هل أزاح الخلاف مع الجزائر البكوش من الاتحاد المغاربي

تونس – عينت وزارة الخارجية التونسية الدبلوماسي طارق بن سالم أمينا عام لاتحاد المغرب العربي خلفا للطيب البكوش الذي أثارت مواقفه خلال السنوات الأخيرة غضب الجزائر.
ولا يُعرَف ما إذا كان الهدف من تعيين الدبلوماسي التونسي الجديد سدَّ الشغور بسبب نهاية ولاية البكوش أم تعيينَ شخصية وفاقية تقبل بها مختلف الأطراف وتبدد غضب الجزائر على البكوش الذي بدا بشخصيته القوية كأنه مناوئ لها.
ومن المرجّح أن تونس قد فهمت أن التجديد للبكوش سيوتّر العلاقة بينها وبين الجارة الغربية، وخيرت تعيين مسؤول جديد يحافظ على متانة علاقتها مع الجزائر دون إحداث قطيعة مع المغرب.
وجاء التعيين الجديد متزامنا مع سعي الجزائر لتأسيس آلية مغاربية تشاورية على حساب الاتحاد المغاربي، وشهدت الجزائر لقاء تمهيديا لهذه الآلية على هامش قمة الغاز في مارس الماضي ثم لقاء تشاوريا أول في تونس خلال شهر أبريل شارك فيه الرئيس التونسي قيس سعيد والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي. ومن المنتظر عقد الاجتماع الثاني لهذه الآلية الثلاثية في العاصمة الليبية طرابلس في يونيو القادم.
التجديد للبكوش يضع تونس في توتر مع الجزائر، وتعيين بن سالم يدعم العلاقة مع الجزائر دون قطيعة مع المغرب
ويتساءل مراقبون عما إذا كان تعيين بن سالم سيتماشى مع الآلية الجديدة، أم أنه سيلتزم الحياد ويجاري أنشطة الآلية الجديدة كما لو أنها جزء من نشاط الاتحاد المغاربي، خاصة وأن الموقف الرسمي التونسي يبدو حذرا ولا يريد الاندفاع وراء أجندة الجزائر ويترك مجالا لفرضية عودة المؤسسة الأم إلى نشاطها كاملا، وتجلّى ذلك من خلال التأكيد على أن تعيين بن سالم قد حاز رضا جميع الأطراف، بما في ذلك المغرب.
ولئن لم تنجح الجزائر في الحصول على تفاعل مع فكرة الكيان البديل عن الاتحاد، واضطرت إلى التراجع، فلعلّها حققت نجاحا أوليا بالتخلص من البكوش الذي أدلى بتصريحات ومواقف لم تعجبها، خاصة بعد أن تعمدت عدم استدعائه إلى القمة العربية التي عقدت على أرضها في نوفمبر 2022، ولجأت وسائل إعلام جزائرية إلى وصفه بـ”الدبلوماسي المغربي”، في إشارة إلى أن مواقفه مناوئة للجزائر.
ورد البكوش على انتقادات الجزائر باتهامها بعرقلة العمل المغاربي وأنها لم تدفع اشتراكاتها في الاتحاد المغاربي منذ عام 2016، وأنها لم توجه إليه دعوة لحضور القمة العربية، وفي ذلك مس من قيمة الاتحاد المغاربي.
واحتدم الصدام بين الجزائر والبكوش بعد تعيينه المغربية أمينة سلمان ممثلة دائمة للمنظمة لدى الاتحاد الأفريقي؛ إذ اعتبرت القرار “غير مسؤول وغير مقبول”، متهمة البكوش بالانحياز إلى المغرب.
وليس البكوش الوحيد الذي يهدد وجوده فكرة الكيان المغاربي البديل الذي تخطط الجزائر لإنشائه بهدف عزل المغرب؛ فليبيا وموريتانيا طرفان لا يبدوان متحمسين للخطوة الجزائرية، ولا يريدان الانضمام إلى حلف قد يستفز المغرب الذي تربطه بكل منهما علاقات متينة.
وقبل أيام أكد عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني على ضرورة تفعيل الاتحاد المغاربي، في إشارة واضحة إلى الجزائر تفيد باستحالة إنشاء هيكل مغاربي جديد يستثني المغرب أو يعزله.
وهذه ليست المرة الأولى التي تحرص فيها ليبيا على تأكيد دعمها لتفعيل الاتحاد المغاربي، والأمر نفسه بالنسبة إلى موريتانيا.
وأرسلت ليبيا مباشرة بعد نهاية اللقاء الثلاثي التشاوري، الذي احتضنته تونس، وفدا دبلوماسيا رفيع المستوى إلى الرباط لتأكيد أن طرابلس تنأى بنفسها عن خطة الرئيس الجزائري لإنشاء اتحاد ثلاثي مع تونس وليبيا.
ليس البكوش الوحيد الذي يهدد وجوده فكرة الكيان المغاربي البديل الذي تخطط الجزائر لإنشائه بهدف عزل المغرب؛ فليبيا وموريتانيا طرفان لا يبدوان متحمسين للخطوة الجزائرية
ويتماشى الموقف الليبي مع موقف موريتاني سابق معارض للاصطفاف وراء الجزائر على حساب العلاقة التاريخية مع المغرب، ويُظهر أن مساعي الجزائر لاستفزاز المغرب انتهت إلى استفزاز الدول المغاربية التي يحاول تبون استمالتها لدعم خطته.
ويعتقد مراقبون أن الأمين العام الجديد للاتحاد المغاربي لن يعلن عن مواقف منحازة، وسيحرص على فهم الملفات التي ستعترضه، وقد يستغرق الأمر أشهرا، وهو وقت قد لا تقبل به الجزائر التي تريد مواقف واضحة من الأمين العام التونسي حتى لا يكرر مسار سلفه.
وقالت وزارة الخارجية التونسية في بيان نشرته في صفحتها الرسمية على فيسبوك “وفقا لمقتضيات معاهدة تأسيس اتحاد المغرب العربي لسنة 1989، وباقتراح من سيادة رئيس الجمهورية قيس سعيد، وبعد موافقة جميع قادة الدول الأعضاء في الاتحاد، تقرر تعيين الدبلوماسي التونسي السيد طارق بن سالم أمينا عاما لاتحاد المغرب العربي لمدة ثلاث سنوات بداية من 1 يونيو 2024”.
وشغل بن سالم مهام سفير الجمهورية التونسية بموسكو وكذلك منصب مستشار دبلوماسي لدى رئيس الحكومة.
ومن أبرز المهام التي أوكلت إليه في مساره الدبلوماسي “مدير عام التعاون مع أوروبا والاتحاد الأوروبي (2015) وسفير تونس بمالي والنيجر وبوركينا فاسو مع الإقامة في باماكو (2011 – 2015)، ومدير العلاقات الأورومتوسطية والمنسق الوطني لمسار برشلونة والاتحاد من أجل المتوسط ومنسق مسار الهجرة (2008 – 2011)، وقائم بأعمال سفارة تونس بهلسنكي (2002 – 2007).
كما تولى منصب مدير مساعد للتعاون السياسي والاقتصادي مع ألمانيا والنمسا وفرنسا وإيطاليا (1999 – 2002)، إضافة إلى مهام أخرى.