هل تضبط أوبك+ بوصلة أسعار الغاز؟

تقييم حجم الطلب على النفط الناجم عن التحوّل من الغاز صعب في ظل ضبابية الأسواق.
الاثنين 2021/10/04
على مشارف أزمة مع اقتراب الشتاء

أثار الارتفاع غير المسبوق في أسعار الغاز في الأسواق العالمية طيلة الأشهر الأخيرة بينما يتزايد فيه الطلب مع قدوم الشتاء الجدل في أوساط المحللين حول ما إذا كانت هذه الوضعية ستستمر طويلا أم أن تحالف أوبك+ سيكون له موقف حاسم في هذا التوقيت، خاصة مع بروز بعض المؤشرات على إمكانية الاعتماد على الخام في تشغيل بعض القطاعات المعتمدة على الغاز.

لندن – تضاعف سعر الغاز الطبيعي المسال إلى مستويات مقلقة قياسا بالعام الماضي بعد سنوات من المستويات الرخيصة، حيث تأثرت السوق العالمية في البداية بتداعيات الجائحة لتجد نفسها اليوم عاجزة عن مواكبة الانتعاش العالمي في الطلب.

وبعيدا عن تأثيرات ما يحدث على المستهلكين، يرى محللون أن ما يحصل الآن من ارتفاع شديد في أسعار الغاز قد ينعكس في نهاية المطاف على النفط، إذ قد يتجه قسم من الطلب المخصص لإنتاج الكهرباء والتدفئة هذا الشتاء إلى الخام. فهل تعدل أوبك+ سياستها الإنتاجية لكي تكبح انفلات سوق الغاز.

بيورنار تونهاوغن: النفط سيُشغل قرابة نصف إنتاج الكهرباء في آسيا بدل الغاز
بيورنار تونهاوغن: النفط سيُشغل قرابة نصف إنتاج الكهرباء في آسيا بدل الغاز

وتشير بعض الروايات إلى أنه من المحتمل أن تدفع هذه الزيادة في الاستهلاك بعض الدول المنتجة في أوبك+ التي تجتمع الاثنين إلى زيادة خططها الإنتاجية لمواجهة الطلب الاستهلاكي
المرتفع.

وأوضح بيورنار تونهاوغن المحلل لدى مجموعة رايشتاد إينرجي أن تحول قسم من الطلب على الغاز إلى النفط سيتأتى “بنصفه عن إنتاج الكهرباء في آسيا، وبنصفه الآخر الذي يبقى غير واضح عن الاحتياط في حال كان فصل الشتاء أشدّ بردا من العادة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية”.

أما ديمتري ماريشنكو المحلل لدى شركة فيتش فقال لوكالة الصحافة الفرنسية إن “الدول الشديدة الاستهلاك للنفط مثل السعودية والكويت في الشرق الأوسط، واليابان وكوريا الجنوبية في آسيا، هي الأكثر إقبالا على مثل هذا الانتقال إلى النفط”.

وعلى المستوى العالمي، فإن حصة النفط في إنتاج الكهرباء تبقى متدنية جدا، حيث بلغت أقل من 3 في المئة في 2019 بحسب الوكالة الدولية للطاقة، في حين بلغت حصلة الفحم 36.7 في المئة والغاز الطبيعي نحو 23.5 في المئة.

وقال توني سايمي الخبير الاقتصادي في معهد سالفورد بيزنس سكول إن “عددا ضئيلا من محطات إنتاج الكهرباء تملك القدرة على التحول” إلى اعتماد النفط أو الفحم.

وأشار إلى أن العدد تراجع في السنوات الثلاثين الأخيرة على ضوء الوعي لوطأة المحروقات الأحفورية على البيئة. وبالتالي، فإن أسعار النفط الخاضعة من جهة أخرى لعوامل عديدة أخرى، ارتفعت على وقع الزيادة الشديدة في أسعار الغاز، إنما بنسبة أدنى.

ومن الصعب تقييم حجم الطلب الإضافي على النفط الناجم عن التحول عن الغاز، لكن ستاندارد أند بورز تقدره عند 320 ألف برميل يوميا خلال الأشهر الستة المقبلة في آسيا وأوروبا.

أما مصرف غولدمان ساكس فتصل توقعاته إلى قرابة 1.35 مليون برميل يوميا لتوليد الكهرباء و600 ألف برميل يوميا في القطاع الصناعي في آسيا وأوروبا إذا استمرت أسعار الغاز في الارتفاع.

لكن هذه الكمية لا تمثل سوى اثنين في المئة من الطلب العالمي على النفط، الذي تتوقع منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) أن يتخطى العام المقبل عتبة مئة مليون برميل يوميا.

ويلفت المحللون في المصرف الأميركي إلى أنه “إن كان من الممكن التعامل مع الأمر على مستوى السوق العالمية، إلا أن صدمة كهذه ستمثل ارتفاعا بمقدار 5 دولارات للبرميل، على ضوء الصعوبات التي يواجهها عرض النفط لتلبية الطلب حاليا”.

