هزات حرب أوكرانيا تهدد نفوذ روسيا في آسيا الوسطى

موسكو- لا تقتصر مخلفات الحرب في أوكرانيا على توتر العلاقات بين روسيا والغرب، بل تسربت تأثيراتها إلى حلفاء موسكو في آسيا الوسطى الذين لم يبد البعض منهم تحمّسًا لنصرة روسيا، والبعض الآخر نأى بنفسه تماما وصار أقرب إلى الموقف الغربي.
وكانت بيلاروسيا قبل الحرب أقرب حليف إلى روسيا في الغرب والصين الأقرب في الشرق، وكانت كازاخستان أكبر حليف لها في الجنوب، لكن الوضع بدأ يتغير بعد نشوب الحرب بالنسبة إلى كازاخستان التي لا تبحث الآن عن أي فرص إضافية في علاقاتها مع روسيا، وتحاول بهدوء تفكيك تحالف لم تكن تريده أبدا دون إثارة غضب موسكو.
ويمنح اختيار الرئيس الصيني شي جين بينغ كازاخستان في أول رحلة خارجية له منذ يناير 2020، من خلال حضوره قمة شنغهاي ووعده بدعم كازاخستان في “حماية الاستقلال الوطني والسيادة والسلامة الإقليمية”، فرصة ذهبية لتعزيز تمرد أستانة على الروس.
◙ كلما تعمقت موسكو في مواجهة الغرب والمجتمع الدولي كانت كازاخستان أكثر استعدادا للتخلي عن روسيا والنأي بنفسها عنها
ولم يعرب أي مسؤول في كازاخستان عن دعمه لموسكو منذ غزوها أوكرانيا في فبراير الماضي، ولا حتى عن تفهمه (مثل الصين) “المخاوف الأمنية الروسية المعقولة”. وبدلا من ذلك رفض رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف علنا دعم روسيا بالرغم من أفضالها عليه؛ إذ تدخلت في يناير الماضي لمنع احتجاجات واسعة كانت تستهدف الإطاحة به.
ويقول محللون إن التدخل الروسي كان يهدف أساسا إلى منع سقوط أي منطقة جديدة مما يسمى بـ”العالم الروسي الأكبر”، وليس إنقاذ توكاييف في حد ذاته.
ولم تعترف كازاخستان بالجمهوريات الانفصالية في منطقة دونباس الأوكرانية ولم تساعد روسيا في الالتفاف على العقوبات الاقتصادية. كما لم تسمح بأي تفاعل شعبي داعم لروسيا وحظرت رموز الدعاية العسكرية الروسية وألغت استعراض يوم النصر في 9 مايو.
وتدرك كازاخستان جيدا أنها مقيدة بحواجز لا يمكنها تجاوزها، مثل اعتماد اقتصادها على روسيا للحصول على المواد الأساسية كالطعام والملابس، إذ تغطي الواردات القادمة من روسيا أكثر من 40 في المئة من احتياجات السوق الكازاخية.

◙ اختيار شي جين بينغ كازاخستان في أول رحلة خارجية له منذ يناير 2020 يمنح فرصة ذهبية لتعزيز تمرد أستانة على الروس
ووجد الكازاخيون أنفسهم يواجهون نقصا في السكر وارتفاعا في أسعاره عندما أوقفت روسيا تصديره هذا العام بسبب مخاوف من النقص المحلي.
ويشير تيمور إيمروف، الزميل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إلى أن روسيا تريد الإبقاء على الوضع الراهن في علاقاتها مع كازاخستان، لافتا إلى أن موسكو تدرك أن موقفها التفاوضي في أدنى مستوياته، وهي تحتاج إلى مشاركة أستانة في تحمل عبء العقوبات من خلال استيعاب بعض الشركات الروسية والسماح بالتصدير الموازي للبضائع الخاضعة للعقوبات.
ويضيف إيمروف في مقال له بمجلة “فورين بوليسي” أنه “كلما تعمقت موسكو في مواجهة الغرب والمجتمع الدولي كانت كازاخستان أكثر استعدادا للتخلي عن روسيا قدر الإمكان، مع محاولة تجنب تكبد خسائر نتيجة استياء موسكو”.
وإذا كانت الخطوط الحمراء في علاقة كازاخستان مع روسيا غير واضحة بالنسبة إليها منذ غزو أوكرانيا في فبراير، وإذا كان إجراء أستانة تدريبات عسكرية مع الناتو لا يثير غضب روسيا في السابق، فإن موسكو الآن ترى نفسها في حالة حرب مع الغرب وقد تتصرف بشكل أكثر عدوانية تجاه خرق كازاخستان لأسس التحالف بينهما. ولا يبدو أن كازاخستان تحسب حسابا للخطوط الحمراء الروسية، وإلا ما كانت لتسعى إلى بناء علاقات بديلة مستغلة انشغال الرئيس الروسي فلادمير بوتين بالحرب في أوكرانيا.
وزار توكاييف تركيا لأول مرة منذ تنصيبه بعد عدة أشهر من بدء الحرب في أوكرانيا، حيث طوّر الطرفان علاقتهما إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية واتفقا على الشروع في إنتاج طائرات تركية دون طيار في كازاخستان. والأهم من ذلك أن كازاخستان وافقت على تبادل المعلومات الاستخباراتية العسكرية مع تركيا. وهذه هي المرة الأولى التي توافق فيها دولة عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي على تبادل معلومات استخباراتية حساسة مع أحد أعضاء الناتو.
كما زار توكاييف أذربيجان. وبينما ترفض كازاخستان دعم الحملات العسكرية الروسية، إلا أنها لم تُظهر نفس التردد في الانحياز إلى أي طرف في الصراع الإقليمي المستمر بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم قرة باغ. ورغم أن الجيش الأذري هزم أرمينيا حليف كازاخستان في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، إلا أن ذلك لم يمنع توكاييف من تهنئة الرئيس الأذري إلهام علييف على “استعادة وحدة أراضي” بلاده. واتفق الطرفان على تكثيف تعاونهما الاقتصادي.
◙ التدخل الروسي كان يهدف أساسا إلى منع سقوط أي منطقة جديدة مما يسمى بـ"العالم الروسي الأكبر"، وليس إنقاذ توكاييف في حد ذاته
ولم يكن المتشددون في روسيا سعداء بالأخبار القادمة من كازاخستان وسعيها إلى البحث عن حلفاء بعيدا عن نفوذ موسكو التي قد تجد نفسها مضطرة إلى تذكير أستانة بالثمن الذي ستدفعه مقابل تدهور العلاقات.
وتنفرد روسيا بخُمس إجمالي تجارة كازاخستان الخارجية، بينما يعبر أكثر من نصف البضائع الكازاخية الأراضي الروسية. لذلك يمكن لروسيا قطع مصدر دخل كازاخستان الرئيسي. وفي الوقت الحالي تنتقل 80 في المئة من صادرات النفط الكازاخية من خلال اتحاد خطوط أنابيب بحر قزوين الذي تمتلك روسيا فيه حصة 31 في المئة.
وسيحرم إيقاف الأنابيب ميزانية كازاخستان من أكثر من 40 في المئة من دخلها.
ورغم أن شن روسيا حربا أخرى على حدودها يبقى أمرا غير مرجح إلى حد كبير، إلا أن الجانب السلبي الأكبر لإستراتيجية كازاخستان الناشئة حديثا تجاه روسيا قد يدفع بوتين إلى مغامرة جديدة لتأديب أستانة.