هل تتجه السعودية إلى تطبيع متدرج للعلاقات مع طالبان

الرياض - أعادت المملكة العربية السعودية فتح القسم القنصلي لسفارتها في العاصمة الأفغانية كابول بعد أيام قليلة من دعوتها إلى عقد مؤتمر إسلامي استثنائي لمناقشة الوضع الإنساني في أفغانستان. وتثير الخطوتان تساؤلات حول ما إذا كانت السعودية تتجه إلى الاعتراف بسلطة طالبان على هذا البلد.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية في حكومة طالبان عبدالقهار بلخي في تغريدة على تويتر إن “فريقا دبلوماسيا مكونا من 14 عضوا من سفارة السعودية عاد إلى كابول الأربعاء، واستأنف الخدمات القنصلية للأفغان”.
وأعرب بلخي عن ارتياح الحركة لهذه الخطوة، قائلا “نرحب بهم ونقدر هذه الخطوة العميقة من قبل الحكومة السعودية ونعتبرها بداية لعلاقات جيدة”.
وكانت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) أعلنت في بيان مقتضب الثلاثاء أنه “انطلاقا من حرص حكومة المملكة العربية السعودية على تقديم كافة الخدمات القنصلية للشعب الأفغاني الشقيق، فقد جرى افتتاح القسم القنصلي بسفارة المملكة العربية السعودية في كابول”.
ولم يقدم البيان المزيد من التوضيحات حول ما إذا كانت الرياض تتجه إلى تطبيع العلاقات مع نظام طالبان، بيد أن محللين لا يستبعدون ذلك خصوصا وأن الحركة الإسلامية هي اليوم سلطة أمر واقع.
العديد من القوى الإقليمية والدولية تتسابق لأن يكون لها حضور على الساحة الأفغانية بالنظر إلى أهميتها الجيواستراتيجية
وسيطرت حركة طالبان على الحكم في أفغانستان في أغسطس الماضي بالتزامن مع انطلاق المرحلة الأخيرة من انسحاب القوات الأميركية من هذا البلد.
واضطرت العديد من الدول آنذاك إلى وقف خدماتها القنصلية وأغلقت العديد من السفارات أبوابها خشية من اندلاع أعمال عنف، وأيضا من تدفق المهاجرين الفارين من حكم الحركة.
وتواجه سلطة طالبان تحديات كبيرة في ظل تحفظات المجتمع الدولي على الاعتراف بها، الأمر الذي يلقي بظلاله على الوضع الاقتصادي للبلاد.
ودعت السعودية الاثنين إلى عقد اجتماع وزاري استثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي الذي يضم 57 دولة لمناقشة الوضع الإنساني بأفغانستان، مشيرة إلى أن باكستان عرضت استضافته في السابع عشر من ديسمبر الجاري.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن الشعب الأفغاني يواجه أزمة إنسانية خطيرة يرجح أن تتفاقم مع حلول فصل الشتاء، وأنه بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة تشمل الغذاء والدواء والمأوى، محذرة من انهيار اقتصادي محتمل للدولة وتدهور أكبر للأوضاع المعيشية ما قد يؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار بالمنطقة.
وأفادت الوكالة في بيان بأن السعودية تحث الدول الأعضاء في المنظمة، والدول والمنظمات الدولية المدعوة من غير الأعضاء، على المشاركة الفاعلة في الاجتماع الوزاري الاستثنائي لبلورة وحشد تحرّك إسلامي إنساني مشترك لمساعدة الشعب الأفغاني.
ويرى متابعون أن هناك مخاوف سعودية جدية من انهيار الوضع في أفغانستان، وأن الرياض تتبنى سياسة متدرجة في تطبيع العلاقات بشكل رسمي مع الحركة الإسلامية التي سيكون عليها مسؤولية الإقناع بحصول تغير في نهجها المتشدد.
ويقول المتابعون إن إقرار المجتمع الدولي بسلطة الحركة يبدو مسألة وقت، لافتين إلى قيام الولايات المتحدة باستئناف المحادثات مع الحركة في العاصمة القطرية الدوحة الأسبوع الجاري، وسط ترجيحات بعقد جولة مفاوضات جديدة بين الطرفين خلال أيام.
ويشير هؤلاء إلى أن العديد من القوى الإقليمية والدولية تتسابق لأن يكون لها حضور على الساحة الأفغانية بالنظر إلى أهميتها الجيواستراتيجية، مذكرين بأن عدة قوى حرصت على إبقاء سفرائها في أفغانستان على غرار روسيا والصين.
ويعتبر المتابعون للشأن الأفغاني أن السعودية لا تريد أن تكون خارج المعادلة الأفغانية وبالتالي فإن من مصلحتها تطبيع العلاقات مع الحركة، ويوضح هؤلاء بأن هناك أيضا سببا رئيسيا إضافيا يدفع السعودية إلى التحرك وهو حرصها على تأكيد زعامتها على العالم الإسلامي، ومن هذا المنطلق تأتي دعوتها إلى عقد المؤتمر الاستثنائي.
وفي مقابل ذلك يرى محللون أن الرياض تحاول أن تتأنى في اتخاذ أي خطوة صوب طالبان، لاسيما وأنها تضررت كثيرا من موقفها من الحركة في تسعينات القرن الماضي.
وكانت السعودية من بين دول قليلة اعترفت بحكم حركة طالبان لأفغانستان ما بين عامي 1996 و2001، تاريخ التدخل الأميركي، وقد شكل ذلك إحراجا للرياض، لكن الوضع اليوم مختلف عن تلك الفترة لاسيما وأن طالبان تبدي حرصا على التسويق لتغير في نهجها المتطرف، كما أن هناك استعدادا دوليا أكبر للقبول بها.