هل تعود السعودية لدعم الإعلام اللبناني

وزير الإعلام اللبناني يسعى لاستقطاب الممولين وإنقاذ المؤسسات المنهكة ماليا.
السبت 2025/03/15
في انتظار الإنقاذ

تعتبر السعودية من أبرز الداعمين للبنان في مختلف المجالات. وكانت من أبرز الممولين للمؤسسات الإعلامية اللبنانية لسنوات طويلة قبل أن تنسحب من المشهد بسبب هيمنة حزب الله، ويبدو أن السلطات اللبنانية تحاول استمالتها لاستعادة دورها السابق.

بيروت - بحث السفير السعودي في لبنان وليد بخاري مع وزير الإعلام بول مرقص سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في المجال الإعلامي، إذ يجري الوزير اللبناني تحركات مكثفة مؤخرا لتأمين الدعم للمنابر الوطنية، ما يفتح التساؤلات بشأن عودة التمويل السعودي.

وأفادت مصادر لبنانية أن الأجواء في البلاد مواتية لاستقطاب الدعم العربي والإقليمي للمؤسسات الإعلامية التي تعاني من أزمات اقتصادية حادة إذ أن أحد أهم أسباب أزمة الصحافة يكمن في تراجع المال السياسي والدعم من الدول واللذين كانا يمولان قسما كبيرًا من الإعلام اللبناني.

وأضافت المصادر أن الإعلام اللبناني فقد تأثيره وتراجعت سلطته في السنوات الأخيرة ما يعني تراجع الفائدة منه بالنسبة إلى الممولين، الذين لم يعودوا في حاجة إلى وسيلة لبنانية لتمرير رسائلهم بل يعمدون مباشرة إلى تمويل وسائل خاصة بهم.

وأدى الانهيار المالي إلى طمس العائدات التي كانت تبقي الكثير من وسائل الإعلام اللبنانية على قيد الحياة، فأغلقت محطات راديو ذات شعبية، وتوقفت الصحف عن دفع رواتب صحافييها، أو قلصت الرواتب، بينما بدأت القنوات التي كانت بارزة في البحث عن داعمين أجانب.

وتوقفت الصحيفة الوحيدة الصادرة باللغة الإنجليزية “ذا دايلي ستار” عن إصدار النسخة المطبوعة، وأغلقت محطة إذاعية عريقة بعد عمل استمر 40 عاما، وسعى العاملون بها للبحث عن وظائف أخرى، فيما تعاني المحطات التلفزيونية لدفع فواتيرها.

الأجواء السياسية في لبنان باتت مواتية لعودة الدعم العربي للمؤسسات الإعلامية التي تعاني من أزمات اقتصادية حادة

وقد أدت هذه الأوضاع إلى تراجع سريع في صناعة الإعلام، وإلى توجه اللبنانيين إلى الخارج بحثا عن فرص، وبعد أن وفرت وسائل الإعلام اللبنانية الأساس للحياة المهنية لأبرز العاملين في وسائل الإعلام بالمنطقة، وبعض أكثر الصحف تأثيرا، أصبح القطاع نفسه يواجه صراعا من أجل البقاء.

واستفاد حزب الله من هذا الواقع إذ لا يريد إعلاما قويا مؤثرا في البلاد لتبقى منابره صاحبة السطوة الكبرى لاسيما مع جيوشه الإلكترونية النشطة على الشبكات الاجتماعية.

ولطالما أطلق حزب الله حملات إعلامية في الصحف والقنوات المحسوبة عليه ومعها الجيوش الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي لتهاجم وتخون وتتوعد الوسائل الإعلامية والإعلاميين، واتهامهم ببث الفتن وتهديد السلم الأهلي، لاسيما في القضايا السياسية والحروب والأزمات.

ولحزب الله وجمهوره تاريخ طويل من المواجهات مع الإعلام والاعتداء عليه، أشهرها أعمال الشغب وقطع الطرقات بسبب تقليد ساخر لشخصية حسن نصرالله في برنامج كوميدي على قناة “أل.بي.سي”، ليتكرر الأمر نفسه وللسبب نفسه أكثر من مرة.

وبالنسبة إلى اللبنانيين فإن التغيرات التي طرأت على البلاد والمنطقة عموما وتقلص هيمنة حزب الله، تفتح الباب لعودة التمويل الخليجي للإعلام والفرصة مواتية لعودة السعودية إلى المشهد، حيث قدّمت على مدى سنوات طويلة مساعدات مالية للعديد من المؤسسات الإعلامية اللبنانية، بهدف دعم استقرار لبنان وتعزيز مؤسساته.

الانهيار المالي أدى إلى طمس العائدات التي كانت تبقي الكثير من وسائل الإعلام اللبنانية على قيد الحياة

وفي عام 2012، كشفت وثائق مسرّبة من وزارة الخارجية السعودية، نُشرت عبر موقع “ويكيليكس”، عن اجتماع قمة في الرياض تم خلاله الاتفاق على تمويل محطة “إم تي في” اللبنانية التي كانت تعاني من صعوبات مالية. وبحسب هذه الوثائق، دفعت السعودية الملايين من الدولارات للمحطة مقابل التزامها بتوجيه سياساتها التحريرية بما يخدم مصالح المملكة. وتضمنت الشروط وضع خطة عمل تلتزم بها القناة بهدف “خدمة قضايا المملكة ومواجهة الإعلام المعادي لها في لبنان وغيره” من البلدان.

