هل تحتاج القاهرة إلى تغيير قانون الاستثمار أم تعديله؟

تباينت مطالب بعض المستثمرين في مصر بين من ينادي بتعديل قانون الاستثمار، ومن يدعو إلى تغييره كليا، في إطار استكمال مسار الإصلاح الاقتصادي ومحاولات تعزيز تدفق رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة، وسط تساؤلات حول أسباب تأخير طرح هذا الملف حتى الفترة الراهنة.
القاهرة – تطرح المرحلة الحالية في مصر الحاجة إلى تغيير قانون الاستثمار أو تعديله وسط رؤى استثمارية مختلفة، فبينما يطالب البعض بتعديل عدد من المواد والبنود في القانون، يدعو آخرون إلى تغيير جذري مع ضرورة توفير شروط وضمانات لتفعيل القانون بشكل سليم.
وجاء ذلك بعد تصريحات مفاجئة لرجل الأعمال ووكيل مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) محمد أبوالعينين ومطالبته بإلغاء القانون الحالي، ووضع آخر جديد يوفي بمتطلبات المرحلة، وهو ما أثار نقاشات عديدة بين المستثمرين.
وتعمل مصر من خلال قانون الاستثمار الصادر في 2017 وتم تعديله في 2019 و2023، ويتضمن محفزات تتعلق بمنح المستثمرين الأجانب أفضلية بالمعاملة، ومنع تأميم المشاريع الاستثمارية، ومنح خصومات في عدد من التكاليف، مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا.
وظهرت المشكلة الآن مع تصاعد اعتراضات البعض على المواد المتعلقة بالنزاعات والمخاوف من التعرض للحبس لدى بعض المستثمرين، مع مطالبات بحوافز أكثر بعد ارتفاع تكاليف الاستثمار في البلاد واعتماد الصناع على البيع في السوق المحلية.
وأشارت مصادر قريبة من الحكومة تحدثت لـ”العرب” إلى وجود مساع حكومية وبرلمانية حاليا لإلغاء المواد المتعلقة بالحبس باستثناء الجرائم الجنائية، مع الاكتفاء بالغرامات في قضايا الاستثمار، إذ يؤرق هذا البند المستثمرين الأجانب.
وقال رئيس لجنة الصناعة بجمعية رجال الأعمال المصريين مجدالدين المنزلاوي إن “المستثمرين يطمعون في ثبات التشريعات المنظمة للنشاط الصناعي، ولا داعي لوجود قانون استثمار جديد ويمكن تعديل بعض المواد التي تحوي ضعفا أو غير محفزة”.
وأضاف لـ”العرب” أن “الحل الأمثل للنهوض بالاستثمار والصناعة يكمن في وجود قانون موحد للصناعة المصرية، وحال التوصل إلى هذا سيتم تشجيع الاستثمار الصناعي، على أن يتضمن بنودا من شأنها تسهيل إجراء تعديل في قانون الاستثمار”.
وتأتي المشكلة من تعدد الدوائر التي يتردد عليها المستثمر لإنهاء الإجراءات وموافقات التراخيص، فالأزمة الحقيقية في تنفيذ القانون وتعدد الجهات التي تبحث عن تحصيل الأموال، ويظهر ذلك في تعدد الولاية على الأراضي ما بين الصناعة والإسكان والزراعة وجهات أخرى.
وأكد نائب رئيس مجلس الأعمال المصري – الصيني مصطفى إبراهيم أنه ينبغي وجود قانون جديد للاستثمار في مصر بدلا من التعديلات التي يتم إجراؤها بين فترة وأخرى، ومن أهم الحوافز التي يطلبها المستثمر وجود أسعار مناسبة للأراضي وضرائب منخفضة، بجانب رفع المعوقات.
وأوضح لـ”العرب” أن تأسيس قانون جديد لن يستغرق سنوات من أجل صدوره، لأن الثغرات معروفة، ومن أهم المطالب تسهيل الموافقات على المشروعات وتسريعها، وسيظل القانون الحالي متاحا للعمل به حتى يتسنى الانتهاء من الجديد.
12
مليار دولار حجم الاستثمارات الأجنبية التي تستهدفها الحكومة في العام المالي الحالي
واستبعد إبراهيم أن تكون ثمة مبادرات من مجلس النواب لتعديل قانون الاستثمار الحالي، لأن تدشينه مسؤولية مجتمع الأعمال ووزارة التجارة والصناعة ثم يتم الحصول على موافقة البرلمان.
