"هكذا عشتُ الجحيم" سيرة هيثم حسين من الاحتراق إلى النجاة

لندن– “هكذا عشتُ الجحيم” سيرة ذاتية جديدة للكاتب والروائي الكردي السوري هيثم حسين، وهي عمل أدبي يسرد فيه تجربته الحية في مواجهة حادثة الاحتراق الذي تعرض له خلال خدمته العسكرية الإلزامية في سوريا نهاية القرن المنصرم، والذي خلف له آثارا جسدية ونفسية امتدت لعقود، وشكلت منعطفا حاسما في حياته الشخصية والأدبية.
هذه السيرة استعادة لحادث مأساوي، وتأمل طويل في ما يحدث للجسد حين يحترق، وللروح حين يُطرد منها الأمان، وللهوية حين تُعاد صياغتها بالقسوة. منذ السطور الأولى، ينقل القارئ إلى قلب جحيم الاحتراق بوصفه استعارة وواقعا ماديا ملموسا.
يتنقل السرد بين مشاهد القطعة العسكرية، المستشفيات، المواجهة مع العائلة والأصدقاء والمجتمع، وبين تأملات شخصية في العزلة، في النظرات، في تطهير الجروح والندوب، في المرآة التي لا تكف عن إعادة إنتاج ما ظن أنه اندثر.
في هذه السيرة، الصادرة عن منشورات “رامينا” في لندن، لا يعرض حسين نفسه كضحية ولا كبطل، إنما ككائن معلق بين حريق لم ينطفئ، وصوت لا يريد أن يُدفن.
يمتزج في هذه السيرة الخاص بالعام، ويتقاطع الجسد المحترق مع جسد الوطن المقهور. يحضر القمع العسكري، التمييز، المراقبة، وكأن السيرة الفردية ما هي إلا صورة مكبرة لمأساة سورية مستمرة. وبينما يتأمل حسين في الحروق الجسدية، نراه يتأمل في الوقت نفسه في احتراق المعنى، وتشوه القيم، وتآكل اللغة التي لم تعد قادرة على التستر.
يضم الكتاب مشاهد تفصيلية عن الحادثة: كيف اشتعلت الخيمة، كيف التصق جسده بالحديد والنار، كيف كان الجنود يجرون مذعورين، كيف كان الصراخ يُخنق تحت وطأة الرعب، وكيف لم يكن هناك من “نظام إنقاذ”، إنما فقط غريزة نجاة عارية في وجه الإهمال واللامبالاة والبيروقراطية العسكرية. ومع ذلك، فإن الأشد قسوة لم يكن لحظة الحريق نفسها، لكن ما تلاها: مواجهة النظرات، إعادة تعريف الذات، التعايش مع الجسد المتشوه، والقدرة على إعادة الاعتراف بالمرآة.
هذا الكتاب يُعد الثالث من مشروع أوسع للكاتب هيثم حسين، سبق أن عبر عنه في كتابين سيرين سابقين، هما “قد لا يبقى أحد” و”العنصري في غربته”، حيث يقارب فيه الذاكرة بوصفها أرضا محتلة من قِبل الصمت، ويستعين بالكتابة لاستردادها، بقصد التأريخ تارة، ومقاومة المحو تارة أخرى.
في هذا السياق، فإن “هكذا عشتُ الجحيم” هو بمثابة محاولة لاستعادة الصوت في حضرة العطب، ولحفظ ما تبقى من المعنى بعد الخراب. إنه محاولة شاقة لكتابة ما لا يُحتمل، وما لا يُقال، وهو عمل يؤرخ للندبة من داخلها، لا من حولها.
وجاء في كلمة الناشر على غلاف الكتاب أنه “بعد مرور ربع قرن على حادثة احتراقه التي غيرت مسار حياته، وبعد أن أمضى الكاتب سنوات طويلة يحاول الهروب من ثقل الذكريات، قرر أخيرا أن يواجهها بالكتابة، ليحول الألم الذي عاشه إلى مادة إبداعية، لا لإعادة استحضار الجحيم، بل لتأمل أبعاده وتأثيراته على تكوينه الإنساني.”
ويضيف “تمكن الكاتب في هذه السيرة من مواجهة آلامه المتجذرة، وتحرير ذاكرته من أسرها، والكتابة عن تلك اللحظات التي ظلت تلاحقه ككابوس متجدد، ليقدم شهادة استثنائية عن صراعه مع واحدة من أقسى التجارب الإنسانية التي يمكن أن يمر بها المرء. يواجه هيثم حسين في سيرته هذه جحيمه الشخصي الماضي، لا ليحكي عنه فقط، إنما ليُظهر كيف يمكن للنار التي أتت على الجسد أن تصبح شعلة تضيف إلى الروح أبعادا جديدة.”
ويتابع “يحاول الكاتب في هذا العمل صياغة العلاقة بين الإنسان والمحنة، بين الماضي الذي لا ينفك يطاردنا والحاضر الذي يدفعنا للمضي قدما، والغوص في الطبقات العميقة للذاكرة. يكشف كيف يمكن للحوادث الكبرى أن تعيد تشكيل الهوية، وكيف تصبح لحظات الألم بوابات لإعادة التفكير في معنى الحياة، وفي قدرتنا على التغيير والنهوض من تحت الرماد.”
جدير بالذكر أن هيثم حسين روائي كردي سوري، من مواليد عامودا 1978، مقيم في لندن، عضو جمعية المؤلفين في بريطانيا، مؤسس ومدير موقع الرواية نت. ترجمت أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والتشيكية والكردية. من أعماله الروائية والقصصية والنقدية: “آرام سليل الأوجاع المكابرة”، “رهائن الخطيئة”، “إبرة الرعب”، “عشبة ضارة في الفردوس”، “قد لا يبقى أحد”، “العنصري في غربته”، “كريستال أفريقي”، “حين يمشي الجبل”، وغيرها.