هل تغير الحرب الأوكرانية موازين القوى في سوريا

دمشق – مع تصاعد وتيرة الحرب الروسية في أوكرانيا وانشغال موسكو في هذه الحرب يجد البعض في ذلك فرصة لتغيير موازين القوى في سوريا، لاسيما وأن واشنطن، على ما يبدو، تسعى لتسليط المزيد من الاهتمام على الملف السوري خاصة مع الإعلان قبل أيام أن شهر مارس سيكون شهر محاسبة لحكومة دمشق.
وزاد الحديث مؤخرا حول توجه الولايات المتحدة والدول الأوروبية للضغط على روسيا من خلال إعادة تفعيل الملف السوري، لاسيما بعد استضافة واشنطن مؤخرا لاجتماع موسع ضم ممثلين عن عدد من الدول العربية والغربية لبحث الملف السوري.
وبحسب ما نقلت وسائل إعلام فقد أكد المجتمعون التزامهم بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، ورحبوا بالإحاطة التي قدمها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، بما في ذلك مبادرة “خطوة بخطوة”، وهي المبادرة التي جدد معارضون سوريون رفضهم لها.
ويرى الباحث السياسي صدام الجاسر أن واشنطن تسعى لتفعيل الملف السوري للضغط على روسيا، لاسيما بالنظر إلى التحركات التي قامت بها خلال الفترة الأخيرة في ما يتعلق بالشأن السوري.
جان أجون: غزو روسيا لأوكرانيا سيؤثر كثيرا على سوريا
ويتفق الجاسر مع الرأي الذي يقول إن الحرب على أوكرانيا هي فرصة ذهبية لتغيير موازين القوى في سوريا، وحول ذلك يضيف أن “روسيا حاليا منشغلة في أوكرانيا بشكل كبير جدا، ولكن المعارضة السورية والفصائل المسلحة لم يعد قرارها بيدها، هذه الفرصة لتركيا وللولايات المتحدة التي تمسك بخيوط المعارضة”.
وحول إمكانية تحرك عسكري جديد من قبل فصائل المعارضة في سوريا، يوضح الجاسر أن “الفصائل تخضع لتوازنات بين الدول، ولا أعتقد حاليا أنه سيكون هناك أي عمل عسكري من قبل الفصائل واستغلال هذه الفرصة، إن لم تكن هناك خلافات حقيقية بين هذه الدول وبين روسيا (…) بالنسبة إلى الخطوات العملية فالمعارضة المسلحة على الأرض تستطيع القيام بخطوات إن سمحت لها الدول الداعمة لها، والمعارضة السياسية ليس لها أي فاعلية”.
ويقول جان أجون الباحث في السياسة الخارجية بمركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (سيتا) إن روسيا نقلت جزءا كبيرا من إمكاناتها العسكرية من سوريا إلى أوكرانيا، إذ سحبت الكثير من معداتها العسكرية الحديثة وطياريها المتمرّسين وقواتها الخاصة بالإضافة إلى مجموعات من مرتزقة فاغنر، مشيراً إلى أنه في حال نقل العناصر التابعة لنظام الأسد والميليشيات الشيعية من سوريا إلى أوكرانيا فإن التوازنات العسكرية فيها ستتغير بشكل كبير.
وأفاد أن وقف عبور السفن الحربية الروسية من المضائق التركية وفق اتفاقية مونترو سيحد من قدرة روسيا على القيام بالإمدادات العسكرية لقواتها في سوريا.
وتابع “أرى أن غزو روسيا لأوكرانيا سيؤثر كثيرا على سوريا، وسيغير موازين القوى في البلاد”.
ولفت أجون إلى أن استعداء روسيا للغرب وخاصة للولايات المتحدة وتعرضها لعقوبات عسكرية وسياسية واقتصادية بسبب الحرب في أوكرانيا سيضعف قوتها في سوريا.
وأشار إلى أن واشنطن ستصبح أكثر تعنّتا وقسوة مع روسيا وحليفها نظام الأسد، وأن بوادر ذلك بدأت تظهر بالفعل.
وأردف أن محاولات نظام الأسد لاستعادة الشرعية في المجتمع الدولي بدعم من روسيا وإيران أصبحت وهما لا يمكن تحقيقه، مشيرا إلى أن نظام الأسد يعد من أكبر الخاسرين بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.
أويتون أورهان: روسيا لن تتخلى تماما عن سوريا رغم غزو أوكرانيا
وتابع “هذا الموقف المتوازن الذي تتخذه إسرائيل يتيح لها مواصلة عملياتها الجوية في سوريا دون أن تتدخل روسيا”.
وسيطرة روسيا المطلقة على سوريا، بما في ذلك خلافاتها مع إيران في سوريا وسماحها للجيش الإسرائيلي بشنّ ضربات على القواعد والميليشيات الإيرانية، ستكون موضع شكوك عميقة في ظلّ مؤشرات أوّلية على أنّ روسيا لن تحقق نجاحات “بالمفهوم التقليدي” في الحروب، كما أنّ من شأن العقوبات الاقتصادية والمالية على موسكو تخفيض حجم الدعم المالي والعسكري الروسي للحكومة السورية، وهو ما يعني فتح آفاق جديدة أمام المعارضة السورية وفصائلها المسلحة، إذ تُشكّل الصواريخ والطيران الحربي الروسي أبرز معيقات تقدّم المعارضة منذ دخول روسيا عسكرياً عام 2015 في سوريا، لاسيّما أنها تُعدّ إحدى أبرز الساحات التي ستشهد تصعيدا من قبل الولايات المتحدة وحلف الناتو ضدّ روسيا، رغم أنّها لن تصل في دعمها للمعارضة إلى مستويات الدعم الذي يتمّ تقديمه للجيش والمقاومة الأوكرانيين.
ويقول أويتون أورهان، منسق دراسات المشرق بالمركز التركي للأبحاث الاستراتيجية في شؤون الشرق الأوسط (أورسام)، إن روسيا نقلت اهتمامها وقسما كبيرا من مواردها إلى أوكرانيا، وأن هناك ادعاءات تشير إلى قيامها بنقل بعض جنودها من سوريا إلى أوكرانيا، ولذلك فإن احتلالها للأخيرة سيقلل من اهتمامها بسوريا.
ونفى أورهان صحة الادعاءات التي تقول إن روسيا ستتخلى تماماً عن سوريا وستترك الميدان لإيران.
وذكر أن إسرائيل بالرغم من كونها حليفة للولايات المتحدة فقد اتخذت موقفا محايدا نسبيا حيال الحرب الروسية – الأوكرانية بسبب احتياجها إلى روسيا في منطقة الشرق الأوسط، حتى أنها حاولت لعب دور الوسيط بين موسكو وكييف.
ومنذ عام 2015 وحتى الآن ثبّتت روسيا في سوريا موطئ قدم كبير، وبينما جعلت من نفسها طرفا أساسيا في أي مسار سياسي يؤدي إلى الحل، انتشرت عسكريا في مناطق متفرقة أبرزها قاعدة حميميم ومرفأ طرطوس، كما هيمنت على قطاعات اقتصادية رئيسية بموجب عقود طويلة الأمد.