هل تسرّع أزمة كورونا تأسيس اليورو الرقمي

برلين – يبدأ البنك المركزي الأوروبي الاثنين مشاورات عامة واختبارات سعيا لاتّخاذ قرار بشأن تأسيس “يورو رقمي” لدول العملة الموحدة الـ19، في وقت يسرّع تفشي كوفيد-19 التخلي عن الأوراق النقدية، بينما يراقب صانعو السياسات بقلق صعود عملات خاصة مشفّرة على غرار “بيتكوين”.
وتتواصل مشاورات البنك المركزي الأوروبي لثلاثة شهور وسيجري سلسلة اختبارات حول جدوى اليورو الرقمي على مدى الشهور الستة المقبلة.
ويهدف البنك المركزي لاتّخاذ قرار بحلول منتصف 2021 بشأن إن كان سيطلق المشروع، بحسب ما أفاد.
وقالت كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي في بيان مطلع أكتوبر إنّ “الأوروبيين يتجهون بشكل متزايد إلى التكنولوجيا الرقمية في طرق الإنفاق والادخار والاستثمار”. وتابعت “دورنا هو ضمان الثقة في النقود. وهذا يعني التأكد من أن اليورو مناسب للعصر الرقمي. يجب أن نكون مستعدين لإصدار يورو رقمي، إذا دعت الحاجة إلى ذلك”.
وسيكون اليورو الرقمي أو الافتراضي نسخة إلكترونية من أوراق اليورو النقدية وقطعها المعدنية، وستكون عملة رسمية يكفلها البنك المركزي الأوروبي. كما ستسمح لأول مرة للأفراد بالإيداع مباشرة لدى البنك المركزي الأوروبي.
وقد يكون ذلك أكثر أمانا من إيداع الأموال لدى المصارف التجارية التي قد تفلس أو الاحتفاظ بالأوراق النقدية التي قد تتعرّض للسرقة أو الضياع.
ويمكن الاحتفاظ بالأموال خارج المنظومة المصرفية، في “محفظة رقمية” مثلا.
ومن شأنها أن تسمح للأفراد والشركات القيام بعمليات الدفع اليومية “بطريقة سريعة وسهلة وآمنة”، بحسب ما أفاد البنك المركزي الأوروبي عندما نشر تقريرا بشأن الأموال الافتراضية هذا الشهر.
وأكد المصرف أن اليورو الرقمي سيكون “مكمّلا للنقود ولن يحل مكانها”. وسيكون اليورو الرقمي مشابها لعملة البيتكوين، لكنه سيكون خاضعا للرقابة، بعكس العملات الرقمية المشفرة.
ويمكن إصدار أو تحويل مبالغ اليورو الرقمي باستخدام تقنية سجلات الحسابات المعروفة باسم “بلوك تشين” أو “سلسلة الكتل”، وهي قاعدة بيانات عامة لا يمكن تنقيحها وهي ذاتها التي تعتمد عليها العملات المشفرة على غرار “بيتكوين”.
لماذا الآن؟
عزز تفشي كوفيد-19 عمليات الدفع الإلكترونية في ظل تجنّب المستهلكين الأوراق النقدية والقطع المعدنية خشية انتقال العدوى.
وحتى في ألمانيا، حيث يقال إن الأوراق النقدية لا تزال تتسيّد المشهد، يتوقع أن ينفق الزبائن لأول مرة هذا العام المزيد من الأموال باستخدام البطاقات مقارنة بالنقود، بحسب تقرير صدر مؤخرا عن شركة “يورومونيتور إنترناشونال” لأبحاث السوق.
ويخشى البنك المركزي الأوروبي على غرار مصارف مركزية أخرى حول العالم، من أن يتخلّف عن ركب العملات الافتراضية التي أصدرتها جهات خاصة أجنبية على غرار “بيتكوين” أو “ليبرا”، العملة التي ينتظر أن تطلقها شركة فيسبوك.
ويخشى البنك المركزي الأوروبي من أنه في حال تحوّل عدد كبير من المقيمين في منطقة اليورو لاستخدام عملات افتراضية تعمل خارج نطاقه، فقد يؤثر ذلك على مدى فعالية تدابير سياساته النقدية.
وقال خبير الاقتصاد لدى شركة “بكتيت لإدارة الثروات” فريدريك دوكروزيت لفرانس برس إن خطة فيسبوك تأسيس عملة “ليبرا” “سرّع وتيرة تفكير البنوك المركزية” في المسألة.
ما هي المخاطر؟
قد يتجنّب الناس فتح حسابات تقليدية لصالح تلك الرقمية، ما من شأنه أن يضعف المصارف التجارية في منطقة اليورو، وقد تكون المخاطر أكبر في أوقات الأزمات عندما يفضل المدخرون الهرب إلى الأمان الذي يوفره “اليورو الرقمي” وما يدفع المتعاملين بالتالي لسحب أموالهم من المصارف التقليدية، ولتجنّب ذلك، قد يقترح البنك المركزي الأوروبي الحد من مبالغ اليورو الرقمية التي يمكن لكل شخص امتلاكها أو استبدالها.
وسينظر البنك المركزي الأوروبي في المسائل المرتبطة بالخصوصية وضمان عدم استخدام اليورو الرقمي في عمليات غسل الأموال عندما يقيّم إيجابيات وسلبيات إطلاق العملة الافتراضية في الشهور المقبلة.
وتعد العملات الرقمية الصادرة عن جهات خاصة متقلبة للغاية، فمثلا، خسرت “بيتكوين” نصف قيمتها تقريبا منذ بلغت أعلى سعر لها أواخر العام 2017 عند 20 ألف دولار (17030 يورو).
لكن في السنوات الأخيرة، بدأت المصارف المركزية تنظر في مسألة طرح أموالها الافتراضية الخاصة بها والتي تعرف بـ”عملة البنك المركزي الرقمية” كبديل ثابت وخال من المخاطر.
وبدأ البنك المركزي الصيني تجارب استخدام العملة الرقمية في أربع مدن في أبريل، كما بدأ بنك فرنسا اختبارات مشابهة.
وأعلن بنك اليابان الجمعة أنه سيكثّف أبحاثه في هذا المجال.
كما أعلن بنك التسويات الدولية، وهو شبكة من المصارف المركزية، في يناير تأسيس فريق عمل مكرّس للبحث في المسألة.
لكن لا يتوقع أن يدخل اليورو الرقمي حيز الاستخدام في أي وقت قريب.
وقال مصدر مطلع على المشروع إنه حتى تبصر المبادرة النور، سيستغرق الأمر “ما بين 18 شهرا إلى ثلاث أو أربع سنوات”.