هل تغادر المنصات الإلكترونية العمانية المساحة الآمنة لتحظى بثقة الجمهور

المحتوى هو التحدي الأكبر أمام سلطنة عمان لتقييم إعلامها.
الثلاثاء 2022/10/18
المنصات الإلكترونية سلاح إعلامي ليس ككل الأسلحة

تولي سلطنة عمان اهتماما متزايدا بالمنصات الإلكترونية، إذ أدركت أن هذه المنظومة ركيزة إعلامية مهمة. ويبدو أن السلطنة تعيد تقييم إعلامها انطلاقا من المنصات الإلكترونية، ولكن يبقى التحدي القائم أمامها هو المحتوى ومستواه.

مسقط - تشكّل المنصّات الإلكترونية مرحلة ذات أهمية بالغة للإعلام في سلطنة عمان لما توفره من تعدّدية في المحتوى والمصادر سواء كانت مرئية أو سمعية، حيث أدركت السلطنة أن هذه المنظومة  تتسارع يومًا بعد يوم فوضعت لها أسسًا وأهدافًا متوافقة مع “رؤية عُمان 2040”.

ويؤكد الاهتمام المتزايد بالمنصات الإلكترونية أن سلطنة عمان تعيد تقييم إعلامها، وتبدأ من المنصات الإلكترونية، ولكن يبقى التحدي هو محتوى هذه المنصات ومستواه.

وأطلقت عمان في العام الماضي منصة “عين” كأول نافذة رقمية من نوعها في سلطنة عُمان لتقديم محتوى عُماني رصين. واستثمرت المنصة في مشروعات واهتمامات الشباب العُماني من خلال دعم صُنّاع المحتوى العُمانيين، عبر استضافة محتواهم الإلكتروني لتعميق الروابط بين وزارة الإعلام والجمهور من خلال الوصول إلى فئات عمرية مختلفة.

وقد بلغ عدد مرات الاستماع والمشاهدات في المنصة منذ تدشينها أكثر من 9 ملايين مشاهدة، وبلغ عدد مرات تنزيل التطبيق في مختلف الأجهزة الذكية أكثر من 90 ألفًا، بينما بلغ عدد المواد المرفوعة أكثر من 40 ألف مادة سمعية ومرئية.

9

ملايين مشاهدة، عدد مرات الاستماع والمشاهدات في المنصة وبلغ عدد مرات تنزيل التطبيق في مختلف الأجهزة الذكية أكثر من 90 ألفًا

وتبدو المنصة لافتة بصريا إذ تحتوي على عناصر جذابة للمتلقي، لكن المحتوى الذي تبثه يعتمد بشكل أساسي على نتاجات وسائل الإعلام العمانية الرسمية بمختلف قنواتها، إضافة إلى مدونة مرئية تقنية متخصصة تستعرض جديد التكنولوجيا، وتُقدّم شروحات لبعض المواقع الإلكترونية، وما يتعلق بالهواتف الذكية، وزاوية إعلامية نفذت بتقنية الواقع الافتراضي للترويج للمواقع المتنوعة في السلطنة والطبخ.

ولم تقدم اختلافا جوهريا عما تنشره المنابر الإعلامية الرسمية في السلطنة إذ غلب على مفهومها للتحول الرقمي الاهتمام بالصورة دون المحتوى، والبقاء في المساحة الآمنة.

ويرى المهندس ماجد بن عبدالله الصلتي رئيس اللجنة العُمانية للألعاب والرياضات الإلكترونية أن هناك الكثير من التحديات التي تواجهها هذه المنصات منها الضعف في التسويق والترويج لها وقلة الموارد والدعم وعدم وجود رعايات أو خطط منهجية أو إستراتيجيات لها على المنظور البعيد. فنجد بعض المنصات تفتقر إلى خطة للتوسع أو أهداف تسعى إلى تحقيقها والخروج عن الإطار الفئوي أو المحلي، وأن بعض المنصات تعاني من عدم التنوع في الخدمات أو العرض أو الطرح أو الاجتهاد في فعاليات ومناسبات معينة.

ويتطلب التحول الرقمي تطويرا في السرد القصصي والأفكار والمحتوى المقدم، وليس فقط إعادة إنتاج المحتوى بمظهر جذاب وتقنية حديثة. وتعددت تجارب وسائل الإعلام التقليدية لمسايرة تطورات الإعلام الرقمي في السنوات الماضية، ووظفت مواقع إلكترونية ومؤسسات صحافية الإمكانيات التقنية التي تمتلكها لإنتاج مواد متنوعة عبر منصات مختلفة، غير أنها اصطدمت بأزمة ضعف المحتوى وعدم قدرته على مسايرة الحرية المتاحة في الفضاء الإلكتروني، وظلت أسيرة لتوجهات فوقية مهيمنة على سياستها التحريرية.

