هل تدخّل قاليباف في الشأن اللبناني يعتبر جريئا إلى درجة الوقاحة

قرار الحرب والسلم في إدارة المعركة سُحب من حزب الله.
الأربعاء 2024/10/23
إرادة مسلوبة

من المستغرب أن يبدي رئيس الحكومة اللبنانية استغرابه من التدخل الإيراني في شؤون بلاده، ذلك أن لبنان تحول منذ سنوات تحت جناح طهران واليوم تستغل الأخيرة الوضع للمساومة به مع الولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل.

استغرب رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي حديث رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، في مقابلة حصرية مع “لو فيغارو” من أن “طهران مستعدة للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701”.

وقال ميقاتي في بيانه “نستغرب هذا الموقف الذي يشكّل تدخلًا فاضحًا في الشأن اللبناني، ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان”. وأكمل ميقاتي استغرابه من هذه الوقاحة في الدبلوماسية الإيرانية من خلال إبلاغه مسبقًا لكلّ من وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وقاليباف بضرورة “تفهّم الوضع اللبناني، خصوصًا وأن لبنان يتعرّض لعدوان إسرائيلي غير مسبوق”.

رغم استغراب ميقاتي العلني وأمام وسائل الإعلام إلا أن أغلبية الشعب اللبناني لا تجد في ما قاله قاليباف شيئًا غريبًا، بل على ما يبدو استغرب من موقف ميقاتي الذي طلب من الخارجية اللبنانية استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في لبنان، بسبب التصريحات الإيرانية، لأنه موقف لبناني جديد ومتقدم.

إن الموقف الإيراني ليس بجديد، بل هو أتى بعد سلسلة من التصريحات التي أدلت بها الدبلوماسية الإيرانية من بيروت. فامتعاض ميقاتي الذي كاد يتحوّل إلى استنكار، كان يمكن تفاديه لو أن ميقاتي أصدر بيانه التنديدي على ما قاله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي ضبط موعد زيارته إلى بيروت، بُعيد اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، وبعد كلمة نائب الأمين العام نعيم قاسم الأولى بعد الاغتيال، وبعد بيان الثلاثي وليد جنبلاط ونبيه بري ونجيب ميقاتي حول الموقف الرسمي للبنان.

لبنان دخل في لعبة المحاور، بعدما كان ينتهج سياسة الحياد، فاليوم هو جزء من المحور الممانع الذي يمتدّ إلى إيران في كافة قراراته

لم يكد بيان الثلاثي يأخذ مجراه على مسامع المعنيين، والذي رسم السياسة اللبنانية لإخراج البلد من عنق الزجاجة، والذي أوضح موقف لبنان الرسمي من استعداده لتطبيق القرار 1701، ونشر الجيش في الجنوب اللبناني، وفصل جبهة لبنان عن غزة، حتى أطلّ عراقجي داعيًا الحزب لاستئناف الحرب وعدم فصل الساحات.

هذا التدخّل الواضح في الشأن اللبناني، دفع البعض لاعتبار أن قرار الحرب والسلم في إدارة المعركة سُحب من قيادة الحزب بعد اغتيال معظم قادته دون أن يستطيع الحزب ملء الفراغ، ووضع ضمن دوائر القرار في طهران.

تحتاج إيران الورقة اللبنانية، بعدما شعرت بأن ورقة غزة بدأت تتطاير من يدها مع إعلان الجيش الإسرائيلي اغتيال يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي والعسكري لحركة حماس. فمع عملية الاغتيال اعتبرت حكومة بنيامين نتنياهو بأن الخطة في القطاع تسير بالطريقة المرسومة، وأن الحرب رغم استمراريتها، إلا إنها شارفت على النهاية.

لهذا، تجد طهران لبنان عبر حزب الله كورقة تفاوضية أخيرة قبل تنفيذ إسرائيل ضربتها المنتظرة بعد الضربة الصاروخية التي أمطرت بها طهران كافة مناطق فلسطين المحتلة، وبذلك تجد إيران أنّها حقّا أمام حرب لا هوادة فيها، وأن ما تمّ بناؤه على مدى أكثر من 40 عامًا، قد يكون أمام مصير قاتم، لاسيما بعد الضربات القاتلة التي وجهتها أميركا بقاذفاتها “B2”، لأول مرة ذات المميزات الخارقة والقادرة على ضرب أهدافها تحت الأرض بشكل تدميري.

