هل تستطيع ألمانيا إحياء صناعتها دون طاقة رخيصة

إحياء الصناعة في ألمانيا دون طاقة رخيصة يشكل تحديا كبيرا، نظرا لأن الكهرباء تحديدا تعتبر عنصرا حيويا وأساسيا في معظم القطاعات الثقيلة والمتقدمة. ولكن في ظل التوجهات الجديدة نحو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والحد من انبعاثات الكربون، أصبح من الضروري البحث عن بدائل وتقنيات جديدة.
برلين - ستكون أمام الحكومة الألمانية الجديدة التي سيتم تشكيلها بعد الانتخابات الأخيرة برئاسة المستشار فريدريش ميرتس، معركة شاقة لرفع أكبر اقتصاد في أوروبا في أعقاب عامين متتاليين من الركود.
ويقول خبراء إن خفض تكاليف الطاقة هو مفتاح التعافي بعد ثلاث سنوات من ارتفاع أسعار الطاقة والغاز الطبيعي وتقلبها الشديد بعد أزمة الطاقة الصادمة في عام 2022 عبق اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية.
وكانت أسعار الطاقة المحلية متقلبة للغاية خلال الأشهر الأخيرة، حيث شهدت ألمانيا رياحا أقل من المعدل الطبيعي لمدة أربعة أشهر، وهي التي تغذي توليد الطاقة، لتعزيز أسعار الكهرباء والاعتماد على الوقود الأحفوري.
وزادت أسعار الكهرباء هذا العام بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في الأسواق الأوروبية وسط شتاء بارد، وانخفاض توليد طاقة الرياح، ونضوب مخزونات الغاز الطبيعي بشكل أسرع.
وتكلف الكهرباء الآن المستخدمين الصناعيين في ألمانيا ما متوسطه 0.2 يورو لكل كيلوواط في الساعة، وفقا لدراسة أعدتها شركة الأبحاث بروغناس أي.جي لجمعية الصناعة البافارية.
وفي الولايات المتحدة والصين، حيث يوجد العديد من منافسي الشركات الألمانية، تعادل التكلفة حوالي 0.08 يورو لكل كيلوواط في الساعة.
ولم تتوسع مصادر الطاقة المتجددة في ألمانيا بالسرعة الكافية لسد الفجوة. كما أدت مقاومة أصحاب المنازل والمناطق للتوربينات إلى إبطاء نمو طاقة الرياح. ولا تزال البنية الأساسية لنقل الهيدروجين كوقود بديل لأفران الصلب في الغالب على لوحة الرسم.
وفي تقرير على منصة أويل برايس الأميركية أكدت الكاتبة تسفيتانا باراسكوفا أنه منذ بضع سنوات، كانت تكاليف الطاقة المرتفعة تلاحق العديد من الصناعات الرئيسية بالبلاد، بما في ذلك تصنيع السيارات وصناعة الصلب.
وعندما أوقفت روسيا تدفق الغاز المسال، ارتفعت أسعاره، والكهرباء المولدة منه في ألمانيا بشكل كبير، وهما من التكاليف الرئيسية للصناعات كثيفة الطاقة مثل الأسمدة والمواد الكيميائية والزجاج.
واضطر أكبر اقتصاد أوروبي إلى اللجوء إلى الغاز المسال، الذي يكلف أكثر من نظيره المنقول عبر خطوط الأنابيب أو الغاز الطبيعي المبرد للغاية والمستورد بالسفن من قطر والولايات المتحدة.
وأدى ذلك في نهاية المطاف إلى فقدان الصناعات الألمانية التي كانت تحظى بالاحترام في السابق قدرتها التنافسية بسبب تقلص الهوامش وأغلقت العديد من المنشآت مؤقتا أو بشكل دائم.
وحتى شركات صناعة السيارات، في مقدمتها فولكسفاغن وبورشه، اقترحت ما كان لا يمكن تصوره قبل بضع سنوات فقط وهو خفض الوظائف في ألمانيا وإغلاق بعض مواقع الإنتاج نهائيا.
وفي يناير الماضي، تراجعت طلبيات المصانع بأكبر وتيرة منذ ثلاثة أشهر بنسبة 5.4 في المئة على أساس شهر، ما ألقى الضوء على أزمة قطاع الصناعة قبل أسابيع من الانتخابات التي خسرها المستشار السابق أولاف شولتس لصالح ميرتس.
