هل تدفع الأزمة الاقتصادية تونس إلى رفع الدعم عن المواد الأساسية

تونس – تطرح الأزمة الاقتصادية الخانقة في تونس تساؤلات بشأن إمكانية رفع الدعم عن المواد الأساسية، وهو خيار قد يفجر المزيد من التوترات الاجتماعية، في ظلّ تداعيات جائحة كورونا العالمية على مختلف القطاعات والشرائح المجتمعية.
وفي بداية الشهر الحالي، كشف وزير التجارة التونسي محمد بوسعيد عن الانطلاق في تنفيذ خطة حكومية لإصلاح منظومة الدعم وتوجيهها نحو مستحقيها الفعليين بعد الكشف عن انتفاع رؤوس أموال وشركات تجارية بالمواد الاستهلاكية المدعمة، وخاصة مادة السكر والدقيق والزيت.
وقال بوسعيد خلال مناقشته ميزانية الوزارة في البرلمان، إن وزارة التجارة انطلقت في تنفيذ عدد من الإجراءات، من أجل توجيه الدعم إلى مستحقيه، ومنها ما يهم ترشيد دعم المواد الغذائية، على غرار تنظيم مادة الخبز.
وبالفعل، سيتم بمقتضى مشروع قانون المالية للعام 2021 إحداث معلوم على مادّة السكر ينعكس بزيادة تقدّر بـ100 مليم عن كل كيلوغرام.
وبررت وزارة المالية هذه الزيادة لدى شرحها للقرار بأنها تندرج في إطار المزيد من العمل على التحكم في عجز الميزان التجاري، حيث تمت بمقتضى الفصل 39 من قانون المالية لسنة 2018 مراجعة المعاليم الموظفة على واردات من مجموعة من المنتجات الاستهلاكية.
وتتبع السلطات التونسية منذ سنوات استراتيجية رفع الدعم عن عدد من المواد الأساسية، تدريجيا، وبمبالغ مدروسة، رغم الاستنكار الشعبي لمثل هذه الخطوة التي تضرّ بالمقدرة الشرائية للمواطن.
واعتمدت منذ العام 2017 خطة مرحلية تقوم على رفع الدعم التدريجي على مادة السكر، وتروج منذ نحو سنتين سكرا معلبا في الأسواق لا يخضع سعره للدعم الحكومي، رغم أنه من إنتاج وحدة السكر بمحافظة باجة (شمال) والتابعة للديوان التونسي للتجارة (حكومي).
وتسعى الدولة إلى أن يعتاد المواطن تدريجيا على شراء المنتج المعلب، وفي المقابل تعمل على قطع مادة السكر المتوفرة بالجملة من السوق، إلى أن يتم سحبها كليا.
وتلقى الاقتصاد التونسي ضربات موجعة سببتها أزمة فايروس كورونا الأمر الذي جعل تونس تتوقع أن يصل عجز موازنتها إلى 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الجاري، في حين تسعى لخفضه إلى 7.3 في المئة في 2021.
ويثير تدهور الوضع الاقتصادي مخاوف من تفجر الوضع الاجتماعي في ظل حالة احتقان شعبي تدفع بالتونسيين في قطاعات مختلفة إلى الاحتجاج.
ويرى مراقبون أن الحديث عن إصلاح منظومة الدعم يتطلب آليات حكومية متطورة، توفق بين الضغط المالي المفروض على ميزانية الدولة، والاحتياجات الفعلية للفئات الاجتماعية الفقيرة.
وتظهر معظم الدراسات الميدانية أن نحو 80 في المئة من مبالغ الدعم لا تذهب في نهاية المطاف إلى مستحقيها، وهي نسبة تجعل فاعلية هذه المنظومة محدودة.
وكشف وزير التجارة التونسي أن الوزارة ستعمل على رقمنة مسالك المواد المدعمة من أجل ضمان وصولها إلى مستحقيها، وستشمل في البداية السكر والدقيق والزيت المدعم، بعد استشارة المهنيين والأخذ بآرائهم واقتراحاتهم.
ويقول متابعون للشأن التونسي إن خطوة رفع الدعم التي ستتبعها حكومة هشام المشيشي قد تخلف سخطا شعبيا كبيرا، خاصة وأن الإغلاقات المتكررة للحد من انتشار الجائحة أضرت بقطاعات كثيرة وقادت أصحاب عدد من المشاريع الصغرى إلى الإفلاس.
ويبدو أنّ البرلمان التونسي الذي تضررت صورته بشكل كبير، لن يستطيع السير في هذا الخيار وإن أبدى بعض نوابه تأييدا لخطط الرفع بطريقة مواربة، على غرار مطالبة النائب بالبرلمان عن ائتلاف الكرامة منذر بن عطية برفع سعر الخبز إلى 500 مليم للخبزة الواحدة وتخصيص أموال الدعم لدفع راتب لكل عاطل ولكل فقير وتطوير القطاع الصحي وإصلاح التعليم العمومي بما يجعله محترما ومتاحا مجانيا لكل مواطن مهما كانت إمكانياته.
وأوضح النائب في تدوينة على فيسبوك أن كرامة المواطن التونسي ليست في خبزة رخيصة بل في مسكن لائق وسيارة بسعر مقبول ووظيفة.
وقال إنه لا يوجد في الدول المتقدمة خبز مدعم بـ230 مليما (0.092 دولار)، ولكن في المقابل يحصل العاطلون عن العمل والفقراء على مرتبات تجعلهم يعيشون حياة كريمة، كما يتمتعون بخدمات صحية راقية.
وأثارت تصريحات النائب في ائتلاف الكرامة حفيظة التونسيين، الذين استغربوا كيف لنائب وصل إلى سدة البرلمان بشعارات الدفاع عن الطبقات المهمشة أن يطالب اليوم برفع الدعم عن مادة أساسية، وهو ما سيكون له بالتأكيد أثر سلبي على المواطن الذي يعاني من تراجع قدرته الشرائية.
وتفيد إحصائيات معهد الاستهلاك (حكومي) بوجود تبذير كبير في كميات الخبز في تونس، إذ أن أكثر من 15 في المئة مما يشتريه التونسي من الخبز يتم إلقاؤه، أي ما يعادل 100 مليون دينار سنويا و900 ألف خبزة يوميا لا يتم استهلاكها.
وفي المقابل أشار النائب إلى أن تونس تدفع كل عام 2500 مليار لدعم ''الخبز وزيت الحاكم" وفي الأخير لا ينتفع بهذا الدعم سوى الفنادق والسياح والمطاعم والأغنياء.
وكانت وزارة التجارة أكدت أن مبلغ الدعم بالنسبة للمواد الغذائية الأساسية قد تطور من 1.8 مليار دينار تونسي (نحو 900 مليون دولار) إلى 2.4 مليار دينار.
واشترط صندوق النقد الدولي خلال جولات التفاوض مع الحكومة التونسية التي دارت بين 2016 و2020، ضرورة الحد من الاعتمادات المالية الموجهة نحو منظومة الدعم، مطالبا بتوجيهها بطريقة مختلفة عن التي تعتمدها تونس حاليا.
وكنتيجة لذلك، تعمل وزارات المالية وتكنولوجيات الاتصال والشؤون الاجتماعية على إيجاد فرضيات قابلة للتطوير، لإصلاح منظومة الدعم وضمان تجاوز الإخلالات الموجودة، دون أن تخلف انعكاسات اجتماعية سلبية وتمكن من تجاوز الوضع الاقتصادي الحرج.