هل تعيد صحافة الجودة ثقة الجمهور التونسي بالإعلام

نقابة الصحافيين تطلق مشروع "المؤسسات الصحفية الناشئة" مراهنة على صحافة الجودة.
الاثنين 2024/09/09
تحديات حقيقية

تسيطر على وسائل الإعلام التونسي الخاصة حالة من الاستقطاب السياسي الحاد جعلتها تفقد القدرة على إقناع الجمهور التونسي حتى في الجانب الترفيهي ما جعل أغلبية هذه الوسائل مهددة بالإغلاق، فأطلقت نقابة الصحافيين مشروعا يعتمد على صحافة الجودة لدعم أبناء المهنة من أجل إنشاء مؤسساتهم الإعلامية الخاصة.

تونس - حذر نقيب الصحافيين التونسيين زياد الدبار من أن 80 في المئة من المؤسسات الإعلامية الخاصة مهددة بالغلق جراء الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها، مبينا أن صحافة الجودة تمثل تحديا حقيقيا لضمان استقرار قطاع بات مهددا في وجوده.

وتراهن الهياكل الإعلامية في تونس على صحافة الجودة لإعادة الاعتبار للإعلام الذي فقد نسبة كبيرة من ثقة الجمهور لضعف المحتوى بشكل عام وحالة الاستقطاب السياسي الذي يعيشه.

وتتباين وجهات النظر حول أزمة الإعلام التونسي، ففي الوقت الذي تقول فيه نقابة الصحافيين إن الأزمة سياسية وتوجه أصابع الاتهام للسلطة في كل مناسبة، فإن قطاع الإعلام في تونس، بحسب الدبار، “يعيش اليوم تحديات حقيقية تتمثل بالخصوص في التراجع عن جملة من المكتسبات في ظل تواصل غياب سياسة عمومية للإعلام ومحاولات ضرب القطاع عبر تطبيق تشريعات ماسة من حرية الصحافة والإعلام والنشر، وسجن الصحافيين وملاحقتهم قضائيا بهدف تهديدهم وترهيبهم”.

غير أن هناك وجهة نظر أخرى بأن وسائل الإعلام التي حملت خطا معارضا ارتمت في أحضان الأجندات، وشرعت بلعب دور أخطر من الذي كانت تلعبه زمن الدكتاتورية، وذلك بخلط الأوراق في الكثير من الملفات، ويؤكد المتابعون أن الحرية الإعلامية في تونس لم تنتج في الحقيقة تجارب رائدة تعكس الأفق الذي حاولت الثورة التوجّه نحوه.

80

في المئة من المؤسسات الإعلامية الخاصة مهددة بالإغلاق جراء ظروف اقتصادية صعبة

وكانت هناك تجارب قليلة لما يمكن وصفه بالإعلام المعارض، دارت في فلك أحزاب وشخصيات معارضة وعكست مصالح ورؤى هذه الأحزاب أكثر من الصالح العام وتسليط الضوء على المرحلة الحساسة التي تعيشها البلاد وبالتالي لم تعكس نبض الشارع ولا هموم المواطن التونسي.

وغلب على وسائل الإعلام الخاصة عموما التركيز على الجانب الترفيهي كوسيلة أكثر سهولة لاستقطاب الجمهور الذي مل الاستقطاب السياسي، كوسيلة أكثر نجاعة في جذب المعلنين وتأمين النفقات، لكن يبدو أن هذا التناول فشل في ضمان الاستمرارية وباتت غالبيتها مهددة بالإغلاق.

وأعلن الدبار على هامش لقاء نظمته النقابة السبت بالشراكة مع الاتحاد الدولي للصحافيين و”جمعية صحافة ومواطنة” و”صحافيون بلا حدود”، بعنوان “أي مستقبل لصحافة الجودة في تونس”، عن مشروع جديد لدعم الصحافيين من أجل إنشاء مؤسساتهم الإعلامية الخاصة.

وأضاف في تصريحات لوسائل إعلام محلية “سنخسر محامل إعلامية ومواطن شغل وستفتح الباب لانتشار المعلومات المغلوطة والإشاعات خاصة في هذه الفترة الانتخابية”، داعيا عموم الصحافيين إلى تقديم مطالبهم للنقابة التي ستوفر الدعم المادي والمتابعة من أجل بعث مؤسساتهم الخاصة. واعتبر أن غياب مؤسسات التعديل والتعديل الذاتي فتح المجال أمام القضاء وباقي المؤسسات على غرار هيئة الانتخابات لمقاضاة الصحافيين ومحاكمتهم على خلفية أرائهم ومواقفهم.

وأفاد بأن نقابة الصحافيين ستطلق في الأيام القليلة القادمة مشروع “المؤسسات الصحفية الناشئة” لإنتاج وبث مضامين إعلامية على المحامل الرقمية الجديدة واستغلال التطور التكنولوجي بما يوفره من فرص واسعة للوصول إلى الرأي العام والقارئ والمشاهد.