هل سيكون لتحالف أوبك+ موقف حاسم

وقد يأخذ أعضاء أوبك وحلفاؤهم من خارج المنظمة بهذا الواقع خلال الاجتماع الوزاري لأوبك+ فيعمدوا إلى زيادة إنتاجهم قبل الوقت المتفق عليه لذلك غير أن العديد من المحللين يشككون في هذا الاحتمال.

ويقول أوليفييه داغان المستثمر في مجموعة أو.أف.أي لإدارة الأصول إن حجم الانتقال من الغاز إلى النفط سيتوقف بصورة خاصة على الفرق في الأسعار بين الاثنين بعد أن سجل اتساعا كبيرا خلال الأيام الأخيرة.

ففي أوروبا، تواصل أسعار النفط ارتفاعها، ووصلت الجمعة في سوق تايتل ترانسفر فاسيليتي (تي.تي.أف) المرجعية في أوروبا إلى عتبة مئة يورو للميغاواط/ساعة لأول مرة في تاريخ هذه السوق الافتراضية للتداول بالغاز الطبيعي الهولندي.

ويعكس هذا السعر ارتفاعا بخمسة أضعاف عما كان عليه في مطلع العام، في حين أن سعر النفط ازداد بمرتين فقط في الفترة ذاتها.

وإذا ما تم مقارنة الأسعار على أساس وحدة الغاز مقابل وحدة النفط، وهي مقارنة محفوفة بالمخاطر، يتبين أن سعر الغاز الأوروبي بات أعلى بمرتين من السعر الذي بلغه برميل نفط برنت بحر الشمال المرجعي في أوروبا الثلاثاء الماضي وقدره 80.75 دولارا، وهو الأعلى منذ ثلاث سنوات.

وفي مثل هذه الحالة، رأى جيفري هالي المحلل لدى أواندا أن “جاذبية النفط كبديل لإنتاج الكهرباء لا تقاوم”، حين يكون ذلك ممكنا.

وبلغت أسعار الغاز 34 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية الأسبوع الماضي مقارنة مع أقل من دولارين للمليون وحدة في مايو 2020، بينما قفزت أسعار الغاز الأوروبية بنسبة 300 في المئة منذ بداية هذا العام.

ولا تزال المخزونات شحيحة للغاية في أوروبا وآسيا واللتين تمثلان معا 94 في المئة من الواردات العالمية وما يربو على ثلث الاستهلاك العالمي.

أوليفييه داغان: الانتقال من الغاز إلى النفط سيتوقف على الفرق بين السعرين
أوليفييه داغان: الانتقال من الغاز إلى النفط سيتوقف على الفرق بين السعرين

ويعمل معظم المنتجين الرئيسيين بكامل طاقتهم أو قريبا منها وخصصوا غالبية شحناتهم لعملاء محددين مما يترك فرصة ضئيلة لإصلاح الوضع في الأجل القصير.

ووفقا للاتحاد الدولي للغاز، من المتوقع توافر 8.9 مليون طن سنويا فقط من إجمالي 139.1 مليون طن سنويا من طاقة التسييل الجديدة المزمعة في 2021.

وتأخرت السعة الإضافية بسبب قيود التنقلات الرامية للحدّ من انتشار الوباء التي أوقفت أو عطلت أعمال البناء والصيانة في العديد من المواقع الرئيسية بما في ذلك إندونيسيا وروسيا خلال العام الماضي.

وأظهرت بيانات رفينيتيف أنه منذ بداية العام، تم تحميل قرابة 288.1 مليون طن من الغاز للتصدير عالميا بزيادة 7 في المئة فقط بمقارنة سنوية.

وربما يجد المشترون صعوبات في شراء ما يكفي من الغاز لإعادة تخزينه واستخدامه. وأدى ضعف الرياح في أوروبا مؤخرا إلى زيادة استخدام محطات الكهرباء، فيما يتم ترشيد استخدام الطاقة بالنسبة للصناعات وبعض المناطق السكنية في الصين مما أدى إلى قفزة في واردات الغاز.

وتشير التوقعات للمدى البعيد إلى شتاء معتدل في أغلب أنحاء آسيا هذا العام، لكن الأسواق تخشى أن تكرارا لموجة البرد التي حدثت العام الماضي ربما يؤدي إلى فورة شراء مماثلة لتلك التي حدثت في يناير الماضي وأدت إلى زيادة الأسعار.

وقال بنك سيتي في مذكرة لزبائنه الأسبوع الماضي “لن يكون مفاجئا إذا جرى تداول بعض شحنات الغاز في حدود 100 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية بناء على متابعة كيف ارتفعت الأسعار في سوق الغاز الأميركية خلال العقد الأخير”.

10