بالإضافة إلى ذلك، أشارت تقارير إلى أن المملكة قدّمت دعمًا ماليًا لمحطات إعلامية أخرى في لبنان، بهدف تعزيز حضورها الإعلامي ومواجهة التحديات الإقليمية.

وقامت السعودية بدور محوري في دعم استقرار لبنان، سواء من خلال رعاية اتفاق الطائف عام 1989 أو عبر تقديم مساعدات مالية سخية للمؤسسات اللبنانية.

ورأى متابعون أن وزير الإعلام اللبناني يسعى لإقناع الممولين بأن الأجواء باتت مهيأة ليمارس الإعلام دورا فاعلا مؤثرا، وذلك بعد أن تراجع رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور رئيس مجموعة الحبتور ومقرها دبي عن مشروعه الإعلامي في لبنان.

وواجه الحبتور عقبات في تنفيذ مشروعه الذي أعلن عنه مؤخرا حيث كان يتطلع بإيجابية وتفاؤل إلى تسهيل الإجراءات لافتتاح محطة تلفزيونية تساهم في تأمين فرص عمل لـ300 موظف، خصوصا أن تراجع التمويل الخليجي للإعلام اللبناني أدخله في أزمة غير مسبوقة دفعت العديد من وسائل الإعلام إلى الإغلاق.

أكثر من 70 في المئة من مالكي وسائل الإعلام مرتبطون بسياسيين منتخبين أو معيّنين

لكنه أعلن في يناير الماضي، إلغاء جميع مشاريعه الاستثمارية في لبنان بسبب “الأوضاع الراهنة من غياب الأمن والاستقرار وانعدام أيّ أفق لتحسن قريب.” وأشار إلى أن “هذه القرارات لم تُتخذ من فراغ، بل جاءت نتيجة دراسة دقيقة ومتابعة عميقة للأوضاع هناك.”

وقال الحبتور في منشور سابق على منصة إكس “ترك زمام الأمور في يد ميليشيات ‘الثنائي‘ (حزب الله وحركة أمل الشيعيين) لقيادة تلك العودة يعيدنا إلى زمن كنا نأمل أنه ولى بلا رجعة. كنا نظن أن الدولة قد بدأت باستعادة دورها وهيبتها، لكن الواقع المؤلم يخبرنا بعكس ذلك.”

وبحسب تقرير حديث لمؤسسة سمير قصير (سكايز)، فإن 80 في المئة تقريباً من وسائل الإعلام ترتبط من خلال الأسهم والملكية بالطبقة السياسية اللبنانية، وأن 90 في المئة من وسائل الإعلام تُصرّ على إخفاء مصادر تمويلها، والتي نادراً ما ترتبط بالإعلانات أو عائدات الإنتاج.

وأفاد أيمن مهنا المدير التنفيذي لمؤسسة سمير قصير، أن قرار تحديث المؤشر “يأتي بعد التغيرات الجذرية التي عصفت بالبلد، إضافة إلى إغلاق العديد من الوسائل الإعلامية، والانتخابات النيابية التي أجريت العام 2022، وكان واضحاً مدى تأثير وسائل الإعلام فيها، وما أظهرته من ترابط مصالح سياسية وإعلامية. إضافة إلى ما يحدث على الصعيد العالمي كعصر التضليل الإعلامي والأخبار الكاذبة، وظهور الذكاء الاصطناعي.”

وقال التقرير إن أكثر من 70 في المئة من مالكي وسائل الإعلام مرتبطون بسياسيين منتخبين أو معيّنين، بما في ذلك أعضاء البرلمان أو الوزراء أو قادة الأحزاب. وأصبحت الروابط العائلية تعكس التحالفات السياسية والإعلامية، ليست فقط الموالية، بل أيضاً الشركات الإعلامية الكبيرة التي ليس لديها توجه ثابت. والدليل على ذلك، إقفال العديد من المؤسسات الإعلامية بعد تراجع القوة السياسية وإقصاء شخصيات معينة عن الساحة السياسية، وفق ما عرضته الصحافية والباحثة في “سكايز” وداد جربوع.

وكشفت جربوع، عن المراسلات التي توجهوا بها إلى الوسائل الإعلامية، فالبعض منها أتت الإجابة عليه عامة وليست معمقة. والبعض الآخر تجاهل المراسلات. وقد اعتمد رصد مؤشر الملكية على بحث المؤسسة في السجلات التجارية للمؤسسات في وزارة العدل، ولم يفلح قانون حق الحصول على المعلومات، في إتاحة حصول المؤسسة على الإجابة من مصدرها.

ويظهر مرصد ملكية الوسائل الإعلامية، بأن الإعلام والسياسة في لبنان يسيران جنباً إلى جنب، فمعظم الذين يمتلكون وسائل إعلام لبنانية ينتمون إلى سياسيين، أو إلى عائلات لبنانية ذات نفوذ أو لديها مصالح تجارية كبيرة. أما النساء، فحجم تمثيلهن في المؤسسات الإعلامية شبه معدوم، وعادة ما تملك النساء أسهماً صغيرة كجزء من الأسرة الكبرى.

5