وصوت الألمان في الثالث والعشرين من فبراير الماضي في الانتخابات المبكرة لمن يفترض أنهم سيقومون بمعالجة المشاكل، بعدما سجل أكبر اقتصاد في أوروبا للتو عاما ثانيا على التوالي من الركود.
وبحسب الإحصائيات الرسمية، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2 في المئة خلال عام 2024 عن العام السابق، وهو الانكماش السنوي الثاني على التوالي.
0.2
يورو كلفة الكهرباء للاستخدام الصناعي في ألمانيا قياسا بنحو 0.08 يورو في أميركا والصين
وبالنسبة إلى الفترة بين 2022 و2026، من المتوقع أن يبلغ متوسط النمو الاقتصادي في ألمانيا 0.9 في المئة سنويا، وهذا أقل بكثير من المتوسط السائد قبل الوباء والبالغ اثنين في المئة.
وقالت روث براند، رئيسة المكتب الإحصائي الفيدرالي “لقد وقفت الضغوط الدورية والبنيوية في طريق التنمية الاقتصادية الأفضل في عام 2024.”
وأضافت “تشمل هذه التحديات زيادة المنافسة على صناعة التصدير الألمانية في أسواق المبيعات الرئيسية، وارتفاع تكاليف الطاقة، ومستوى أسعار الفائدة الذي يظل مرتفعًا، والتوقعات الاقتصادية غير المؤكدة.” وتابعت بالقول “على هذه الخلفية، انكمش الاقتصاد الألماني مرة أخرى في عام 2024.”
وفي الانتخابات الأخيرة أعطى الناخبون الألمان للحزب المحافظ، الاتحاد الديمقراطي المسيحي تفويضًا لبدء محادثات لتشكيل الحكومة الجديدة. ومن المرجح أن يكون زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرز المستشار الجديد لألمانيا.
وقالت باراسكوفا “بصرف النظر عن الاضطرار إلى التنقل في المياه الجيوسياسية المعقدة بشكل متزايد، سيتعين على الحكومة الجديدة التعامل مع القضايا الأكثر إلحاحا في الداخل إحياء الاقتصاد والصناعة وخفض فواتير الطاقة للصناعة والأسر.”
وتحث الشركات الحكومة القادمة على التحرك بسرعة وحسم لخفض تكاليف الطاقة وتعزيز أمن الطاقة من أجل مساعدة ألمانيا على استعادة قدرتها التنافسية.
وقال ماركوس كريبر، الرئيس التنفيذي لشركة المرافق الألمانية العملاقة آر.دبليو.إي “إن “الخطوة الأولى المهمة الآن هي تحويل نتيجة الانتخابات بسرعة إلى حكومة قوية قادرة على العمل وراغبة في الإصلاح.”
وكتب كريبر في منشور على موقع لينكد إن بعد الانتخابات يقول إن الحصول على إمدادات طاقة آمنة بأسعار تنافسية هو “شرط أساسي” لألمانيا لإحياء اقتصادها وتعزيز صناعتها.
كما دعا كريستيان بروخ، الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز إنيرجي، إلى اتخاذ تدابير سياسة الطاقة، بما في ذلك السياسات الداعمة للنمو الصناعي.
وطالب بطرح 12 غيغاواط على الأقل من محطات الغاز الجديدة لدعم التخلص التدريجي المخطط له من الفحم، وتوسيع طاقة الرياح والشبكات، وسياسة استراتيجية لتأمين إمدادات المواد الخام.
وتبدو الصناعات الكبرى ومولدات الطاقة في ألمانيا محتاجة إلى تدابير قوية وحاسمة من الحكومة الجديدة لمعالجة الركود الصناعي، وتشمل هذه الإجراءات إصلاحات في سياسة الطاقة.
وقالت هيلديجارد مولر، رئيسة رابطة صناعة السيارات الألمانية، تعليقا على نتيجة الانتخابات “في وضع عالمي واقتصادي صعب للغاية، تحتاج ألمانيا الآن إلى حكومة مستقرة في أسرع وقت ممكن.”
وأضافت “الشركات ككل وخاصة العمود الفقري لازدهارنا الشركات المتوسطة الحجم لم تعد قادرة على تحمل أسعار الطاقة المرتفعة، والبيروقراطية المفرطة والضرائب والرسوم في شكلها الحالي.”
وأكدت أن الالتزام بدعم الشركات المتوسطة الحجم لا بد وأن يكون مدعوما بتدابير ملموسة تضمن الإغاثة في الأمد القريب والمتوسط والبعيد.