هل تسعى روسيا إلى جر إسرائيل للمأزق السوري

بون ( ألمانيا)- أعلن مؤخّرا عن مناورات عسكرية روسية إسرائيلية مشتركة تجري في مياه البحر المتوسط بطائرات وقطع بحرية. فهل هو تقارب استراتيجي بين البلدين سيغير معادلات المنطقة، أم أنه محاولة روسية لجر إسرائيل إلى حروب المناطق والطوائف والإرادات الجارية في سوريا؟
قد تبدو المناورات الروسية الإسرائيلية دليلا حاسما على مستوى عميق من العلاقات بين البلدين تحقق بعد أن مهدت له لقاءات بمستويات عليا، لا سيما أن رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو زار روسيا مطلع يونيو 2016 والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد اهتمت الصحف الإسرائيلية ومازالت بشكل خاص بتلك الزيارة باعتبارها إنجازا دوليا هاما، والأمر كذلك بالتأكيد في ضوء الانقسام والتداعي الحاصلين في أوروبا بعد بريكست.
واعتبر المحلل السياسي الإسرائيلي شاؤول منشّه، في حديثه لـ”العرب”، أن هذا التطور مرتبط بإجراءات كثيرة اتخذتها حكومتا البلدين قبل زيارة نتنياهو وبعدها، ومنها تعيين أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب إسرائيل بيتنا اليميني، وزيرا للدفاع.
ولفت منشّه إلى أن ليبرمان قد ولد في كيشيناو عاصمة مولدوفا، وهي إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق عام 1958، وهاجر في وقت متأخر نسبيا إلى إسرائيل عام 1978.
وهنا لا يسع المرء إلا أن يتساءل، هل يكشف هذا التعيين عن تفاهمات محتملة بين البلدين، أم عن غزل إسرائيلي يراد منه التقرب إلى روسيا في أسوأ مرحلة تعيشها العلاقات الأميركية الإسرائيلية، بمعنى أنها محاولة للبحث عن بديل، أو لتخويف أميركاـ التي تنتخب رئيسا جديدا، بالبديل الروسي.
وتحدث، من موسكو، محمود الحمزة، الأكاديمي المتخصص في الشأن الروسي إلى “العرب” مؤكدا أن العلاقات الروسية الأميركية شهدت بعض التطور في الفترة الحالية والسابقة. ويبدو أنّ الملف السوري فتح صفحة جديدة للعلاقات بين البلدين.
وقال الحمزة “وصل تناغم الموقف الأميركي الروسي إلى حد أن موسكو أخذت زمام المبادرة في الملف السوري. ومعلوم أن أي تقارب مع أميركا لا بد أن يشمل حليفتها الأولى في المنطقة وهي إسرائيل”.
وإذا أخذنا التطور في السياق الذي ذهب إليه الباحث سوري الأصل، فسيجرنا الاستنتاج إلى نظرية المؤامرة التي ما لبثت تردد أن روسيا والولايات المتحدة الأميركية تسعيان إلى تقسيم سوريا لتأمين مصالحهما وإضعاف الجبهة السورية التي تتصدى لإسرائيل؛ فيما تصر المعارضة السورية على أن بشار الأسد حليف إسرائيل لأنه وأباه حافظا على جبهة الجولان هادئة لأكثر من أربعة عقود.
وبين هاتين الرؤيتين والجدل حولهما يرى البعض أنّ إسرائيل سترحب بالتقسيم الذي قد ينتج عنه إقليم علوي يحكمه الأسد وإقليم مختلط تسيطر عليه المعارضة وإقليم كردي. لكن الوقائع تثبت أن إسرائيل تحرص على أن تبقى سوريا آمنة (سواء كانت موحدة أم مقسمة) فأمن سوريا يضمن لإسرائيل استقرار القوة الحاكمة في هذا البلد بما يؤمن السيطرة على حدوده مع إسرائيل. وفي هذا السياق اعتبر شاؤول منشّه “أن تقسيم سوريا أو وحدتها شأن عربي لا يخص إسرائيل ولا يؤثر على أمنها”.
التعاون العسكري يضع الأسس للشراكة السياسية والإقليمية والاقتصادية في المنطقة لا سيما حقول الغاز
مناورات إسرائيلية روسية من سوريا
الأرجح أن التقارب الروسي الإسرائيلي سببه سوريا لا سيما أنّ المناورات، وهي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، وستنطلق خلالها الطائرات الروسية من قاعدة حميميم بالقرب من اللاذقية في سوريا كما تبحر قطع بحرية حربية روسية من طرطوس واللاذقية للمشاركة في مناورة مع طائرات حربية إسرائيلية وسفن حربية تابعة لسلاح البحرية الإسرائيلي والتي ستنطلق من قواعدها في حيفا وأسدود. هذا التقارب بين البلدين مبني بالتأكيد على مصالح لن تقتصر على المشهد السوري، وإلى ذلك كشف المحلل السياسي الإسرائيلي شاؤول منشّه أنّ “روسيا حاليا ترنو إلى تثبيت موقع قدمها في سوريا خاصة وفي حوض البحر المتوسط عامة وتحقيق هذا الهدف يستوجب التنسيق الأمني مع إسرائيل. وقد أعلنت إسرائيل مرارا أنها لن تسمح بمرور السلاح الإيراني من إيران إلى سوريا إلى حزب الله في لبنان، ومن ثم فالجيش الإسرائيلي يدمر مخزونات الأسلحة في سوريا، والتنسيق بين روسيا وإسرائيل يستهدف تفادي أي صدام بين سلاحي الجو الروسي والإسرائيلي في سماء سوريا”.