بعثت الولايات المتحدة رسالتين إلى إيران؛ الأولى من قبل القاذفات الإستراتيجية التي شاهدت طهران بأم العين ما سبّبته من دمار كبير لإحدى أذرعها في المنطقة، أي جماعة الحوثي في اليمن، والثانية عبر نشرها منظومة “ثاد” الاعتراضية للصواريخ البالستية التي تعتمدها إيران لضرب العمق الإسرائيلي. فصائد الصواريخ الأميركي بات جاهزًا في إسرائيل، وإن أيّ ضربة صاروخية سيكون لها تأثير ضعيف على البنى العسكرية والتحتية لإسرائيل.

إيران استطاعت سحب بساط القرار من تحت السلطة اللبنانية، واستخدام لبنان كورقة تفاوضية في يدها ترفعها بوجه الأميركي
إيران استطاعت سحب بساط القرار من تحت السلطة اللبنانية، واستخدام لبنان كورقة تفاوضية في يدها ترفعها بوجه الأميركي

قد تجد إيران ضرورة اعتماد الدبلوماسية مع الغرب، وسط حرب في المنطقة باتت إسرائيل فيها تسجّل النقاط، لاسيما بعد تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بأن التفاوض سيكون تحت النار. هذا دليل على أنها في موقع المتقدّم في الحرب على إيران وأذرعها، لاسيما في ظل غياب حلفائها الدوليين (الصين وروسيا) والاكتفاء بإطلاق البيانات، وهذا لا يؤشّر على نيّتهما التدخّل لمساندة حليفتهما في المنطقة.

لهذا تتجنّب طهران الدخول في حربٍ مباشرةٍ مع إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة، فتعتمد على سياسة إيصال الرسائل عبر أذرعها في المنطقة على رأسها حزب الله في لبنان. ويلاحظ المتابع أن وتيرة التصعيد لحزب الله على إسرائيل كانت بعد زيارة عراقجي إلى بيروت، مع العلم أنه كان من المنتظر أن تكون هذه الوتيرة أكثر شمولية وقسوة بعد اغتيال الأمين العام للحزب، لكنّ هذا ما لم يحصل.

بالعودة إلى تصريح قاليباف، الذي لم يشعر بالحرج في التفاوض مع فرنسا عن لبنان، هو الذي لم يلمس مواقف واضحةً في لبنان معارضةً لتدخلاته لاسيما بعد زيارته الأخيرة لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، إذ أوضح في زيارته الأخيرة أنه المسؤول المباشر عن الشعب اللبناني؛ فقوله إنه أتى لينقل إلى المجتمعين في جنيف آلام اللبنانيين وشكواهم، لا يحتاج إلى دليل، بل يؤكّد مدى انخراط اللاعب الإيراني في الحرب الدائرة في لبنان.

سلّم حزب الله زمام الأمور إلى إيران بحسب البعض، بعدما فرض الحزب هيمنته خلال السنوات الأخيرة على القرار السياسي في لبنان. فحزب الله الذي عطّل الحياة السياسية في لبنان ليفرض على الأفرقاء في الداخل انتخاب ميشال عون عام 2016، ها هو اليوم يعطّل الاستحقاق الرئاسي لإيصال سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا على اعتباره لا يطعن بظهر المقاومة.

دخل لبنان في لعبة المحاور، بعدما كان ينتهج سياسة الحياد، فاليوم هو جزء من المحور الممانع الذي يمتدّ إلى إيران في كافة قراراته. كما واستطاعت إيران سحب بساط القرار من تحت السلطة اللبنانية، واستخدام لبنان كورقة تفاوضية في يدها ترفعها بوجه الأميركي، لهذا لا يمكن اعتبار تدخل قاليباف بالوقح، بل هو تدخل جريء ضمن غياب أي دور رسمي للبنان في إيقاف الحرب أو على الأقل لا ثقة له أمام العالم بأنّ الدولة في لبنان قادرة على تطبيق ما تلتزم به، لأنّها وببساطة غير قادرة على أن تفرض على حزب الله أبسط مطالبها وهو فصل للساحات.

7