامتثال لأفضل المعايير العالمية، من خلال الالتزام بأفضل الممارسات العالمية في ميدان النزاهة والشفافية لملاءمة منظومة إدارتها بأساليب الإدارة الحديثة”، كما التزم بالعمل على وضع وتطوير جميع الوسائل البشرية والمادية لضمان التطبيق الصارم للنظام المتعلق بمكافحة الفساد.
وأشار المتحدث إلى “مجهودات سوناطراك في هذا الإطار، ومنها تكوين كوادرها، مع مختصين بالمعهد الجزائري للتقييس بآليات نظام ‘إيزو 37001’ لإدارة مكافحة الفساد والرشوة، إذ سيعمل الفريق المستفيد من هذا التكوين المتخصص على إنجاح مهمة وضع وتنفيذ هذا النظام الذي يعتمد على آليات الرقابة والتسيير الشفاف”.
ولفت إلى أن اعتماد النظام الجديد من قبل سوناطراك من شأنه إضفاء الشفافية في المعاملات واتخاذ القرارات المناسبة والإدارة الفاعلة للمشاريع الاستثمارية، وذلك لتعزيز مصداقية مجمع سوناطراك أكثر في السوق العالمية.
وذكر بأن “المشرع الجزائري أعطى أهمية كبيرة لمكافحة الفساد في مختلف سياساته، واستحدث عدّة هيئات متخصصة في هذا المجال، كما فعل دور الكثير من أجهزة الرقابة لمحاصرة هذه الظاهرة ومقاومتها، وتعزيز الثقة في مؤسسات الدولة والمساعدة على استعمال الموارد العمومية بفاعلية وشفافية أكثر، وذلك من خلال توفير تدابير الحكم الراشد من بين الهيئات التي أوكلت لها مهمة الوقاية ومحاربة الفساد السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته”.
ويتابع مختصون بحذر جدوى المدونة المذكورة في إضفاء الشفافية والحوكمة داخل الشركة، بسبب الفساد الذي استشرى في المجمع خلال العقدين الماضيين، وأخذ أبعادا عابرة للحدود، حيث لا يزال الوزير السابق للقطاع شكيب خليل فارا لدى الولايات المتحدة، وقد صدرت في حقه أحكام غيابية، كما تم القبض على المدير السابق بعد استلامه من دولة الإمارات العربية المتحدة.
وكان القضاء الإيطالي أول من فجر ملفات الفساد داخل الشركة منذ العام 2007، لما عالج ملفات رشى وعمولات بين مسؤولين في شركة “سايبام” وشركة سوناطراك، وإبرام صفقات غير شرعية، ليحذو بعده القضاء الجزائري نفس الحذو، فيما عرف بملفي “سوناطراك 1” و“سوناطراك 2”، و“مصفاة أوغوستا”.
ويلاحق المدير السابق ولد قدور بتهم “التنازل عن حقول في مشاريع نفطية بصحراء الجزائر لشركات أجنبية، من بينها شركة ريبسول الإسبانية وتوتال الفرنسية، وإبرام صفقات مخالفة للتشريع، واختلاس وتبديد أموال عامة، وشراء مصفاة أوغوستا الإيطالية”.
وألحق الوزير نسيم ضيافات، الذي كان يدير حقيبة المؤسسات المصغرة، بلائحة الوزراء والمسؤولين الكبار المتواجدين في السجن، بسبب ممارسات الفساد وسوء تسيير المال العام، وعلى رأسهم ثلاثة رؤساء حكومات ووزراء ومدراء عامون، كالمدير السابق لشركة سوناطراك عبدالمؤمن ولد قدور.