ويرى محللون أن دول المنطقة بها قوانين محفزة وتسهل الاستثمار على المستثمرين، وإصرار المستثمرين على هذا المطلب من الأمور السلبية التي لا تتواكب مع استهداف الدولة لمشاركة أكبر للقطاع الخاص بنسب تتراوح بين 65 و70 في المئة.
وأصبحت مصر من الدول التي تتمتع بمزايا ومقومات أكبر في البنية الأساسية، وحققت إنجازات غير مسبوقة في القطاع، لكن تحتاج إلى مستثمرين أجانب لتشغيل تلك المرافق والاستفادة منها، كي تسهم هذه المشاريع في تعزيز دور مصر الإقليمي من الناحية الاستثمارية.
ولا تزال البيروقراطية العتيدة والروتين المتجذر لدى عدد من العاملين في الدوائر الحكومية من أبرز الأسباب التي تُرهق المستثمر، لذلك ينبغي توجيه تعميم للموظفين بعدم تعطيل إجراءات الاستثمار المتعلقة بالصناعة.
ويرغب المستثمر المحلي والأجنبي في سهولة الاستثمار عبر القانون الحالي أو بتأسيس قانون جديد دون تعطيل إجراءات المشاريع، التي يتم تنفيذها.
ويقول خبراء إن مشكلة الاستثمار بالسوق المصرية تتجاوز وجود قوانين من عدمه، لأنها تحتاج إلى آليات تنفيذ مرنة وتلبي رغبات رجال الأعمال، فالمستثمر يبحث عن القضاء على المعوقات والعراقيل التي تعطل مسيرته.ويظل الحل المتاح هو إجراء تعديلات شاملة وجذرية على قانون الاستثمار الحالي، ليخرج في شكل جديد بعد التوافق بين السلطات والمستثمرين.
واتخذت القاهرة خطوات على طريق تحفيز الاستثمار مؤخرا بتفعيل الرخصة الذهبية للمشاريع الكبرى، وتهدف إلى تسريع الإجراءات، وهي متاحة للجميع في بعض البلدان المجاورة، لكن الغالبية العظمى منها في الصناعة، والتي لا تستفيد منها، خاصة القائمة بالفعل.
وتحتدم المنافسة الإقليمية لجذب الاستثمارات الأجنبية بين مصر ودول المنطقة، ولدى مصر ميزة تنوع الاقتصاد التي لا تتوفر في أي من الدول المجاورة عبر النشاط الزراعي والصناعي والخدمي والتجاري، والسوق المطلوبة للسلع وتنقصها التشريعات والتكنولوجيا المحفزة.
ومنذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي حرصت البلاد على توفير بيئة تشريعية داعمة عبر إصلاح شامل لكافة القوانين المؤثرة على مناخ الاستثمار وبيئة الأعمال في مصر بهدف تشجيع وجذب المزيد من الاستثمار.
وكان قانون الاستثمار الحالي فرس رهان لدى السلطات لجذب الأجانب عبر توفير الحوافز وتحقيق الحوكمة وتسهيل التجارة عبر الحدود وتوفير الضمانات التي تحمي من القرارات التعسفية، لكن عند التفعيل اختلف الوضع، ما دفع كبار رجال الأعمال إلى المطالبة بتعديله.
وطالب عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين محمود الشندويلي بقانون جديد يحمي المستثمر أولا، لأن طمأنة المستثمرين هي الأداة المهمة لتشجيع الأجانب على الاستثمار في مصر.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أنه ينبغي تحفيز الاستثمار بالمناطق المهجورة مثل الصعيد، فلم تعد هناك فرصة لمنح الأراضي بالمجان في الوقت الراهن، كما ينبغي أن يربط القانون بين هيئتي التنمية الصناعية والاستثمار، لأن ذلك يعطل جذب الأجانب ويعوق الاستثمار.
وتستهدف الحكومة جذب استثمارات أجنبية مباشرة تصل إلى نحو 12 مليار دولار بنهاية العام المالي الجاري الذي ينتهي في أواخر يونيو المقبل، مع توقع زيادته خلال العام المقبل، وفق تصريحات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة.