هل تصمد المرأة أمام إيذاء التنمر عبر الإنترنت

تتعرض غالبية النساء المنخرطات في العالم الافتراضي وعبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى الكثير من المضايقات والتعليقات المهينة والعنيفة لفظيا، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمنشورات الصور وترتفع حدة ووتيرة هذه المضايقات إذا ارتبط الأمر بنساء من المشاهير والشخصيات المعروفة في الأوساط الإعلامية والفنية. وبحسب مختصين فإن هذه المضايقات ليست إلا عينة مما تتعرض له النساء عموما من خطابات الكراهية عبر الإنترنت، ما يدفعهن نحو الانسحاب والتوقف أحيانا عن التعبير عن ذواتهن.
برلين - لا يتردد كثيرون ومن مستعملي الإنترنت في وضع تعليقات أو إرسال رسائل تنم عن عدوانية تجاه المرأة، وتنتشر التعاليق المنطوية على عنف لفظي وسب وشت وإهانة وأحيانا اتهام وتحرش وغيره من أنواع خطاب الكراهية خصوصا في مواقع التواصل الاجتماعي على اختلافها وتمثل التعليقات على الصور الشخصية أحد أبرز الأمثلة على ذلك.
وتلاقي غالبية الفتيات العربيات اللاتي يشاركن وينشرن صورهن في صفحاتهن على مواقع التواصل الاجتماعي وابلا من التعليقات التي تستهدف لا فقط النقد وإبداء الرأي بل التعنيف اللفظي والتنمر، إلى درجة تدفع بعضهن إلى إغلاق حساباتهن الخاصة أو التوقف عن نشر صورهن وأحيانا حتى عن الظهور وإبداء الرأي في صفحاتهن الخاصة أو في صفحات المجموعات أو في صفحات الآخرين. ويعبر هذا الانسحاب الذي تتعمده بعض الفتيات عن بلوغ التعليقات العنيفة اللاتي تواجهها المرأة درجة الوحشية.
ولا يقف هذا الوضع عند العربيات وعند الفتيات العاديات بل يطال النساء ذوات الشهرة مثل الممثلات والفنانات والصحافيات وجميع المعروفات في الأوساط الإعلامية، وبقطع النظر عن نظرة وثقافة المجتمعات العربية في علاقة بالمرأة وبصورتها وبجسدها وبالمقولات الدينية والأخلاقية والعادات والتقاليد، فإن الكثير من النساء في الغرب عبرن عن تعرضهن لمستويات وحشية من التعامل عبر الإنترنت، لاسيما النجمات.
ويرجح مختصون اهتموا بهذه المسألة أنه يمكن لأي امرأة في دائرة الضوء، أن تتحول إلى هدف سهل للإهانة عبر الإنترنت وخاصة منهن الممثلات والسياسيات والمراسلات الصحافيات والمغنيات.
وتقول إنجريد برودنيج، وهي صحافية نمساوية ألفت كتابا عن طريقة التعامل بين رواد الإنترنت إن ”الكراهية على الإنترنت تؤثر على الجميع، لكنها تأخذ وجها مختلفا مع المرأة”، وتوضح أنه ”عندما تتعرض المرأة للإهانة عبر الإنترنت، سرعان ما يتعلق الأمر بالجسد والمظهر”. وتضيف أنه “عادة ما تأتي التهديدات بعد ذلك، ومنها الاغتصاب”، مؤكدة أن ”الأمر يتعلق بالحط من قدر شخص ما كإنسان”.
وهناك قائمة طويلة من النساء اللواتي تحدثن عن تجاربهن مع هذا النوع من الإساءة عبر الإنترنت. ومثل الكثير من النساء، ولاسيما من يتمتعن بالشهرة، تعرضت المغنية الألمانية ذات السابعة والعشرين عاما لينا ماير-لاندروت الفائزة بجائزة مسابقة “يوروفيجن” الأوروبية للأغنية عام 2010 لإهانات عبر الإنترنت، من بينها “أنت وقحة وغبية” و“قبيحة وعديمة القيمة” و“امرأة مثيرة للاشمئزاز”.
الخطورة تكمن في اضطرار المرأة للانسحاب من المناقشات العامة، بسبب المعاناة من إنترنت مختلف وأكثر وحشية
طفح الكيل بالمغنية الألمانية، وكتبت جميع الرسائل على مرآة بقلم أسود، ونشرت صورة سيلفي لها مع هذه الرسائل على إنستغرام، وفي غضون يوم واحد، حصد المنشور ما يقرب عن 150 ألف إعجاب، مع الآلاف من الردود.
وفي عام 2018، تعرضت خبيرة كرة قدم في ألمانيا كلاوديا نويمان، التي علقت على مباريات في بطولة كأس العالم، للكثير من رسائل الكراهية.
وكتبت الممثلة الأميركية كيلي ماري تران، بطلة فيلم “حرب النجوم: الجيداي الأخير”، في مقال افتتاحي نشر في صحيفة “نيويورك تايمز” في أغسطس 2018 ”لم تكن المشكلة تتمثل في كلماتهم، إنما أنني بدأت أصدقهم”. ومنذ ظهورها في الفيلم، تعرضت الممثلة الشابة (29 عاما) للتنمر عبر الإنترنت لعدة أشهر.
وفي وقت من الأوقات، حذفت تران محتويات حسابها على إنستغرام، لأنها لم تعد تتحمل التعليقات البذيئة حول جنسها ومظهرها. ولا يزال الحساب، الذي يضم 236 ألف متابع، فارغا حاليا.
وجمعت السياسية الألمانية اليسارية جوليا شرام، ذات التواجد النشط على تويتر، كل رسائل الكراهية التي تلقتها ونشرتها في كتاب. وقالت ”أعتقد أن معظم من يكتبون مثل هذه العبارات لا يعرفون حتى ما هو تأثيرها”.
وتقول برودنيج ”من السهل أن تكون وحشيا على الإنترنت، لأنك لا ترى الشخص الآخر، ولأنك لست مضطرا للنظر إلى ما تفعله؛ ولأن الشخص الآخر لا يراك”.
ووفقا لخبير علم النفس الاجتماعي الألماني أولريش فاجنر، فإن هذا الوضع يتفاقم بسبب “التحيز الجنسي الوحشي” الذي يتحد مع اللغة الوحشية. ويشير إلى أنه ”من السهل كثيرا هنا استغلال الصور النمطية السلبية للمرأة”.
وقبل ظهور الإنترنت، كانت مثل هذه الرسائل الوضيعة ممكنة فقط عبر خطاب من مجهول، حسب خبير علم النفس، موضحا أنه ”لا توجد الإثارة نفسها عندما تضطر إلى الذهاب إلى صندوق البريد أولا، ثم تتخيل أن الرسالة ستصل في غضون يومين، ليس على الفور بهذا الشكل الذي هو عليه حاليا”، مشيرا إلى الزيادة في رسائل الكراهية عبر الإنترنت.
أولئك الذين يكتبون هذا النوع من النصوص لديهم مجموعة من الدوافع. يقول فاجنر ”يمكن أن يكون ذلك بسبب شيء مثل التمييز الجنسي، بل وأيضا الغضب الشديد”.
كما ترى برودنيج أنواعا مختلفة من موجهي الإهانات. وتقول ”البعض يريدون تفريغ شحنة العدوانية الكامنة في صدورهم، وبعضهم يستمتع بإهانة الآخرين”. وتوضح أن المتصيدين، على سبيل المثال، يتصفحون الإنترنت فقط للاستمتاع بمعاناة الآخرين.
وكان رد فعل ماير-لاندروت بالطريقة الصحيحة تماما عبر نشر سيلفي المرآة، حسب رأي برودنيج التي تعتبر ”أنها تسرق كلماتهم لإثارة الاهتمام بالقضية”، مضيفة أنه من المهم التحدث عن هذه الأنواع من التجارب فحتى المشاهير يعانون من هذه الإهانات، حيث لا يوجد من هو بمنأى عنها، لكن أسوأ ما في الأمر هو أن يضطر الضحايا لتحمل شيء كهذا ولا يشاركونه.
وفي اليوم التالي لنشر صورة المرآة، نشرت ماير-لاندروت صورة أخرى لنفسها. وبجانب صورتها كتبت عبارة ”النمو من خلال المقاومة”، ودعت متابعيها للتركيز على الإيجابية والحب.
وتعتبر الصحافية النمساوية أنه يجب الإبلاغ عن الإهانات بالغة القسوة، معربة عن قلقها بشأن نتائج الدراسات التي أجرتها منظمة العفو الدولية، والتي تفيد بأن العديد من النساء لم تعد يجرؤن على التعبير عن آرائهن عبر الإنترنت بسبب هذه الهجمات.
وتكمن الخطورة هنا في اضطرار المرأة للـ”انسحاب من المناقشات العامة، بسبب المعاناة من إنترنت مختلف وأكثر وحشية”.