هل تعجّل إستراتيجية صندوق النقد الجديدة حصول مصر وتونس على تمويلات

القاهرة- منح التغير الحاصل في تصورات صندوق النقد الدولي تجاه دولتي باكستان والأرجنتين بارقة أمل لكل من مصر وتونس لإنقاذ اقتصادهما، إذ تعاني القاهرة من شح الدولار، وتواجه تونس أزمة ديون جعلتها في حاجة ماسة إلى قرض من الصندوق للتّخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية.
وأجرى الصندوق صفقتين مؤخرا شملتا تنازلات لافتة في إجراءاته، الأولى تتعلق بباكستان وهي متعطلة منذ ثمانية أشهر بسبب خلافات حول تطبيق سياسات الصندوق مع الحصول على قرض بقيمة 2.5 مليار دولار، وبالفعل استجابت الحكومة الباكستانية للشروط لكن بوتيرة أبطأ وبحدة أقل مما كان مطلوبا منها في البداية، وحصلت على ثلاثة مليارات دولار بدلًا من 2.5 مليار دولار.
والثانية هي صفقة الأرجنتين، حيث سمح الصندوق بدفع ديونه باليوان الصيني من خط ائتمان البنك المركزي الصيني الموفر للمركزي الأرجنتيني، ودفعت الأرجنتين ما يُعادل مليار دولار باليوان وما يُعادل 1.7 مليار دولار بعُملة الصندوق (SDR) وهي حقوق السحب.
ولا يعني منح صندوق النقد التمويلات للأرجنتين وباكستان رضوخه لمطالب الدول التي تعتبر توصياته مجحفة وتهدد الأمن الاجتماعي، وإنما يعكس حرصا على انتهاج سياسة مرنة جديدة تقوم على تحرير القروض مقابل منح الدول وقتا أطول لتنفيذ تلك التوصيات التي في مقدمتها تعويم العملات ورفع الدعم عن السلع الأساسية وخاصة المحروقات، بالإضافة إلى التفريط في المؤسسات الحكومية وفسح المجال للقطاع الخاص.
وتعد تونس في مقدمة الدول التي رفضت شروط صندوق النقد لتمويلها منذ البداية، ولم تحصل على أي تمويل بعد أن تلقت موافقة مبدئية من الصندوق في منتصف أكتوبر الماضي للحصول على قرض بقيمة 2 مليار دولار.
ووصلت المحادثات بين تونس والصندوق إلى طريق مسدود لعدم وجود التزام حازم من قبل حكومتها بإعادة هيكلة أكثر من 100 مؤسسة عامة مثقلة بالديون ورفع الدعم عن بعض المنتجات الأساسية.
وأدى ذلك إلى دعوة رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني في قمة مجموعة السبع باليابان صندوق النقد إلى تبني نهج عملي لصرف تمويل لتونس دون شروط مسبقة.
وقالت ميلوني خلال جلسة مع قادة الدول الصناعية السبع “تونس في وضع صعب للغاية، مع هشاشة سياسية واضحة وخطر تخلف وشيك عن سداد ديونها”.
ومن المؤكد أن مصر عازمة على تطبيق سياسة سعر صرف مرن، لكن خبراء يرون أن قرار التعويم يجب أن يكون نابعا من الحكومة والبنك المركزي المصري، وهو ما يحدث حاليًا، لأنهما أكثر إدراكًا لاختيار التوقيت المناسب، مع عدم وجود التزام زمني مع الصندوق.
وتمر مصر بأزمة حقيقية بسبب شح الدولار، ما يجعل خيار عدم التعويم مجددا من الأمور المستبعدة، ويمكن الإرجاء لتتمكن السلطات من جمع دولارات لمساندة العملة المحلية وقت التعويم، وهو ما يعتبره الخبراء “شرا لا بد منه” كي تنجح الحكومة في بيع عدد من شركات الجيش والكيانات التابعة له، كبرنامج لإنهاض الاقتصاد من عثرته.
وأشارت سهر الدماطي، نائب رئيس بنك مصر سابقًا، إلى أن الوضع في مصر يختلف عن الوضع الذي تعيشه الأرجنتين، لأنها لجأت إلى الصندوق مجددًا من أجل تنفيذ إصلاحات هيكلية في مفاصل الاقتصاد، وتعاني من تفاقم شح السيولة الأجنبية على الرغم من أن تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي قد بدأ في عام 2016.
وذكرت لـ”العرب” أن “الأزمة بين مصر والصندوق، والمتعلقة بسرعة تعويم الجنيه، مشكلة رئيسية؛ إذ أبلغت الحكومة الصندوق بأنه لا تعويم في الوقت القريب، لأن تحرير سعر الجنيه حاليًا سيكون مفتوحًا، بمعنى أن الجنيه ينخفض والدولار يزداد ارتفاعا والأسعار تقفز، في وقت لا يوجد فيه معروض دولاري وفير”.
ويبدو أن الحكومة المصرية لا تريد أن تدور في حلقة مفرغة، وتدرك أن الوصول إلى نقطة التوازن بين الجنيه والدولار من الأمور الصعبة، وقرار التعويم يعني حدوث كارثة، وهذا لا يتعارض مع استمرار الدولة في عرض جزء من أصولها للبيع.
وفي ظل عدم حصول تونس على قرض تواجه البلاد أزمة كبيرة في ميزان المدفوعات، ومعظم الديون داخلية، لكن هناك مدفوعات قروض خارجية تُستحق خلال العام الجاري، خاصة أن وكالات التصنيف الائتماني حذرت من أن تونس قد تتخلف عن سداد ديونها.
ومن المتوقع أن يؤدي شعور بعض الدول الغربية بالقلق من عدم إحراز تقدم للاقتصاد التونسي إلى حث الصندوق على دعم البلاد؛ إذ يتخوّف بعض القادة الأوروبيين من إمكانية أن يسهم ذلك في زيادة تدفق المهاجرين غير النظاميين على السواحل الأوروبية.