هل ترسم الإدارة الأميركية سياساتها ضد السعودية وفق مقالات واشنطن بوست

ضغينة الصحيفة الأميركية ضد الرياض أضرت بمصالح واشنطن في المنطقة.
الجمعة 2022/10/28
تأثير كبير على السياسة

أوضحت السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مدى تأثرها بالإعلام الأميركي وتحديدا صحيفة واشنطن بوست التي قادت حملة ضد السعودية، دون مراعاة الاحتياج الأميركي لحليف قوي في منطقة الشرق الأوسط.

واشنطن - شنت صحيفة واشنطن بوست هجمات متتالية ضد السعودية، وطالت هجماتها مسؤولين وسياسيين أميركيين احتفظوا بعلاقات طيبة مع المملكة، فهل كانت الصحيفة منحازة إلى مصالح الولايات المتحدة أم محاولاتها للتأثير على السياسة الأميركية لم تراع أهداف واشنطن وحاجتها لحلفاء ذوي ثقل في المنطقة؟

على مدى ثمانية عقود، تمتعت الولايات المتحدة بعلاقات وثيقة مع السعودية، لكن في السنوات الأربع الأخيرة وجهت واشنطن بوست جهودها لمهاجمة السعودية وأي تقارب أميركي معها رغم أن هذا التقارب بات لمصلحة الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، بعد الحرب الروسية – الأوكرانية.

ويقول جيمس بي بينكرتون، الذي عمل كمساعد للسياسة الداخلية في البيت الأبيض للرئيسين رونالد ريغان وجورج دبليو بوش، في مقال نشره موقع “ذا ناشيونال انترست”، “إن صحيفة واشنطن بوست حملت ضغينة ضد السعودية وفي الواقع كان للصحيفة تأثير كبير على السياسة الأميركية، في حين أنه لا ينبغي أن يقود سفينة دولتنا الصحافيون، إذ تتطلب المصلحة الوطنية منظورا أكبر، بما في ذلك الاعتبار الواجب للأدوات التقليدية لفن الحكم”.

جيمس بي بينكرتون: لا ينبغي أن يقود سفينة دولتنا الصحافيون وحدهم
جيمس بي بينكرتون: لا ينبغي أن يقود سفينة دولتنا الصحافيون وحدهم

وتتبنى واشنطن بوست آراء الحزب الديمقراطي، ومدعومة من جهات وحركات مثل “حياة السود مهمة”، إضافة إلى العداء الذي يكنه رجل الأعمال جيف بيزوس مالك الصحيفة تجاه السعودية، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي وهو ما يفسر الكثير من مقالاتها المعادية للسعودية.

ويشير الكاتب بينكرتون إلى أحدث تقرير نشرته واشنطن بوست ضد السعودية، تحت عنوان “الجنرالات الأميركيون المتقاعدون” في الثامن عشر من أكتوبر الجاري، والذي جاء في سبعة آلاف كلمة وقد أعده اثنان من المراسلين وثلاثة عشر موظفا آخر في البحث والإنتاج، ويتحدث عن تولي حوالي 500 من العسكريين الأميركيين المتقاعدين وظائف مع حكومات أجنبية، لتقديم المشورة العسكرية، ثم ركزت واشنطن بوست على هدفها الحقيقي، السعودية، بقولها “على سبيل المثال في السعودية يعمل 15 جنرالا وأميرالا أميركيا متقاعدا كمستشارين لوزارة الدفاع”.

واختارت الصحيفة التركيز على كبار الضباط المتقاعدين والسعودية، وعلى الأخص الجنرال جيمس جونز، مستشار الأمن القومي للرئيس الأسبق باراك أوباما، واعتبرت الصحيفة أن هذا الأمر مقلق في حين أن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة بحاجة إلى السعودية والأمير محمد بن سلمان، لماذا؟ لنفس السبب الذي دفع الرئيس فرانكلين روزفلت إلى نقله بالشاحنات لمقابلة الملك المؤسس للبلاد، ابن سعود، عام 1945 وهو النفط.

