هل الجزائر مورد للطاقة موثوق به بالنسبة إلى أوروبا

الجزائر – أشاد رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال خلال زيارة إلى الجزائر الاثنين بالدولة العربية الواقعة في شمال أفريقيا بصفتها موردًا للطاقة “موثوقًا به”، في وقت تسعى فيه أوروبا للتعويض عن الإمدادات الروسية المقطوعة بينما يشكك مراقبون بشأن قدرة السلطات الجزائرية بالإيفاء بتعهداتها بشان الغاز لعدة اعتبارات.
وقال ميشال بعد لقائه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون “نظرًا للظروف الدولية التي نعيشها جميعًا، من الواضح أنّ التعاون في مجال الطاقة أساسي، ونعتبر الجزائر شريكًا موثوقًا به ووفيًا وملتزمًا فيما يخص التعاون في مجال الطاقة”.
ويتطلّع مسؤولون أوروبيون إلى الجزائر، أكبر مصدر للغاز في أفريقيا، لسدّ النقص في الإمدادات بعد أن تسبّب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير بارتفاع الأسعار.
وزاد الوضع إلحاحًا في الأيام الأخيرة بعدما أوقفت روسيا إرسال شحنات غاز إلى ألمانيا عبر خط أنابيب “نورد ستريم”، في خطوة أتت قبل أسابيع من بداية فصل الخريف.
شارل ميشال: من الواضح أنّ التعاون في مجال الطاقة أساسي، ونعتبر الجزائر شريكا موثوقًا به
وقبل بدء الحرب في أوكرانيا زوّدت الجزائر الاتحاد الأوروبي بنحو 11 في المئة من الغاز الذي يحتاجه، فيما كانت روسيا تؤمّن 47 في المئة من الغاز لأوروبا.
واستقبلت الجزائر عدداً من كبار المسؤولين في الأشهر الأخيرة، في سعي لزيادة صادراتها.
وفي نهاية أغسطس، شكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجزائر على زيادة إمداداتها عبر خط أنابيب الغاز “ترانسميد” الذي يغذّي إيطاليا، مشيرًا إلى أن هذا الخط يسمح بـ”تحسين تنويع (المصادر) في أوروبا” بعدما كانت تعتمد إلى حدّ بعيد على الغاز الروسي.
ومنتصف يوليو الماضي، وقّعت مجموعات سوناطراك الجزائرية وإيني الإيطالية وأوكسيدنتال الأميركية وتوتال الفرنسية عقدًا ضخمًا بقيمة أربعة مليارات دولار ينصّ على “تقاسم” إنتاج النفط والغاز في حقل بجنوب شرق الجزائر على مدى 25 عامًا.
لكن بحسب النشرة الأسبوعية الصادرة عن موقع “ذا ميدل إيست إيكونوميك سورفي”، انخفض إجمالي صادرات الغاز الطبيعي الجزائري بنسبة 18 في المئة على أساس سنوي في النصف الأول من 2022.
وجاء في النشرة أن “الاعتماد المطلق للعديد من المستوردين (الأوروبيين) على روسيا يجعل استبدال هذه الكميات تحديًا مستحيلًا، على الأقلّ في المديين القريب والمتوسط”.
ويشكك مراقبون في قدرة الجزائر على الالتزام بتعهداتها في ما يتعلق بإمدادات الغاز لأسباب تقنية وسياسية.
وكانت الجزائر شهدت مشاكل تقنية فيما يتعلق بإمدادات النفط إلى أوروبا حيث تعطل خط أنبوب “ميدغاز” الذي يمد إسبانيا بالغاز في شهر يوليو الماضي وسط انتقادات لضعف الصيانة وقدم المعدات.
وتحدثت السلطات الجزائرية عن مشاكل تقنية تقف وراء عملية توقف نقل الغاز لكن الكثيرين ربطوا بين الحدث وتدهور العلاقات الجزائرية – الاسبانية بعد اعتراف مدريد بمشروع الحكم الذاتي المغربي المتعلق بالصحراء المغربية.
مراقبون يشككون في قدرة الجزائر على الالتزام بتعهداتها في ما يتعلق بإمدادات الغاز لأسباب تقنية وسياسية
وقد جمّدت الجزائر اتفاق التعاون والشراكة مع إسبانيا، واستدعت سفيرها وأشارت إلى إمكانية رفع سعر الغاز الذي تبيعه لإسبانيا.
ونتيجة لذلك يتخوف الكثيرون من أن تستغل الحكومة الجزائرية ملف الغاز الحساس كورقة ضغط سياسية في مواجهة أوروبا في المستقبل كما هو الحال مع الجانب الإسباني.
وترى داليا غانم، من معهد الدراسات الأمنية في الاتحاد الأوروبي، أن الجزائر، بثروتها الغازية التي زاد من أهميتها الصراع في أوكرانيا، “تعتزم تعزيز دورها في المنطقة لتصبح دولة رائدة في أفريقيا واستغلال ملف الغاز لتعزيز موقفها في مواجهة المغرب الذي حقق نجاحات دبلوماسية في ملف الصحراء”.
كما يشير مراقبون إلى أن التعويل على الجزائر التي تتمتع بعلاقات متميزة مع روسيا أمر غير منطقي، فالقيادة الجزائرية خاصة رئيس الأركان الفريق أول السعيد شنقريحة دعا موسكو لأن تلعب دورا في دعم أمن أفريقيا وتطوير اقتصادها في رسالة قوية إلى الغرب خاصة أوروبا والولايات المتحدة.
وكانت موسكو أعلنت نيتها مضاعفة استثماراتها في مجال التنقيب عن الغاز في الجزائر في رسالة يبدو أنها موجهة إلى أوروبا التي تعول على الغاز الجزائري لمواجهة نقص الغاز الروسي.
وفي فبراير الماضي أعلنت شركة سوناطراك الجزائرية عن إنجاز عمليات تنقيب لـ24 بئراً جديدة للغاز جنوبي العاصمة الجزائر بالتعاون مع شركة غازبروم الروسية، على أن يبدأ الإنتاج من تلك العمليات بحلول عام 2025.