هل تضبط "أخلاقنا الجميلة" الإعلام المصري أم الشارع

راجت في الكثير من وسائل الإعلام المصرية أخيرا مبادرة “أخلاقنا الجميلة” التي تتضمن مقتطفات من أعمال درامية تحض على المساواة بين المسلمين والأقباط واحترام حقوق الجيران وغيرها من القيم، في محاولة لمنع الانفلات في الشارع ووضع حد للعنف المجتمعي في وقت يشكك فيه خبراء في المبادرة التي أخذت شكلا مدرسيا لتحقيق أهدافها.
القاهرة - دفعت بعض أحداث العنف في الشارع المصري الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية المالكة لعدد كبير من القنوات التلفزيونية والصحف الورقية والإلكترونية إلى إطلاق مبادرة بعنوان “أخلاقنا الجميلة” تعتمد على إذاعة مواقف حوارية من أعمال فنية سابقة ترمز إلى قيم أخلاقية يجب أن يتحلى بها المجتمع المصري.
ويتم اختيار عبارات توحي بالمحبة والسلام بين أفراد المجتمع وتستخدم خطبا وعظية تحث على المواطنة وتذاع بين الفقرات الإعلانية ووسط البرامج والأعمال الدرامية التي تعرضها قنوات فضائية عديدة، وزادت الحملة باللجوء إلى رجال دين ومتخصصين وأكاديميين قريبين من الحكومة للاستعانة بآراء تصب في الاتجاه نفسه.

حسن عماد مكاوي: إقناع الناس بالقيم يتطلب أن يكون الإعلام قدوة حسنة
وتعتمد هذه النوعية من الحملات على نصيحة الجمهور بصورة دعائية ومباشرة ووعظية أكثر من اللازم، ما يفقدها الأهمية التي تنطوي عليها بشأن استنهاض الناس للعودة إلى قيمهم النبيلة وتحقيق الهدف المرجو الوصول إليه وهو وقف تدفق العنف اللفظي والبدني الذي يؤكده ما تعرضه وسائل الإعلام ذاتها على سبيل التحذير منه.
وأدت الجرعة المكثفة التي تذاع يوميا على كثير من المحطات الفضائية إلى التشكيك في الحملة وأهدافها، وتتعامل معها شريحة من الجمهور كأنها فقرة إعلانية مدفوعة الثمن أو أداة يبرئ بها النظام المصري ذمته من التردي الظاهر في المجتمع، وما يعرف من خروج عن القيم في علاقة المصريين ببعضهم جاء نتيجة انحراف سلوكي لا علاقة للنظام به أو يتحمل مسؤوليته، مع ذلك لن يتورع عن ضبطه.
ويهتم القائمون على حملة “أخلاقنا الجميلة” بالشكل الجذاب على حساب الجوهر، ففي الوقت الذي يتم فيه اختيار مواقف تحض على القيم وتحرص على معانيها الجميلة لم يقم هؤلاء بضبط خطاب بعض المذيعين وضيوفهم في محطات قد تذيع الإعلانات الخاصة بالحملة، حيث تتردد كلمات لا تتناسب مع أهدافها.
وضرب معلقون على مواقع التواصل الاجتماعي المثل بقناة نادي الزمالك الرياضي، والتي يقوم البعض من مقدمي البرامج بها بالتهكم على الغريم التقليدي، النادي الأهلي ورئيسه ومجلس إدارته وجمهوره، ناهيك عن ظهور رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور واستخدامه ألفاظا نابية في مداخلات له دون تعرضه أو غيره من العاملين في المحطة لمساءلة إعلامية من جانب المجلس الأعلى للإعلام.
وتتسبب الازدواجية في الحد من القيمة الحقيقية لحملة ترفع شعار “أخلاقنا الجميلة”، وتفرّغها من جزء كبير من محتوى خطابها وما ينطوي عليه من مضامين ذات معان جميلة، فإذا كانت الجهات الرقابية الرسمية المنوط بها محاسبة الخارجين عن المعايير الإعلامية الصحيحة غير قادرة على التعامل معهم وتتراخى عن معاقبتهم، فكيف يقتنع الجمهور بحملة تستهلك يوميا وقتا زمنيا طويلا؟
ويقول خبراء إعلام إن المعايير لا تتجزأ ويجب أن تمارس الجهات المنوط بها الإشراف على المجال الإعلامي دورها في معاقبة المخطئين، لأن الحملة سوف تخرج عن نطاق الهدف المرسوم لها ولن تصل إلى عقل ووجدان الجمهور، بالتالي يذهب الجهد المبذول فيها سدى ويضيع المال الذي ينفق عليها بلا فائدة ملموسة.