ونقلت وكالة الأنباء العمانية عن فاضل محسن أستاذ الإعلام والاتصال في كلية البيان قوله إن “المنصات الإعلامية أصبحت ذات تأثير كبير على المجتمعات، وبالتالي فإن الدور الذي يقع عليها من خلال الرسائل الاتصالية التي يتم بثها للجمهور له تأثير على الأفراد والمجتمعات”.

ويتطلع العمانيون إلى واقع إعلامي أكثر جرأة ومساحة للتعبير عن المجتمع وقضاياه، وانتشرت الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي للجهات المسؤولة عن الإعلام في السلطنة إلى الأخذ بآراء المواطنين وتطبيقها على أرض الواقع.

منصة عين لافتة بصريا إذ تحتوي على عناصر جذابة، لكنها لا تقدم اختلافا جوهريا عما يقدمه الإعلام التقليدي
منصة عين لافتة بصريا إذ تحتوي على عناصر جذابة، لكنها لا تقدم اختلافا جوهريا عما يقدمه الإعلام التقليدي

من جهتها قالت روان جيوسي مديرة حاضنة مدرج للإعلام الرقمي بالأردن إن المنصات تعد أداة لقياس اهتمامات الجمهور وتفاعله مع المحتوى بالإضافة إلى كونها تمثل تغذية راجعة للكثير من القضايا، مشيرة إلى أهمية توسيع المساحات في احتواء القضايا المجتمعية وتعزيز دور الشباب في هذه المنصات لما له من أثر إيجابي على الفرد والمجتمع بشكل عام.

ورغم ذلك لا تزال النظرة إلى الإعلام التقليدي تنعكس على الإعلام الرقمي ما يجعل الكثير من المضامين متشابهة، وهو ما جعل المنصات الإلكترونية  تواجه صعوبات على مستوى وصولها إلى الجمهور الذي تستهدفه، بالرغم من أنها قد تكون أنتجت بالفعل مواد تقترب من خصائص رواد منصات التواصل والشبكات الإلكترونية عموما.

وتأثرت علاقة الجمهور العماني سلبا بصحافة بلاده مع غياب المعلومات التي يبحث عنها ويحتاجها، لذلك لم تعد المصدر الأول في استقاء المعلومات، ولجأ إلى الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي الأمر الذي يعرضه إلى كمّ هائل من المعلومات الخاطئة، ومنها ما هو موجه إلى أغراض محددة. ولم يعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي خافيا لتشكيل الرأي العام والتأثير فيه.

وتعالت الأصوات المنتقدة لأداء الإعلام العماني، إلى درجة أن البعض اعتبر أن الإعلام يتحمل جزءا من غضب واحتقان الناس في بعض القضايا التي تشغل الرأي العام، حيث ينتظرون الإجابة عن استفساراتهم أو إثارتها أمام المسؤولين، فيما يتجاهلها الإعلام ويصمت عنها.

العمانيون يتطلعون إلى واقع إعلامي أكثر جرأة ومساحة للتعبير عن المجتمع وقضاياه

ويقول معلقون إن التعتيم على الأخبار لم يعد مجديا في العصر الحالي، بل على العكس يفتح الباب واسعا للأخبار المضللة والشائعات وتكريس الفوضى في غياب المعلومة الموثوقة في الإعلام المحلي الغائب عن الشارع العماني.

وفي السياق نفسه أشار صالح بن عبدالله البلوشي رئيس تحرير صحيفة “شؤون عُمانية” إلى التحديات في هذا المجال ومنها الجانب المادي والتمويلي، نظرًا إلى وجود منصات أخرى تقدم محتوى لا يحترم المكونات الثقافية وتتمتع بتمويل كبير وضخم يجعلها قادرة على الانطلاق بسرعة أكبر.. داعيًا الجميع إلى دعم المنصات الإلكترونية ذات الرسالة الهادفة حتى لا ينجرف أفراد المجتمع خلف المنصات الأخرى وتتغير ثقافات المجتمعات المحافظة.

وفي سياق آخر، أشار المذيع الكويتي عبدالرحمن الدين شريك مؤسس لمؤسسة “كويت فيلم” إلى التحديات الرئيسية التي تواجه المنصات الإلكترونية ويتمثل أبرزها في عدم انتشار ثقافة “الاشتراك المدفوع” لدى المشاهد العربي بشكل عام، خصوصا وأنه اعتاد طوال سنوات على “الوجبات الإعلامية المجانية” في هيئة قرصنة للمحتوى الإعلامي مما يضر بحقوق الملكية الفكرية للأعمال ويكبد هذه المنصات خسائر مادية فادحة، إضافة إلى المنافسة مع المنصات العالمية التي اقتحمت بيوتنا بمحتوياتها المغرية ولكنها تتسم بالاختلاف الفكري البعيد كل البعد عن ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا.

وتسير غالبية التجارب الإعلامية التي توسعت في إنتاج محتويات رقمية متباينة بقوة دفع اقتصادية عبر التمويلات التي تحصل عليها أو ما تحققه منصاتها من أرباح إعلانية، لكنها لا تحقق النجاح المرجو دائما.

16