هشام نوار يعيد تشكيل "الجميلات النائمات" على هيئة تمثال الكتلة

القاهرة - من الرواية اليابانية “منزل الجميلات النائمات” ومن تمثال الكتلة الذي ظهر لأول مرة في الدولة المصرية الوسطى، استوحى الفنان التشكيلي المصري هشام نوّار فكرة معرضه الأخير الذي عنونه بـ”الجميلات النائمات” واستضافه غاليري ضي بالقاهرة في الفترة بين العاشر من نوفمبر الماضي والخامس من ديسمبر الجاري.
وضم المعرض ما يزيد عن 50 لوحة تنوعت خاماتها بين الألوان الزيتية والمائية، تركز جميعها على الجسد بمفهومه الجمالي والفني والجسد الأنثوي تحديدا. ويستعرض الفنان في هذا المعرض أعمالا تجمع بين العمق البصري والتعبير الهندسي، مما يمنح الحياة لأشكال تجسد توازن الجسد بين الثبات والحركة.
جاءت أغلب لوحات المعرض لتصور امرأة في حالة انطواء على الذات بعيون مغلقة وهيئة حالمة، تشبه في هيئتها تمثال الكتلة الشهير الذي ظهر في الدولة المصرية القديمة الوسطى واستمر مع الدولة الحديثة، وتصور شخصا جالسا يضع يديه على ركبته، وكأنه يرتدي عباءة تخبئ تفاصيل جسده، ولا يظهر منه سوى انحناءات خفيفة. التمثال يتخذ هيئة رجل تختفي أغلب ملامحه بينما يتم التركيز كثيرا على رأسه. في بعض الأحيان، يتم الاحتفاظ بتفاصيل الأطراف بواسطة النحات. وهناك نوعان أساسيان من تماثيل الكتلة: الأول يغطي القدمين بالكامل بالعباءة، والثاني يكشف القدمين. ويكون التمثال من الأمام مسطحا وعليه كتابات، وكان يصنع للمتوفى، وتكتب عليه صلوات وأدعية.
أما الرواية “منزل الجميلات النائمات” التي اقتبس منها الرسام لوحاته، وجعلها مخصصة لجميلات نائمات لا يرغب في أن يقترب منهن أحد كي لا يوقظهن من أحلامهن الجميلة، فهي للكاتب الياباني الشهير ياسوناري كاواباتا (1899 – 1972) الحائز على نوبل عام 1968، وتحكي عن عجوز يقضي الليل بجوار فتاة جميلة نائمة بشرط ألا يلمسها. وقد أهدى الرسام المصري أعمال معرضه لذكرى الكاتب الراحل كما أهداها أيضا للنحات المصري محمود مختار (1891 – 1934) تقديرا لتعامله مع فكرة تمثال الكتلة.
وأوضح بلاغ خاص بالمعرض أن الفنان هشام نوّار “يقدم رؤية فنية تتحدى التقاليد السائدة، مستلهما من ثقافات متعددة، مثل اليابان، ويعبر عن الحب كقيمة إنسانية عالمية.. يستمد إلهامه من فنون التاريخ والأدب الشرقي والغربي، متجاوزا حدود التقليد لينفتح على حوار مع التراث. أعماله تستلهم من الفن المصري القديم والفن الياباني، حيث يقدم نظرة عميقة لمفهومي الجسد والحب، ويدمج في لوحاته الألوان والتظليل ليحقق توازنا بين الحياة والموت”.
وهشام نوّار المولود في العام 1967، درس الفن بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة بين 1984 و1989، وهو عضو نقابة الفنانين التشكيليين المصريين، وحاصل على العديد من الجوائز والتكريمات. وقدّم الفنان 12 معرضا خاصا في مصر وإيطاليا، كما شارك في العديد من المعارض الجماعية، وعمل في ترميم الآثار بمنطقة الأهرامات عام 1988، كما شارك مع الفنان آدم حنين في ترميم تمثال “أبوالهول”، ويعرف باشتغاله على الموروث المصري وتوظيف ثيمات ورموز الثقافة المصرية القديمة في أغلب أعماله المتنوعة بين الرسم والنحت.
وعن تجربته تقول الكاتبة المصرية مي التلمساني “في أعماله النحتية والتصويرية السابقة، قدم هشام نوّار تصورا معاصرا لموروث الفنون المصرية القديمة وتجلياتها البارزة في فنون النحت سواء في التماثيل أو في نحت الجداريات، لم يتقيد بها يوما بشكل فلكلوري، بل فتح حوارا موسعا معها في محاولة لاستنطاق هذا الموروث وتجاوزه مؤسسا لنفسه مسارا يخصه وبصمة لا تخطئها العين، ويجمع هذا المسار بين ثقافة غزيرة ومعرفة أصيلة بمختلف تيارات الفن والتجريب في أوروبا وبين الاطلاع على حركة الفن التشكيلي المصرية في النحت والتصوير منذ جيل الرواد مرورا بتجارب السرياليين وجماعة الفن المعاصر وصولا إلى اللحظة الراهنة، وهكذا يأتي هذا المعرض في التجلي الأول بمثابة تحية للجسد ولروح الفن، وفي التجلي الثاني بمثابة تحية لكاواباتا أحد كبار الأدباء الكلاسيكيين.”
وفي تقديمها للمعرض، تقول الكاتبة المصرية إن “التلوين والتظليل يؤثران على الكتلة، ويجعلانها رغم ثباتها الظاهر في حال من الطفو وكأنها تسبح في فضاء حر، هنا تبرز ألوان الأرض الحارة التي احتفى بها الفنان، وتطغى درجات الأصفر والأحمر على درجات الأخضر والأزرق الباردة.” وتوضح أن الفنان يبدو وكأنه “هو من يقوم بفعل الدوران حول الكتلة عوضا عن المتفرج. هكذا ينجح هشام نوّار بخبرته الأصيلة بفنون النحت والتصوير معا في إيهامنا بتنوع أبعاد الكتلة وقدرتها على البروز خارج إطار الخطوط السوداء، بل وخارج سطح اللوحة.”