ويضيف الخبراء أن من أعدوا الحملة استعجلوا في اللجوء إلى طريقة لن تتمكن من توصيل رسالتهم على الوجه الصحيح، فلم يدرسوا البيئة وما تحويه من تغيرات ليتمكنوا من وضع أياديهم على الآلية النافعة لتقديم الحملة بصورة تتواءم مع احتياجات الجمهور وتشبع إحساسهم بأن هناك خللا في المجتمع بحاجة إلى تصويب.
وثمّن حسن عماد مكاوي أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة المبادرة، وقال إنها جيدة وهناك مقومات لنجاحها أهمها تعدد وسائل الإعلام وتنوع المنابر، لكن المعضلة في تراجع تأثيرها في قناعات وتوجهات الجمهور لأسباب كثيرة، أهمها تدني منسوب الثقة.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن إقناع الناس بالقيم والأخلاق الحميدة يتطلب أن يكون الإعلام نفسه قدوة حسنة، حيث توجد منابر اعتادت على التجاوز، من مذيعين أو ضيوف، وأخرى تعوّل على الإثارة لتوسيع قاعدة انتشارها، وهذا يتعارض مع مسؤولية الإعلام في التوعية ونشر القيم في المجتمع.
وذكر أن هناك منابر إعلامية بحاجة للصرامة في تطبيق القواعد المهنية عليها قبل أن توكل لها مهمة مواجهة الانفلات، ولا يجب أن يظهر الإعلام أمام الجمهور كأنه يقدم له دروسا في الأخلاق، فمن المهم أن يلتزم بالمعايير المهنية ويطبق مواثيق الشرف الإعلامي إذا أراد أن يكون قدوة للمجتمع ويؤثر في أفراده بشكل إيجابي بدلا من أن يتحول إلى محرض على نشر الظواهر السلبية.
وألمح متابعون إلى أن هناك تسرّعا في تقديم حملة أراد من وقفوا خلفها تأكيد اتساقهم مع ما يتبناه الرئيس عبدالفتاح السيسي من خطاب يراعي دوما فكرة الأخلاق والقيم المجتمعية، فقدموا حملة بحاجة إلى المزيد من العناية كي تتمكن من الوصول لأهدافها.
وإذا أرادت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي أطلقت الحملة مؤخرا جني ثمار معنوية عليها مد الخيط على استقامته وتعمل على تنقية الأعمال الدرامية والسينمائية من الألفاظ التي تمثل خروجا عن القيم المجتمعية التي تنادي بها، فالكثير من المسلسلات والأفلام تحوي كلمات ومفردات تتعارض مع مرامي الحملة.
الجرعة المكثفة لمبادرة "أخلاقنا الجميلة" التي تذاع يوميا على كثير من المحطات الفضائية أدت إلى التشكيك في الحملة وأهدافها
من هنا قد تجد الشركة المتحدة نفسها في مأزق بين حرصها على القيم وبين حرية الإبداع الفني الذي هو في الأصل يعكس ما يجري في جزء كبير منه ما يجري في الواقع، وعليها أن تجد حلا لهذا التناقض، فحملة “أخلاقنا الجميلة” تظهر انحيازها للتمسك لأبعد مدى بالقيم بلا اعتبار للحرية التي يجب أن تتوافر في أي إبداع فني.
وتعيد هذه المسألة إشكالية إعلامية قديمة – جديدة حول تجاهل ما يحدث في المجتمع من خروج على النصوص القيمية أم تسليط الضوء عليه لأخذ الدروس والعبر، لأن المزاوجة أو الانتقائية قد تشوبها ميول معينة من قبل إعلاميين منوط بهم ضبط الخطاب الموجه للجمهور، والقائمين على الأعمال الفنية.
وضعت الشركة المتحدة نفسها في هذه المعادلة وستجد وسائل الإعلام التابعة لها نفسها تحت رقابة من جمهور فئة كبيرة منه مغرمة بالبحث عن الجوانب السلبية ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، فالمبالغة في الحرص على القيم واستخدام قاموس يشدد على الأخلاق لفت انتباه المشاهدين، وربما يحوّل الأهداف الإيجابية التي تتضمنها الحملة إلى سلبية ويجد في السخرية ملاذا لتفريغ شحنة من عدم الرضاء عليها.
ولذلك من الصعوبة أن تضبط الحملة الجديدة بمفردها أداء الإعلام المصري الذي يحتاج أولا إلى إعلاء لقيمة المهنية أولا، وهي التي ستتكفل تلقائيا بمسألة الحفاظ على القيم المجتمعية، فالوسيلة التي تستخدم ألفاظا نابية ضد المعارضة عليها أن تعي أنها ستفقد بهذه الطريقة مصداقيتها عندما يحل موعد بث مشهد يدعو للأخلاق الجميلة.