هلت ليالي القمر

القمر هو الجار القديم الطيب لكوكبنا المهدد بالزوال كما يقول البعض متشائما.
عبر آلاف السنوات أنار القمر ليالي الناس من غير أن يكونوا مجبرين على دفع فواتير تلك الخدمة.
لا يزال القمر يقوم بتلك الخدمة العظيمة في مناطق عديدة من العالم.
في الصحارى والبحار لا يزال القمر هو الصديق الذي لا تقدّر الرومانسية مكانته.
وإذا كان وديع الصافي قد غنى “يا طالعين ع القمر”، فإنه لم يكن يتوقع أن هناك سفرات سياحية ستذهب إلى القمر.
كان القمر يقيم في ضيعته. كما عبّرت فيروز عن ذلك “نحنا والقمر جيران/ بيتو خلف تلالنا/ بيطلع من قبالنا/ يسمع الألحان”.
ولم يكن القمر سابع جار بل كان الجار الأول أو قبله. لو لم تكن جارتي قمرا لما أحببتها.
هي قمري الشخصي. ولقد اختصرتها نجاة حين غنت في “قمري يا قمري/ يا حبيبي يا قمري/ أسأل على ليلي/ على ليلي وسهري”.
ونجاة التي بدأت الغناء صغيرة فسميت بـ”نجاة الصغيرة” تمييزا لها عن نجاة علي التي كانت يومها ممثلة ذائعة الصيت هي المطربة العربية الوحيدة التي يمكن أن يُوصف صوتها بالعذب. ولكن ما معنى أن يكون الصوت عذبا؟ يوصف الماء بالعذب أي أنه طيب، سائغ، حسن.
صوت نجاة عذب كالماء ويمكن القول إنه أقرب إلى الصمت الذي يتخلل المسافة التي تفصل بين الأرض والقمر. وهي مسافة مأهولة بالنجوم وأفكار العشاق.
ولطالما تساءلت عن قيمة أن ينظر الإنسان إلى كوكبنا من القمر التي لا يمكن أن تكون بقيمة النظر من كوكبنا إلى القمر.
ولكن فيروز تقول شيئا آخر “يا حلو يا حلو يا قمر/ يا ندي على غصن شجر” ولأن الشعر يمزح ويحتال ويراوغ فقد كان أحمد رامي قد كتب “هلت ليالي القمر” لتغنيها أم كلثوم عام 1942.
أكانت أم كلثوم بالنسبة إلى رامي هي القمر وهو الذي قضى حياته عاشقا عفيفا لها؟
لقد فضلت أم كلثوم من جهتها أن تكون كوكبا للشرق الذي كان ينحصر بالعالم العربي. وهي في ذلك تشبه ملوك الصين الذي كانوا يعتبرون أنفسهم ملوكا على الجهات الأربع، إذ كانت الصين من وجهة نظرهم هي العالم كله.
أما حين التقى أحد ملوك الصين بوفد من الجيش العربي الإسلامي الذي كان يستعد لفتح الصين بعد الهند، فإنه سألهم “ماذا تريدون؟” أجابه قائدهم “أن نضع أقدامنا على أرض الصين” أهداهم يومها مترا مربعا من تراب الصين، وقال لهم “افرشوه حيث ما كنتم، وستكون الصين تحت أقدامكم” غير أن أرمسترونغ ورفيقه لم يجلبا من سطح القمر سوى الصخور التي صارت تعرض في خزانات زجاجية.