هل تستغل الصين انشغال العالم بالحرب في أوكرانيا لضم تايوان

الحرب الروسية - الأوكرانية تشكل فرصة هامة للصين لتقييم ردود الفعل الأميركية والغربية إذا قررت بكين القيام بعملية عسكرية لضم تايوان بالقوة.
الجمعة 2022/03/18
الحرب على أوكرانيا تستنفر تايوان

بكين - تشكل الحرب الروسية - الأوكرانية فرصة هامة للصين لمراقبة وتقييم ردود الفعل الأميركية والغربية إذا قررت بكين القيام بعملية عسكرية لضم تايوان بالقوة، خاصة أنها كثفت في الأشهر الأخيرة اختراق الأجواء التايوانية، ناهيك عن المناورات العسكرية الضخمة.

وفي نفس اليوم الذي بدأ فيه الهجوم الروسي على أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، اخترقت 9 طائرات حربية صينية الأجواء التايوانية دون أن تعترضها الدفاعات الجوية.

وهذه الاختراقات للأجواء التايوانية ليست بالحالات النادرة، إذ شهد عام 2021 العشرات من الاختراقات، كان في الحادي عشر من مارس الجاري، عبر 3 طائرات حربية صينية (جي 16، جي 11، ي 8 إلينت)، بحسب ما أعلنته وزارة الدفاع التايوانية على موقعها الرسمي.

والتصريحات الصينية باجتياح تايوان عسكريا تصاعدت بشكل غير مسبوق، ورسائل التهديد كانت موجهة إلى الولايات المتحدة بالدرجة الأولى لأنها من يحول دون ضم جزيرة تايوان إلى البر الصيني منذ 1949، عندما لجأ إليها القوميون الصينيون بعدما خسروا الحكم في مواجهة الشيوعيين.

وفي التاسع والعشرين من يناير الماضي اتهم السفير الصيني لدى واشنطن تشين تشانغ في تصريح صحافي “إذا واصلت السلطات التايوانية، التي تشجعها الولايات المتحدة، السير على طريق الاستقلال، فمن المحتمل أن تنزلق الصين والولايات المتحدة، وهما الدولتان الكبيرتان في عالم اليوم، إلى صراع عسكري". بل واعتبر السفير الصيني أن "الولايات المتحدة تلعب بالنار بتشجيعها لتايوان على الاستقلال".

بكين قد تستغل انشغال واشنطن بالحرب الأوكرانية للبدء في عملية نقل لقواتها إلى تايوان، والذي تستعد له منذ سنوات طويلة

غير أن أخطر تصريح يهدد باندلاع حرب بين بكين وواشنطن بسبب تايوان، صدر من وزارة الخارجية الصينية في الأول من مارس، جاء فيه "الولايات المتحدة تُضخّم مرور سفنها الحربية عبر مضيق تايوان، إن كان قصدها إرسال رسالة لدعم استقلال تايوان، فإن هذه التصرفات لن تؤدي إلا إلى تسريع انهيار قوي لاستقلال تايوان، وستدفع الولايات المتحدة ثمنا باهظا لأفعالها".

وعبور سفن حربية أميركية مضيق تايوان، الذي يفصل الجزيرة عن البر الصيني على مسافة تبلغ نحو 150 كلم، سعى لطمأنة حكومة تايبيه أن واشنطن لن تتخلى عنها إذا ما تعرضت إلى أي هجوم صيني.

كما كان رسالة إلى بكين أن واشنطن لن تكون ردة فعلها مع أي هجوم صيني على تايوان مثلما هو الحال مع الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا.

حيث أعلنت واشنطن أنها لن تدخل الحرب ضد روسيا دفاعا عن أوكرانيا، واكتفت بفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على موسكو، وتزويد كييف بأسلحة خفيفة مضادة للدروع والطائرات.

وتايوان على غرار أوكرانيا، ليست عضوا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولا ترتبط مع الولايات المتحدة بأي اتفاقية للدفاع المشترك، باستثناء مذكرات تفاهم عسكرية، إلا أن واشنطن ملتزمة بالدفاع عنها.

وهذا الالتزام الأميركي مرتبط بأسباب تاريخية واستراتيجية لمحاصرة الصين (الشيوعية) من الجبهة الشرقية، ضمن حزام يضم كلا من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.

لكن تايوان تكتسي أهمية خاصة بالنسبة إلى واشنطن والعالم، لأنها تصنع نحو ثلثي الإنتاج العالمي من أشباه الموصلات (الرقائق الإلكترونية) التي تدخل في صناعة مختلف المنتجات الإلكترونية والتكنولوجية مثل السيارات والطائرات والصواريخ.