وتنظر النقابة بتفاؤل إلى هذا المشروع الإعلامي الذي يحتاج إلى تمويل وتأمين معدات وكوادر مهنية للارتقاء بالمحتوى الصحافي الذي تطمح إليه، فقال الدبار إن في ظل التهديدات باندثار قطاع برمته، فإن المؤسسات الصحفية الناشئة قد تمثل نواة لتأسيس صحافة ذات جودة بعيدا عن ضغوط قاعات الأخبار والرقابة على المحتويات الإعلامية، مشيرا إلى أن نقابة الصحفيين ستتولى توفير التكوين الضروري للراغبين فيه وبعض التمويلات للانطلاق.

وتابع “قد يساهم المشروع في النهوض بأوضاع القطاع، فضلا عن توفير مواطن شغل في ظل الوضع الاقتصادي الصعب لجل المؤسسات الإعلامية اليوم”، مذكرا في هذا السياق بأن عدد المؤسسات الإعلامية تراجع منذ سنة 2019 مما يزيد عن 150 مؤسسة إلى أقل من 40 مؤسسة اليوم، وغالبيتها مهددة بالغلق جراء الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها.

وشدد المتدخلون في أشغال اللقاء على أن إرساء صحافة الجودة يتطلب اليوم أكثر من أي وقت مضى تضافر المزيد من الجهود ونضالات أبناء القطاع وكافة المناصرين لحرية الصحافة والإعلام من أجل قيامهم بمهامهم في إيصال المعلومة إلى المواطن ضمن أطر أخلاقيات المهنة والقوانين المنظمة لها. وأكدوا أن صحافة الجودة في تونس تتطلب العديد من الضمانات التي تتمثل في تشريعات ملائمة وممارسات مهنية جيدة ومؤسسات ضامنة لجودة المنتوج الصحافي.

pp

وسبق أن أطلقت “مراسلون بلا حدود” مطلع العام الحالي، برنامجا مخصصا لوسائل الإعلام والصحافيين في تونس بعنوان “ناس تونس” بالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع المدني التونسية، وبدعم من الاتحاد الأوروبي. ويمتد مشروع “ناس تونس” ثلاث سنوات، وهو يهدف إلى دعم الاستقلال المالي والتحريري لوسائل الإعلام، والارتقاء بمهارات الصحافيين وتعزيز التعددية الإعلامية في البلاد، وذلك من خلال تقديم منح دراسية ودورات تدريبية شخصية لفائدة الفاعلين الإعلاميين.

ويلعب مشروع “ناس تونس” دور ضامن الاستقلالية، وهو الذي يقوم على نهج متكامل من خلال الالتزام بترسيخ المكاسب الديمقراطية المحقَّقة والنهوض بالقدرات الفردية والمؤسسية لمنظمات المجتمع المدني، وتعزيز المساواة بين الجنسين.

وأكد محمد الطيب الشمنغي، رئيس الاتحاد التونسي للإعلام الجمعياتي، أن “ناس تونس” مشروع “بالغ الأهمية للمشهد الإعلامي في تونس، خاصة بالنسبة للمؤسسات الإعلامية الجمعياتية التي تمثل وسائل الإعلام المحلية والقريبة من المواطنين، ولاسيما في المناطق الداخلية، لأن الوضع الذي تعيشه الإذاعات الجمعياتية يستحق الدعم والمساندة والتأطير”. ويمثل إطلاق مشروع “ناس تونس” خطوة نوعية في الجهود التي تبذلها “مراسلون بلا حدود” في سبيل دعم الصحافة المستقلة وتعزيز المعايير الأخلاقية في المشهد الإعلامي.

وقالت المنظمة في بيان إن في ظل تدهور ظروف ممارسة مهنة الصحافة في تونس، وبالنظر إلى الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها وسائل الإعلام، وميول الجيل الحالي من الشباب لاستهلاك المحتوى الإعلامي السمعي البصري، تطلق “مراسلون بلا حدود” وشركاؤها – جمعية تكلم من أجل حرية التعبير والإبداع والمعهد الدولي للعمل اللاعنفي – سلسلة من ورش العمل والدورات التدريبية والمنح بهدف تعزيز إعلام شامل وتعددي.

وأطلقت في شهر فبراير دعوات إلى تقديم عروض مشاريع لفائدة وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني التونسية التي يتركز عملها أساسا على قضايا الساعة المتعلقة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية، حيث توضع رهن إشارة هذه المؤسسات الإعلامية والمجتمعية آليات للمساعدة في إنتاج ونشر محتوى صحفي مبتكر وجذاب.

كما خصصت دعما فنيا وماليا لوسائل الإعلام الراغبة في الحصول على شهادة مبادرة الصحافة الموثوقة، وهي آلية تقوم على معيار يستوفي المتطلبات الأوروبية لأمن المعلومات (ISO)، حيث أطلقتها “مراسلون بلا حدود” بهدف تعزيز موثوقية الأخبار وتشجيع الممارسات الصحفية الجيدة من خلال تمكين وسائل الإعلام من الوقوف على مستوى امتثالها لأخلاقيات العمل الصحفي والحصول على شهادة رسمية تصادق على ذلك.

5