هل تؤثر حملات المقاطعة على مسار الحرب في غزة حقا

مع انتشار صور وفيديوهات لدعم شركات تجارية للجيش الإسرائيلي، بدأ رواد مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي بحملات مقاطعة ونشروا قائمة طويلة من المنتجات التي يجب مقاطعتها، بينما انبرى خبراء لتفسير قيمة المقاطعة من عدمها.
القاهرة - انطلقت حملات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي داعية إلى مقاطعة شركات تجارية عالمية تدعم إسرائيل، بينما بقي المواطن العربي في حيرة من جدوى الاستجابة لمثل هذه الدعوات، وتأثيرها سواء على الشركات المستهدفة أو على الاقتصاد المحلي للبلدان العربية. وانتشرت عدة هاشتاغات في دول عربية أبرزها الكويت ومصر والأردن والمغرب تدعو إلى مقاطعة بعض المطاعم والمقاهي والمنتجات التي تدعم إسرائيل.
وأعلن بعض وكلاء العلامات التجارية في إسرائيل تقديم الدعم للجيش الإسرائيلي في عدوانه المستمر على غزة. وعلى سبيل المثال، أعلن وكيل سلسلة مطاعم ماكدونالدز الأميركية للوجبات السريعة في إسرائيل عن دعم جيش الاحتلال بنحو 4 آلاف وجبة يوميا.
بينما نشر حساب برغر كينغ في إسرائيل أيضا صورا لتوزيع وجبات مجانية على جنود الاحتلال الإسرائيلي، وكتب على المنشور باللغة العبرية “خرجنا لتقوية الأمة، فرقنا تعمل بجد لمواصلة التبرع بآلاف الوجبات لأبطالنا، برغر كينغ يرسل التعازي إلى عائلات الضحايا”.
◙ حدة دعوات المقاطعة باتت أقوى ودخلت في باب الولاء والخيانة للقضية وسط جدل حول قيمة المقاطعة من عدمها
ومن جانبها نشرت دومينوز بيتزا مقاطع مرئية لعلم إسرائيل علّقت عليه باللغة العبرية “من يستطيع أن يهزمنا؟”، ونشرت كذلك مرئيات لتوزيع البيتزا على جنود الاحتلال. وطالت حملات المقاطعة شركات ومنتجات أخرى يُعتقد أنها داعمة لإسرائيل أو للعمليات العسكرية في قطاع غزة، مثل سلاسل ستاربكس وهارديز وغيرها.
ومع انتشار صور وفيديوهات دعم وكلاء الشركات للجيش الإسرائيلي، بدأ رواد العالم الافتراضي في العالم العربي بنشر العلامات التجارية التي يجب مقاطعتها، والبدائل عنها في الأسواق المحلية. بينما سارع وكلاء ماكدونالدز في دول عربية عدة إلى إصدار بيانات تبرؤوا فيها من المواقف السياسية التي نفذها ماكدونالدز إسرائيل.
وتداول ناشطون فيديوهات وصوراً لمنتجات محلية الصنع بديلة عن المنتجات التابعة للشركات الأجنبية التي طالبوا بمقاطعتها، فيما شكّك آخرون في نجاح هكذا حملات أو تأثيرها على مجرى الحرب في غزة. وكانت حملات المقاطعة المصرية تزايدت خلال الأيام الماضية على موقع إكس ودعت إلى تفعيل هاشتاغ المقاطعة، وجاء في تدوينة:
ودعا حساب:
وللمقاطعة تاريخ طويل في العالم العربي، بعض أسبابها سياسي وكثيرها ديني، وكان آخرها قبل الصراع الأخير في غزة وما دعت إليه مؤسسات لمقاطعة المنتجات السويدية والدنماركية على خلفية حرق المصحف.
ومع الدعوات أخيراً إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية أو الأميركية، فإن حدتها باتت أقوى ودخلت في باب الولاء والخيانة للقضية الفلسطينية وسط جدل متسع حول قيمة المقاطعة من عدمها وآليتها، بما في ذلك سخرية شملت بعض المنتجات وطبيعة الاستهلاك.
وجاء في تدوينة:
ودفعت الدعوات شركة مانفودز المالكة لعلامة ماكدونالدز في مصر إلى إصدار بيان تؤكد من خلاله أنها مصرية 100 في المئة، وتوفر فرص عمل للمواطنين، وأن علاقتها بالشركة الأم تقتصر على استخدام العلامة التجارية فقط والحصول على الخبرة والمعرفة اللازمتين.
بدوره، علق الإعلامي إبراهيم عيسى على حملات المقاطعة لمنتجات الشركات التي تحمل الأسماء الأجنبية في السوق المصرية، قائلا “المقاطعة وسيلة محترمة وشرعية ومن حق أي حد يقاطع ويدعو إلى المقاطعة وهذا حق شرعي، وسلاح المقاطعة ينجح أحيانا ويفشل أحيانا ولكنه سلاح سلمي ومعبر وربما يؤثر”.
