هل تتحمل المقاومة مسؤولية الحرب في غزة؟

في كل الظروف التي مرت سُكون الشعب الفلسطيني لم يقابله سلام ومنْح حقوق وإنما على العكس ثبت أن إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة ولا تشتمّ سوى رائحة البارود.
الثلاثاء 2023/10/17
حامل الرسائل الجديد

الملحمة البطولية التي يسطرها الأبطال في غزة ليست جديدة عليهم، وليست هي المرة الأولى التي يُقدّم فيها الشعب الفلسطيني قوافل الشهداء، كما أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الاعتداء على البنية التحتية للأراضي المحتلة وتهشيمها.

نقول ذلك ردا على المقولات التي تحاول بعض الجهات تسويقها عبثا في الإعلام العربي والدولي، من قبيل أن المقاومة تتحمل مسؤولية التدمير الذي حدث، وأنها سبب الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، وأنها هي التي استفزت العدو الصهيوني ودفعته إلى الهجوم على غزة ردا على الطوفان الذي أربك قادة الكيان المحتل وبعثر حساباتهم.

لذلك ومن باب تنشيط الذاكرة أود أن أستعيد بعضا من الأحداث التي جرت خلال السنوات القليلة الماضية، وهي في مجملها اعتداءات جسيمة على الإنسانية في أرض فلسطين، وقعت جميعها قبل “طوفان الأقصى”، ودون أن تكون هناك أسباب أمنية أو عسكرية.

وهي جرائم لا تقل سوءًا ووحشيةً عمّا يجري حاليا في قطاع غزة، والعامل المشترك بينها أنها جميعا جاءت ابتداء واعتداء دون سبب مبرر، سوى سعي إسرائيل لتجريف الأرض الفلسطينية من سكانها وتهجيرهم قسرا وتضييق سبل العيش الآمن أمامهم لتمكين الصهاينة منها.

◙ الأمم المتحدة نبّهت في العديد من تقاريرها إلى التحديات التي يواجهها الأطفال في الضفة الغربية وغزة، وهي تحديات كما وصفت في تقارير المنظمة "لا يتخيلها الكثير من أقرانهم في شتى أرجاء العالم"

أشير هنا إلى أربعة محاور من جملة السياسات الإسرائيلية التي مارسها الكيان الصهيوني بشكل ثابت ومنتظم بغض النظر عن وجود أعمال مقاومة من عدمه:

1- تدمير البيئة وتجفيف المياه: أشار التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2009 إلى أن إقامة المستعمرات تركت آثاراً مدمرة طالت جميع عناصر البيئة الفلسطينية؛ فبالإضافة إلى أعمال مصادرة الأراضي ومنع المواطنين الفلسطينيين من دخولها وممارسة أنشطتهم المختلفة هناك الكثير من مظاهر التدمير للبيئة الفلسطينية، من أبرزها استنزاف المياه الفلسطينية والمياه العادمة والنفايات الصلبة وتلوث الهواء والضجيج وتدمير التراث الحضاري وتدمير القطاع الزراعي.

وأشار التقرير إلى أن أكثر القطاعات تأثرا بنتائج سياسات التدمير هو قطاع غزة الذي يتميز بزيادة عدد السكان، وتسببت زيادة السكان على حساب الموارد المتاحة في تدهور البيئة الغزاوية ومعاناتها الشديدة من شح موارد المياه، والتي يتم استهلاكها بشكل جائر من قبل المستوطنات الإسرائيلية.

وقد أقدم الاحتلال على هدم مصادر المياه في العديد من البلدات الفلسطينية، ويشير تقرير وزارة الزراعة الفلسطينية إلى حجم التخريب في قطاع المياه، والذي قام به الاحتلال في 2000 – 2001 فقط حيث لحقت الأضرار بأكثر من 20 بلدة فلسطينية كالتالي:

• هدم 78 بئرا كاملة مع ملحقاتها.

• هدم 150 بركة ماء مع ملحقاتها.

• تدمير 43000 متر طولي من خطوط المياه.

• تجريف 2500 دونم من شبكات الري.

2- هدم المنازل: يعتبر هدم منازل المواطنين وتشريدهم من أكثر الجرائم الوحشية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بانتظام، غير عابئ بالقوانين والأنظمة الدولية، والشواهد على ذلك كثيرة جدا ويستعصي إحصاؤها، ويرتكبها الصهاينة بوصفها عقابا جماعيا للسكان.

وتشير المعلومات والتقارير الحقوقية إلى أن المحتل هدم أكثر من 500 قرية وبلدة فلسطينية بالكامل تشمل ما يقارب 200 ألف منزل. وقد شمل ذلك واقعة هدم منازل المواطنين في الضفة الغربية دون وجود أي سبب أمني أو عسكري، وَوِفقا لتقرير أوتشا هدمت السلطات الإسرائيلية 568 منزلا فلسطينيا ومباني أخرى في الضفة الغربية والقدس الشرقية خلال عام 2003، ما أدى إلى تهجير 759 شخصا.

◙ طاولة المفاوضات لن تكون سخية بالعطاءات للشعب الفلسطيني إلا إذا تزعزع الاستقرار في تل أبيب ونواحيها

وأشار منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط إلى قيام السلطات الإسرائيلية في السابع من مايو الماضي بهدم مدرسة ابتدائية ممولة من الاتحاد الأوروبي لأطفال قرية جبة الذيب شرق بيت لحم بالمنطقة جيم في الضفة الغربية المحتلة.