فيما لا تنتج الصين سوى نحو 5 في المئة من الرقائق الإلكترونية، والمتخلفة تكنولوجيا بجيلين عن شركة "تي.أس.آم.سي" التايوانية، المهيمنة على السوق العالمية، والتي تشارك في فرض عقوبات على روسيا، ما سيخنق صناعاتها العسكرية بالذات.

رسائل مشفرة بين واشنطن وبكين حول تايوان
رسائل مشفرة من كلا الاتجاهين حول تايوان 

وسيطرة الصين على تايوان تهدد سوق الرقائق الإلكترونية العالمية، ما يجعل أهميتها الاستراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة أكبر بكثير من أوكرانيا، المصنفة كحديقة خلفية لروسيا.

وهذا ما يفسر تجمع 3 حاملات طائرات أميركية عملاقة في جزيرة أوكيناوا اليابانية القريبة من السواحل التايوانية والصينية في العشرين من أغسطس الماضي وعلى متنها أقوى الطائرات الحربية "آف 35 بي".

وجاء هذا الاحتشاد العسكري الأميركي الضخم ردا على تكثيف الصين مناوراتها العسكرية البحرية في سواحلها الشرقية، حيث أجرت خلال يوليو وأغسطس 10 ألوية من الجيش الصيني مناورات للنقل البحري، حسب معهد دراسات الفضاء الصيني التابع للقوات الجوية الأميركية.

وأجرى الجيشان الصيني والروسي مناورات عسكرية في أغسطس الماضي بالأراضي الصينية شملت 10 آلاف عسكري، تحت شعار "التعاون"، ما يعكس أن التعاون بين بكين وموسكو لا يقتصر فقط على الجوانب الاقتصادية والدبلوماسية بل يشمل الجوانب العسكرية أيضا.

وفي إحدى هذه المناورات التي جرت في نوفمبر الماضي، حذرت وزارة الدفاع الصينية، في بيان، وفدا للكونغرس الأميركي زار تايوان، قائلة "لا ينبغي لأحد أن يقلل من أهمية عزم جيش التحرير الشعبي على حماية السيادة الوطنية للشعب الصيني وسلامة أراضيه".

سيطرة الصين على تايوان تهدد سوق الرقائق الإلكترونية العالمية، ما يجعل أهميتها الاستراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة أكبر بكثير من أوكرانيا

ورغم نفي الصين علمها بالهجوم الروسي على أوكرانيا، إلا أنها قد تستغل انشغال الولايات المتحدة بالحرب في شرق أوروبا، للبدء في عملية نقل ضخمة لقواتها إلى جزيرة تايوان، والذي تستعد له منذ سنوات طويلة.

لكن بكين مازالت تحسب معدلات الربح والخسارة إذا أقدمت على خطوة بهذا الحجم، ليس فقط من الناحية العسكرية بل أيضا من الناحية الاقتصادية.

فانفتاح الصين على الأسواق الغربية يمثل أحد أسباب ازدهار اقتصادها، وإذا تعرضت لعقوبات اقتصادية كالتي فرضت على موسكو فمن شأن ذلك أن يضعف نموها.

وسبق للصين أن جربت الحرب ضد الفيتنام في 1979 لردعها عن التدخل العسكري في كمبوديا، ولكن هذه الحرب كلفتها خسائر اقتصادية كبيرة، دون أن تتمكن من تحقيق جميع أهدافها رغم أن عدوها لم يكن دولة عظمى.

لذلك كانت حرب فيتنام آخر حرب تدخلها الصين، إلا أن الاقتصاد الصيني تضخم بشكل كبير منذ 1979، وتمكن من مواجهة التهديدات الأميركية، وتجلى ذلك في عهد الرئيس دونالد ترامب (2017 - 2020) عندما تمكنت بكين من الرد على رفع الرسوم على صادراتها للسوق الأميركية بالمثل، ما أوجع واشنطن على عدة أصعدة، سواء بالنسبة إلى المصدرين الأميركيين أو المستهلكين.

وتمتلك الصين قدرات هائلة بإمكانها الإضرار بالاقتصاد الأميركي إن تعرضت لعقوبات، وعسكريا تطورت قدراتها كثيرا مقارنة بما كانت عليه في الحرب الكورية (1950 – 1953).

غير أن مواجهة عسكرية واقتصادية شاملة بين الصين والولايات المتحدة حول تايوان قد تجر بلدانا أخرى إلى دوامة حرب عالمية ثالثة، خاصة إذا تزامنت مع الحرب الروسية - الأوكرانية.

5