هل تتحمل مالي انسحاب القوات الأممية من أراضيها

التوتر مع فرنسا يحيي آمال الجهاديين في توسيع نفوذهم.
الأربعاء 2022/05/18
فاغنر ليست بديلا عن القوات الأممية

ينذر تقويض المجلس العسكري في مالي لشراكات أمنية واستراتيجية في مكافحة الجهاديين بعودة البلاد إلى حالة الانفلات الأمني، وقد تتزايد الفوضى بمجرد انسحاب القوات الأممية أيضا التي ستنظر في تمديد ولايتها في يونيو المقبل.

باماكو - حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن مالي قد تنهار إذا انسحبت القوات الأممية، فيما يتصاعد التوتر في العلاقة بين باماكو وباريس.

وسينظر مجلس الأمن الدولي في يونيو المقبل في تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) التي تضم 13 ألف عنصر.

ويأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه الهجمات بمالي التي تنشط فيها عدة منظمات إرهابية وانفصالية، فضلا عن شبكات تهريب السلاح والمخدرات.

وقال غوتيريش إنه لن يقترح إنهاء مهمة القوات الأممية في مالي “لأن ذلك ستكون له عواقب وخيمة”.

وفي الثاني من مايو الجاري ألغت الحكومة المالية الاتفاقيات الدفاعية الموقعة مع فرنسا وشركائها الأوروبيين، وشجبت ما وصفتها بـ”الانتهاكات الصارخة” للقوات الفرنسية الموجودة في البلاد للسيادة الوطنية، و”خروقها الكثيرة” لمجالها الجوي.

محفوظ ولد السالك: انسحاب القوات الأممية سيؤدي إلى انهيار أمني

وقال المتحدث باسم الحكومة المالية عبدالله مايغا في تصريح للتلفزيون الرسمي لبلاده إن باماكو “تلمس منذ فترة تدهورا كبيرا في التعاون العسكري مع فرنسا”.

وعليه أعلنت باماكو الإنهاء الرسمي لـ”اتفاقية التعاون الدفاعي” المبرمة مع فرنسا في 2014، واتفاقية 2013 المتعلقة بعمليتي سرفال وبرخان العسكريتين الفرنسيتين، واتفاقية 2020 المتعلقة بعملية تاكوبا الأوروبية ابتداء من الثاني من مايو.

وأعلنت باماكو يوم الخامس عشر من مايو الجاري انسحابها من مجموعة دول الساحل الخمس ومن قوتها العسكرية لمكافحة الإرهاب احتجاجا على رفض توليها رئاسة هذه المنظمة الإقليمية التي تضم أيضا موريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر.

واعتبر بيان للخارجية المالية أن “معارضة بعض دول الساحل الخمس (لم تسمّها) لرئاسة باماكو للمجموعة، تعود إلى مناورات دولة خارج الإقليم ترمي بشدة إلى عزل مالي”، في إشارة إلى فرنسا.

ويرى المحلل السياسي الموريتاني المتخصص في الشأن الأفريقي محفوظ ولد السالك أن “انسحاب القوات الأممية من مالي، إن حصل، سيعيد البلاد إلى مربع 2012”.

وفي 2012 سيطرت تنظيمات متشددة على أنحاء واسعة من شمالي البلاد قبل طردها في 2013 إثر تدخل قوات عملية سرفال الفرنسية.

ولفت ولد السالك إلى أنه منذ عشر سنوات لم تستطع فرنسا من خلال عمليتي سرفال وبرخان، والأمم المتحدة من خلال “مينوسما” وقوات دول مجموعة الساحل لاحقا، القضاء على الجماعات المسلحة.

وأضاف “هذا يعني أن انسحاب أي من هذه القوات سيؤدي لا محالة إلى انهيار أمني كبير”. وحذر ولد السالك من أن التلويح بسحب القوات الأممية يعقبه انسحاب فعلي لقوتي برخان الفرنسية وتاكوبا الأوروبية.

ويعتبر ولد السالك أن مالي مقبلة على وضع حرج إذا لم تستطع بالفعل إحلال حلفاء أقوياء محل الأطراف المنسحبة.

وتابع أن شركة فاغنر الروسية لا تشكل بديلا، والأمثلة على حضورها في عدة دول أفريقية لا تؤشر على أنها قد تشكل حليفا قويا يمكن الرهان عليه.

Thumbnail

ولفت إلى أن “الجيش المالي حاله حال معظم جيوش المنطقة ضعيف وتعوزه القدرات والإمكانات، كما أنه منهك جراء عقد من محاربة الجماعات المسلحة”.

وأردف أن “رهان المجلس العسكري الانتقالي في مالي على طرد فرنسا وإحلال روسيا محلها، وربط فرنسا بالماضي الاستعماري كان أقرب إلى انتشاء بلحظة عاطفة عابرة لامست هوى شعبيا، لكنها تفتقد إلى بُعد النظر والرؤية الاستراتيجية”.

ونبه الخبير في الشأن الأفريقي إلى أن “مالي أحوج ما تكون إلى تعدد الشركاء منه إلى التقوقع والاصطفاف، خصوصا في ظل تعدد وترابط الأزمات التي تعيشها”.

وتابع “الواضح أن الرصيد الشعبي الذي كان يراهن عليه العسكريون في باماكو في صراعهم مع فرنسا بدأ يتآكل، في ظل عجز أصحاب البزات العسكرية عن بسط الأمن، وعن إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية والاجتماعية”.

وقال ولد سالك إن “العسكريين في مالي أدركوا ذلك، واختيارهم للرئيس التوغولي فور غناسينغبي الصديق التقليدي لفرنسا للوساطة بين باماكو والمجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس)، وبينها وبين باريس وحلفائها الأوروبيين أبرز مؤشر على ذلك”.

وعلى عكس رأي ولد السالك، اعتبر وزير العمل السابق في الحكومة المالية حم أغ محمود أن التدخل العسكري الفرنسي في بلاده أضعف معنويات الجيش المالي خلال السنوات الماضية، ولم يوقف الإرهاب في منطقة الساحل.

Thumbnail

وقال أغ محمود إن انسحاب القوات الفرنسية من بلاده “سيمكن من إعادة تأهيل الجيش المالي”.

ولفت إلى أن التدخل العسكري الفرنسي “أسفر عن نتائج ضعيفة” وأنه “أبطأ الهجمات الإرهابية لكنه لم يوقفها”.

وأضاف أن “انسحاب فرنسا سيسمح للسياسيين بالوقوف على الحقيقة جليا، وإذا كانوا غير قادرين على تأمين الدفاع عن البلاد وضمان أمنها، فلا مكان لهم في أعلى هرم الدولة”.

وبالنسبة إلى علاقة مالي بأوروبا، رجح ولد السالك أن تظل في تدهور إذا استمر الجيش في السلطة. أما إذا حصلت تطورات إيجابية وملموسة باتجاه تسليم السلطة للمدنيين، وابتعد الجيش عن الحكم، فيرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن العلاقة بين مالي وأوروبا “قد تشهد تحسنا كبيرا، إن لم تعد إلى طبيعتها”.

وقال إن الطرف الأوروبي شريك استراتيجي لأفريقيا ولمنطقة الساحل بشكل خاص، وأوروبا محتاجة إلى أفريقيا في الكثير من الجوانب.

وأشار إلى أن حاجة أوروبا إلى أفريقيا تعززت بشكل خاص في ظل الحرب الروسية – الأوكرانية التي وجدت الدول الأوروبية نفسها بسببها بحاجة إلى بدائل جديدة خصوصا في ما يتعلق بالغاز.

5