مع الأسد أو ضده
إعلان هذه المواقف الإسرائيلية الروسية قد يعقّد المشهد السوري ويزيده ارتباكا وغموضا، فهل إسرائيل مع بقاء الأسد أم مع زواله، وهل هي مع تقسيم سوريا أم مع وحدتها؟ وهل تسعى موسكو إلى إشراك إسرائيل رسميا في الملف السوري لتضمن بقاء الأسد في السلطة وسوريا موحدة، أم لتحميه وتضمن مستقبله في إقليمه العلوي فحسب؟
وعلى المرء ألا ينسى أنّ إسرائيل تعتبر إيران التهديد الأكبر لها في المنطقة، كما أنّ إيران لا تخفي نواياها العدوانية إزاء إسرائيل، وهو عداء كان يمكن أن يقرب الأخيرة من القوى العربية المعادية لإيران، لكن المواقف على الأرض لم تكشف عن قيام مثل هذا التقارب. ومع ذلك فإن شاؤول منشّه يقول “إسرائيل تضرب المنظمات الإرهابية التي تعمل ضد نظام الأسد، لا سيما أن هذه التنظيمات معادية لنظام الأسد ولروسيا في نفس الوقت”، لكنه عاد ليؤكد أن بلاده ليست متحالفة مع نظام الأسد ولن تفعل ذلك.
وأكد هذا الموقف محمود الحمزة لكن وفق رؤية معاكسة فـ”روسيا ملتزمة بأمن إسرائيل دائما وكذلك أميركا، ولمن يتحدثون عن جبهة الممانعة والمقاومة أقول: ماذا تعني مناورات عسكرية روسية إسرائيلية في سوريا، أين سيادة سوريا التي يتحدث عنها النظام الذي قتل شعبه؟”، في إشارة إلى نظام بشار الأسد.
التطور في العلاقات الإسرائيلية الروسية مرتبط بإجراءات كثيرة ومنها تعيين ليبرمان، الذي ولد في مولدوفا، وزيرا للدفاع
ونقل موقع “روسيا اليوم” الحكومي عن موقع ديبكا الإسرائيلي، أنّ قرار المناورات العسكرية مرتبط بقرار آخر لبوتين ونتنياهو تمثل في السماح لشركات الغاز الروسية “روسبروم” بالمشاركة في العطاءات الخاصة بتطوير حقلي الغاز الإسرائيليين لفيتان وتمر في البحر المتوسط، وبهذا فإن التعاون العسكري سيضع الأسس للشراكة السياسية والإقليمية والاقتصادية والدفاع عن ممتلكات وبنى الطاقة الإسرائيلية في المنطقة، لا سيما حقول الغاز. وهذا يعني أن تمركز الأسطول الروسي بالقرب من المنشآت الإسرائيلية الغازية في البحر المتوسط يراد له أن يردع سوريا وإيران وحزب الله عن التفكير في استهداف المواقع الإسرائيلية التي يحميها الأسطول.
وبهذا تبدو إسرائيل وقد أمسكت بطرفي العصا، فمن ناحية فإنّ مغادرة باراك أوباما للبيت الأبيض ستعيد الدفء حتما إلى العلاقات الأميركية الإسرائيلية وهو ما أكده المتنافسان على الرئاسة هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، ومن ناحية أخرى باتت روسيا حليفا استراتيجيا حاسما لإسرائيل في منطقة يتعاظم فيها النفوذ الروسي يوما بعد يوم.
كل هذا يعيدنا إلى عبارة الافتتاح التي بدأنا بها “قد تبدو المناورات الروسية الإسرائيلية دليلا حاسما على مستوى عميق من العلاقات بين البلدين”، بمعنى أنّ هذا يبقى افتراضا، فقد سبق لروسيا عام 2009 أن أعلنت عن مناورات عسكرية بحرية مع إيران في بحر الخزر، ما شكل سابقة خطيرة في تاريخ العلاقات بينهما بعد 1979. لكن تلك المناورات لم تخلق دفئا في علاقات البلدين، وبقي مسار العلاقة متسما بالحذر، وهكذا فبعد 7 سنوات من تلك المناورات، لم تلقَ إيران من روسيا سوى قبض ريح.
كاتب عراقي