ويتفاعل السعوديون على تويتر بشأن الانتقادات الموجهة للنظام السعودي، وهناك من يرى فيها تهجما وتحاملا على المملكة. ويُعتبر العالم الافتراضي، خصوصا مواقع التواصل الاجتماعي، فضاء مثاليا لقياس تفاعل السعوديين مع رؤية العالم الخارجي وخصوصا الغربي لبلدهم.

وتمتلك السعودية اليوم ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم وثاني أعلى إنتاج، وعلى الرغم من أن النفط لم يعد مهمّا كما كان من قبل، إلا أنه أهم بكثير مما كان يعتقده أنصار البيئة العصريون من حركة الخضر، وهو ما سيكتشفه الألمان والأوروبيون هذا الشتاء البارد، لهذا السبب كان الرئيس بايدن يحاول التحضير لزيارة السعودية لفترة طويلة نسبيا من الوقت، وهو الرئيس المؤيد المخلص لرؤية صحيفة واشنطن بوست للسياسة الخارجية الأميركية.

وقد شرح بايدن أهداف الزيارة في مقال كتبه للصحيفة بعنوان “لماذا سأذهب إلى السعودية؟” والذي أثار تكهنات حول السبب الذي دفعه لكتابة المقال في واشنطن بوست تحديدا، للتحدث فيه عن أهمية العلاقات الإستراتيجية بين البلدين.

السعوديون يتفاعلون على تويتر بشأن الانتقادات الموجهة للنظام السعودي، وهناك من يرى فيها تهجما وتحاملا على المملكة

وقال متابعون إن بايدن احتاج لمقال طويل كي يبرّر زيارته للسعودية التي وعد سابقا بأن يجعلها “منبوذة”، ونشره في واشنطن بوست تحديدا في مقال يستحق القراءة من قبل المعنيين بالشأن الدولي والإقليمي، فضلا عن تحوّلات الداخل الأميركي، إن كان في الشارع، أو داخل الحزب الديمقراطي، أو القائمين على الصحيفة نفسها.

وقد أشار نشطاء على مواقع التواصل إلى أن إخلاص بايدن للصحيفة كان من بين الأسباب التي دفعت بايدن للإعلان سابقا أن السعودية “منبوذة”، وربما تكون هذه الكلمات أوحت بأنه لا يريد أي علاقة بها، وهذا كان بلا شك مرضيا ليس فقط للصحيفة ولكن أيضا لتيار الخضر، الذين يعتبرون جميع منتجي النفط وشركاته منبوذين.

ولذلك كانت رحلة بايدن إلى السعودية مصدر قلق لافتتاحية هيئة تحرير البوست، والتي وصفتها بأنها “مخيبة للآمال للغاية”، وعبرت عن أسفها بالقول “لقد انتصرت السياسة الواقعية على الاعتبارات الأخلاقية”.

وصبت الصحيفة الأميركية في مقال لها غضبها على بايدن وإدارته لمحاولتها التقارب مع الرياض.

ويرى محللون أن الصحيفة تريد الضغط على إدارة بايدن عبر كتّاب معظمهم لهم توجهات سياسية منحازة، لاتخاذ مواقف معادية للرياض، وهو ما بات يسير ضد مصلحة واشنطن، فالسعودية اليوم في المنطقة الآمنة، ولكن إدارة بايدن متخبطة، وهناك انقسام داخل الحزب الديمقراطي، الذي باتت نتائج سياساته الاقتصادية واضحة، فضلا عن التخبط في السياسة الخارجية أيضا.

ويذكر أن واشنطن بوست دأبت منذ سنوات طويلة على العمل على إستراتيجية ممنهجة دعمت ما يسمى بالربيع العربي الخطير الكارثي على المنطقة والعالم كما دعمت بشكل حثيث التطرف وتحديدا التوجهات الإخوانية.

ومع فشل رحلة بايدن بات يتطلع إلى الانتخابات المستقبلية وهكذا تبدو الأمور مختلفة اليوم، يعني أن تصفيق واشنطن بوست ومباركتها لسياسة بايدن ليسا ذا قيمة بالمقارنة مع تقييم الناخبين، وقد أثبت الأمير محمد بن سلمان عدم تأثره بتوسلات بايدن بعد ثلاثة أشهر، وبتقييم التأثير طويل المدى على أسعار الطاقة.

16