وأوضح عيسى خلال تعليق ببرنامج “حديث القاهرة” المذاع على قناة “القاهرة والناس” أن كل الشركات التي تعمل في مصر هي مصرية ولكنها تحمل اسم المنتج الأجنبي فقط وحينما تتم مقاطعتها يتضرر المصريون البسطاء الذين يدفعون الضرائب والتأمينات من أعمالهم، مطالبًا بالتأكد من طبيعة الشركة أو المؤسسة التي تتم مقاطعتها.
وأبدى خبراء اقتصاد تحفظهم على دعوات المقاطعة، معتبرين أنها لم تؤت ثمارها في السابق، وأشاروا إلى أن سلاح المقاطعة يصبح ذا جدوى فقط إذا كان التجار في مصر أو أي دولة عربية أخرى هم المستورد الرئيسي لسلعة معينة من دولة معينة واتفقوا جميعاً على المقاطعة.
وأضافوا أن إطلاق حملة مقاطعة عامة لجميع السلع قد يضر بالسوق المحلية العربية، فضلاً عن تأثيرها على العمالة وخسارة استثمارات كبرى، كما أن الأمر يجب أن يخضع للانتقاء ولدراسات تثبت أن مقاطعة الشركات أو المنتجات ستكون مؤثرة حقاً.
وحول تأثير فكرة المقاطعة على ما يطلق عليه “الشركات الداعمة لإسرائيل”، يوضح خبراء أنه في المدى القصير لن تؤثر فكرة المقاطعة على إسرائيل بسبب الدعم الأميركي الكبير لها والتعويضات التي ستدفعها الولايات المتحدة لتل أبيب، وهو ما شدد عليه الرئيس الأميركي جو بايدن، وأكد أنه طلب من الكونغرس الأميركي تمويلا لدعم إسرائيل.
◙ نشطاء إسرائيليون انخرطوا في حملة لمقاطعة المنتجات التركية حيث قاطعت كبرى سلاسل المحلات التجارية في إسرائيل الواردات التركية
وأضافوا أن خسائر إسرائيل الاقتصادية بسبب الحرب كبيرة للغاية، وأقل درجة فيها هي المقاطعة، لأنها خسرت في المجال السياحي وانهارت البورصة، وتراجعت العملة بشدة، فضلا عن المستثمرين الذين تركوا البلاد سواء من الأجانب، أو حتى من الإسرائيليين.
وعلى الضفة المقابلة انخرط نشطاء إسرائيليون في حملة لمقاطعة المنتجات التركية، حيث قاطعت كبرى سلاسل المحلات التجارية في إسرائيل الواردات التركية مع دفاع الرئيس رجب طيب أردوغان عن حركة حماس ومهاجمته إسرائيل.
وزعمت مصادر أن المستوردين أوقفوا الواردات التركية بسبب مغادرة المسؤولين عن فحص الأطعمة المناسبة للعقيدة اليهودية في تركيا عقب هجمات طوفان الأقصى، ويُعتقد أن ضغط الرأي العام لعب دورا مهما في مقاطعة المنتجات التركية، فعلى سبيل المثال اتهمت سلسلة محلات رامي ليفي ببيع الطماطم المستوردة من تركيا عوضا عن الطماطم الإسرائيلية، غير أن الشركة نفت الادعاءات.
من جانبه طالب اتحاد المزارعين الإسرائيليين في خطاب موجه إلى سلاسل المحلات التجارية بوضع ملصقات على المنتجات المحلية بالأسواق والتضامن مع المزارعين المتضررين من الحرب المندلعة. وعقب الجدل المتعلق بالطماطم أعلنت العديد من سلاسل المحال التجارية إيقافها واردات الطماطم من تركيا، بينما أعلنت وزارة الزراعة في بيان حول الأمر أن الموانئ الإسرائيلية ستستقبل هذا الأسبوع 6 سفن تحمل خضروات وفاكهة قادمة من تركيا.
ومن المنتظر أن تشهد إسرائيل مشكلة عرض وطلب نتيجة للمقاطعة التامة للطماطم الواردة من تركيا، إذ أن الناتج المحلي يكفي فقط نصف احتياجات السوق. وعلى الرغم من بروز هولندا واليونان كوجهات بديلة لاستيراد الطماطم فإن الوضع سيؤدي إلى ارتفاع أسعارها.
وخلال عام 2022 ارتفعت واردات إسرائيل من تركيا إلى 7 مليارات دولار، حيث تكثّفت التجارة بين البلدين عبر الاجتماعات والاتفاقيات المتبادلة خلال الآونة الأخيرة، وكان أحدها الاجتماع الذي جمع بين رجال الأعمال الأتراك والمستوردين الإسرائيليين في إسطنبول في ديسمبر الماضي بمبادرة من اتحاد الغرف التجارية الإسرائيلي ومجلس المصدرين التركي. وتتضمن الصادرات التركية إلى إسرائيل الحديد والقمح والسيارات والأجهزة المنزلية الكهربائية والأغذية المصنعة والمستلزمات البلاستيكية.