وتنتهي المحادثات التي تتم بين الأحزاب الحاكمة للكيان المحتل في الكثير من الأحيان إلى اتفاقات تتضمن تهجير سكان بعض البلدات الفلسطينية والاستحواذ على أراضيهم دون وجه حق، ودون وجود مبررات تذكر، وتمتلئ تقارير المنظمات الدولية بمثل هذه الإجراءات الجائرة على السكان في القطاعات المختلفة.

3- القتل المنظم: من المؤكد أن الحديث عن ممارسات القتل ضد الشعب الفلسطيني لا تتطلب دلائل أو أرقاما، فالدم الفلسطيني تمت إسالته بالحرام من قبل القوات الإسرائيلية الغاصبة منذ أول يوم جرى فيه احتلال الأراضي الفلسطينية، ويكفي ما رصدته تقارير المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية.

لكن إذا عدنا إلى التقرير الصادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش في 2022 – 2023 وقبل أحداث “طوفان الأقصى” بعام كامل نجد أنه أشار إلى مقتل 34 طفلا فلسطينيا في الضفة الغربية، وتلفت المنظمة إلى أن حوادث قتل الأطفال غير مرتبطة بأي أعمال جنائية وإنما هي نتيجة إجراءات تعسفية من قبل قوات الاحتلال.

وقد أشار التقرير مثلا إلى واقعة قتل محمود السعدي (17 عاما)، الذي قتلته القوات الإسرائيلية أثناء سيره إلى المدرسة بالقرب من مخيم جنين للاجئين، حين أطلقت عليه النار من مركبة عسكرية إسرائيلية دون ذنب.

وقد نبّهت الأمم المتحدة في العديد من تقاريرها إلى التحديات التي يواجهها الأطفال في الضفة الغربية وغزة، وهي تحديات كما وصفت في تقارير المنظمة “لا يتخيلها الكثير من أقرانهم في شتى أرجاء العالم”.

 وتلجأ سلطات الاحتلال إلى استخدام القوة المفرطة ضد الأطفال وإطلاق النار على أعلى الجسد بما يؤدي إلى الوفاة فورا عند نشوب المواجهات البسيطة والاعتيادية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا تتم محاسبة أو ملاحقة القتلة بأي حال من الأحوال.

4- المسجد الأقصى: تعرض المسجد الأقصى والمصلون فيه منذ احتلاله عام 1967 إلى انتهاكات صارخة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي التي لم تتوقف عن استفزاز الشعب الفلسطيني والإضرار به بشكل متعمد.

وتشمل هذه الانتهاكات اقتحامات المستوطنين، والحفريات تحت المسجد الأقصى التي تسبب شقوقا وتصدعات في بناء المسجد، وعمليات التهويد من خلال تحويل المناهج التعليمية الفلسطينية إلى مناهج تعليمية إسرائيلية، ومنع الآذان. ثم منع إقامة صلاة الجمعة منذ عام 2017.

◙ تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2009 أشار إلى أن إقامة المستعمرات تركت آثاراً مدمرة طالت جميع عناصر البيئة الفلسطينية

وفي كل المراحل يتم التصعيد من الجانب الإسرائيلي دون وجود أسباب أمنية أو عسكرية تستدعي ذلك، ومازلنا نستذكر على سبيل المثال اقتحام أرييل شارون عام 2000 ساحات المسجد الأقصى المبارك، والذي كان شرارة انطلاق انتفاضة الأقصى.

وفي نهاية العام ذاته ارتكبت قوات الاحتلال مجزرة بحق المئات من المصلين في المسجد الأقصى المبارك. وكررت ذلك في عام 2021 حيث اعتدت القوات المحتلة على المصلين المعتكفين في المسجد الأقصى اعتداءً وحشيّا، وهاجمت المئات من المصلين الفلسطينيين وأمطرتهم بوابل من الرصاص والقنابل المسيلة للدموع، وهو ما أحدث تدافعا كبيرا على بوابات المسجد.

وفي مطلع هذا العام اقتحمت قوات كبيرة من شرطة الاحتلال باحات الأقصى، وأجبرت المصلين والمعتكفين على مغادرتها عنوة بعد أن أطلقت عليهم الرصاص المعدني المغلف بالمطاط وقنابل الغاز السام واعتقلت 400 شخص منهم، وبطشت بالنساء والأطفال، وكان الاعتداء إحدى شرارات انطلاق “طوفان الأقصى”.

ما سبق سرده هو القليل من جرائم الحرب ضد الإنسانية التي وقعت على الشعب الفلسطيني دون ذنب، وفي كل ما سبق ذكره كانت الاعتداءات تبدأ من الجانب الإسرائيلي وضحيتها الشعب الأعزل في البلدات الفلسطينية المختلفة، ولم تفرق الآلة العسكرية الإسرائيلية في جرائمها بين شيخ وشاب أو رجل وامرأة أو رجال كبار وأطفال صغار، كما لم تفرق اليوم بين رجال المقاومة واستهداف القرى الآمنة.

ولم يتضح في كل الظروف التي مرت أن سكون الشعب الفلسطيني يقابله سلام واحترام ومنح حقوق، وإنما على العكس من ذلك، فقد ثبت أن إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة ولا تشتم سوى رائحة البارود، ولن تكون طاولة المفاوضات سخية بالعطاءات للشعب الفلسطيني إلا إذا تزعزع الاستقرار في تل أبيب ونواحيها، ودُكت قواعد الجيش الإسرائيلي، فالحق يُؤخذ ولا يُعطى، وهذا هو العنوان الإستراتيجي والأبرز لعملية “طوفان الأقصى”.

9